محمد الصباغ - تدمير متبادل.. قصة قصيرة

قبل إنفصالهما المباعد الذي عاشا فيه قبل أن يحدث وقد ظل يتراكم ترابه ورمله الحاجز عبر سنين حتي أصبح هرما من صخور لا هرما من حبات رمال ؛ وقبل الإنفصال فقد تمادي في إيذائها وتمادت في إيذائه ؛ ربما عن قصد في الإيذاء بعد أن تحول الحب بالمعاشرة إلي كره شديد ؛ وربما كانت هي الأكثر إيلاما في الإيذاء والألم في حد ذاته ؛ كعمل إنتقامي مما تصورت أنه قد أحدثه في حياتها من ألم سابق وتدمير.
وربما كانت تمارس الإنتقام منه كرد فعل غير مسيطر عليه منها كونها كانت تشعر بكثافة شعور مسيطر عليها أن حياتها مضت بلا جدوي وأنها قد تدمرت بسببه.
كانت تظن أن الإنفصال سيجعله وحيدا أكثر ، بما يجعلها تحطمه أكثر بسهوله ، ولكن كانت صدمتها أن وحدته بعيدا عنها قد جعلته أقوي مما كان وهو في نطاق حوزتها.
كانت تمارس الإيذاء له كعمل إنتقامي دائم تجاهه ؛ وليس كأثر جانبي محتمل للفعل غير المرغوب والفعل المرضي لها . وكان هذا دافعه الأساس وراء قرار الإنفصال والإبتعاد وكان يحاول أن يعمل علي أن يوقف مسلسل التدمير المتبادل منها تجاهه ؛ ومنه تجاهها وخصوصا بعدما سيطر عليه الإحساس بأنها صارت عبء عليه ولابد أن يتجاهل وجودها في الحياة لكي يستطيع أن يحيا ، كان شعوره تجاهها كارها بعدما تأكد أن كل ما فعله من أجلها كان في ظنها ماء مالح ؛ وقد أصبح ظنه أنه مهما سبق وقدم لها علي سبيل الترضية التي توقف توسع مدي التدمير المتبادل سوف يكون أيضا بالنسبة لها ماء مالحا.
في بداية " حرب الإيذاء " جرب الإحتواء للحد من الإيذاء ؛ ولكنها اعتبرته استسلاما منه لها ؛ وأغراها بأن تستلبه هو شخصيا ؛ ليكون غنيمتها ، مقابل وقف " الحرب".
لقد نفذ قرار الإنفصال ببساطة شديدة ؛ بعدما خاطب نفسه مرة وأكثر بالاستمرار متحملا فاتورة الخسائر المتراكمة وحده ؛ ولكنه وجد نفسه فجأة عاقدا العزم علي الإنفصال رغم الخسارة الأفدح علي كل المستويات بعد الإنفصال ؛ وجد وجد نفسه يردد لنفسه : " سر كما أنت ؛ فلا أحد أي ما كان في الحياة ولأي سبب من الأسباب ؛ يستحق الإلتفات ؛ فلا أحد يستحق أن تنحني لتلتقطه من حيث هو قد سقط من فوق عاتقك ؛ وحتي لو لم يبق لك أحد في الحياة إلا أنت".
كان هو الذي بدأ رحلة الفرار منها بالإنفصال ؛ وقد أشعل هذا بها مزيد من جنون الإنتقام منه وإحداث القدر الأعظم به من الخسائر ؛ حتي تدميره تماما ؛ فلا يصلح لأي حياة بعدها .
كان هو قد بدأ رحلة الفرار بالإنفصال ؛ وهي قد بدأت مطاردته والبحث عنه لإحداث مزيد من الإيزاء له!!.
كان غريبا أن المواجهة بينهما قد حدثت بعد الإنفصال لا قبله ؛ حين تلاقيا صدفة ؛ فقد ظل هو يهرب منها في فترة المطاردة التي بدأتها لتحاصره بالإيذاء ، وقد تركت لدي كل من يعرفهما حكي عن أبشع الحكايات التي صورته بها ؛ لتقتله تماما وليس فقط لتشوه وجوده .
كان كلاهما قد نظر لعطاء الآخر ؛ بل لحياته ، بأنها بلا معني وهي ليست الحياة المفيدة له ؛ ولا تعني حياته إلا مزيدا من اللا معني ومنتهي الخسارة.
عندما استطعت أسره في المصادفة الأولي التي أعقبت الإنفصال ؛ فقد أردات أن تبقيه في معسكر الأسر وقالت له : " عندما تبكي أنت ؛ تبكيني دموعك ؛ لا أستطيع تحمل رؤيتها ؛ رغم أني أعرف أنها راحة لك . لا أريد أن أري إنكسارك وأريد أن أتحول بوجهي لحظتها عن رؤية قتلك لي بتساقط دموعك ؛ فأبكي أنا أيضا ؛ ثبت عينيك علي " .
وقالت له وسط صمته أثناء تدفق دموعه : " متي أكف أنا عن البكاء بسببك ومن أجلك".
تخلص من دموعه ، وقد حان آوان المصاىحة التي تؤكد اللا عودة منه إليها ؛ والتي لا تدفعها إلي مزيد من اللاحب له وتدفعها إلي مزيد من الكراهية ؛ وتدفعها إلي مزيد من المطاردة اللانهائية إلا بالموت لأحدهما أو الموت الذي تتمناه له وهو غير راغب حقا لا في موته ولا في موتها . وقال بتصميم : " لا أعرف حقا كيف تستمر حياتي بعد إنفصالنا الآن ؛ وهو ليس قرارا بل هو مصيرنا ؛ لا أعرف كيف تستمر الحياة ؛ هي الآن أضيق من كل الحلقات الضيقة السابقة وليست المشكلة فيك ؛ أنا محاصر في الحياة كلها ؛ وهي الأصعب من بين كل أزمات حياتي ؛ وكل الذي مررت به رغم صعوبته ؛ لماذا لا تتصورين الجانب الأجمل من القصة التي عشناها معا ؛ وأنني سوف أكف عن أن أكون المصيدة التي إذا دخلها أحد كان هالكا وصار ضائعا مثلما أنت الآن ؛ فأنا وأنت كلانا رماد إنسان احترق . سوف أكف عن أن أكون متاهة اللاأحد وسوف أصبح حاضرا محطما ؛ وحتي لو كدرت علي الحاضر رتابته ؛ ولكني سوف أكون لا مسئولا عن تحطيم أو تدمير أي أحد ".
قالت : "وماذا عني أنا ؟! " فقال : لا بد أن تتحملي أيضا نصيبك عن المصير الذي إنتهينا إليه".
وصمت ؛ فقد انتهي منه الكلام ؛ وهي قد انتهت.

محمد الصباغ



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى