نيران العبيدي - أشياء صغيرة

وتقولين : ليتتني أموت قَبلك َلااحتمل الفراق , أنا أضعف من أن أعيش بدونكَ
ها هي نبؤتك تتحقق ياعزيزتي , لا اعلم إن كان هو الحب أم الانانية الطاغية لدوافعك , أنا مجرد بقايا إنسان يعتاش على ذكراكِ
قلتِ : هل تتزوج من بعدي ؟
قُلتُ: لا استطيع العيش من بعدكِ
بمثلِ هذا اليوم ياحبيبتي تُطرز الموائد بشراشف الكتان والدانتيلا وورود الجوري التي تحبين
أقول لكِ: لا داعي لهذا العناء , أن تطبخي لفائف الدولمة ورق العنب , هي أشبه بلعبة الدومينو للنساء , لا رجاء منها سوى قتل الوقت , والطعام طعام أيُ كان
اليوم هو عيد الأب , وأنا على انتظار , ربما يأتي الاولاد وهو ثالث عيد بعد رحيلكِ . حضروا كُلهم في العيد الاول, جلبت ابنتكِ الكبرى قدور الدولمة وأقراص كبة البرغل الموصلية وكبة الحلب … زينت المائدة في الحديقة الخلفية وجاءَ أبنك ِمع زوجته الايطالية , كما حضرت أبنتكِ الصغرى المدللة وها هو العيد الثالث وأنا أجلس وحدي على هذا الكُرسي في الحديقة الخلفية , وجدار المشبك الحديدي يفصل بيني وبين جارتي الكندية , وهي تجلس تُدخن وتمسّد كلبها تحت الشمس لهذا اليوم .. أختطفُ بعض النظرات , وأرجع لأفكاري وكياني . انظر الى الطيور الملوّنة وهي تشرب من نافورة الحديقة , و تـأكل من بذور عباد الشمس التي أعتدتُ أن اضعها في أنبوب أكل الطيور وأعلقهُاعلى حبل الملابس
قُلتِ : إنها صدقة جارية , حتى الطيور عندما تأكل تُحسب لكَ صدقة …. الشمس لازالت تتوسط حديقة الدار بشكل عمودي , وأنا أضع القبعة الصيفية التي أهديتني أياها
قُلتِ : لا تعمل بالحديقة بدون هذهِ القبعة , الشمس محرقة . وتهرأت القبعة , ولازال طَيفُكِ يناديني ,
منتصف النهار , وليس هناك أية نبؤة لمجيئهم !!
ويرن جرس الهاتف بابا
نعم
أنا وماريا سوف نذهب الى دار جدها , العائلة كُلها هناك وأعتقد العام الماضي كنا معكَ وهذهِ السنة من حصة عائلتها .. أنا أعت …
وأقولُ لهُ : لا عليكَ . دُم سعيداً مع زوجتكَ , أنك لا تعلم متى الفراق
أنكمش في وحدتي , وظلي خلفي , الساعة تمام الواحدة بعد الظهر , ,يرن جرس الهاتف مرة أخرى
بابا
نعم
لدينا بعض المشاغل , وأعتقد سوف نذهب لزيارة أهل زوجي , العائلة كُلها هناك , ولابد من الذهاب … أعذرني , لم أحُضر لكَ لفائف ورق العنب , كما كانت أمي تفعل , لكني أعدكَ في السنة القادمة .. وأقاطعها
لا عليكِ يا أبنتي , أنا ايضاً لديّ مشاغل
هل الحديقة ؟
وهل يوجد لديّ عمل آخر
وأبنتكِ الصغرى لم تكلف نفسها , ربما قررت أنه سيفهم لا أستطيع المجيء ولا داعي للتلفون
وأتذكر الشموع التي كنتِ توقدينها .. شيء خاص في يوم خاص كهذا
وأعلم كُل اتصالاتُكِ قبل يوم من هذا الموعد !! تترجين الأولاد القدوم للاحتفاء بيَ
آوَ تعتقدينَ بأني لا أعرف أنكِ من أعدت كل شيء , لكني لا أريد أن افسد عليكِ عنصر المفاجأة
وتقولين : لماذا تبدو كأنكَ ابو الهول ؟
أنا ؟ لا أجيد فن الكلام مثل اي عراقي , والحب لعبة نفعلها ولا نقولها , أشياء صغيرة أفعلها من أجلكِ , كان لابد أن تشعري بها
وأوهمكِ بعدم مبالاتي .. وانتِ تتشوقين لكلمة اقولها لكِ
قلتُ : هذهِ الحديقة جَملتها من أجلكِ أنتِ
نعم من اجلكِ .. زرعتُ السبانغ والجزر والفلفل الأخضر , وعملتُ لكِ عريشة العنب للفائف العنب التي تحبين
قُلتُ لنفسي : كل شيء طازج بدون كيميائيات , لكن هيهات , ها هي الكميائيات تغزو جسمكِ علاجاً للسرطان
لم أشأ أن اراكِ في فراش الموت
قلتِ : أفعل ما تشاء من بعدي , أتمنى لكَ السعادة
أنظر الى الساعة , لا خطط جادة لهذا اليوم , ولكني أرى جارتي الايرلندية تتقدم نحو الجدار المشبك الذي يفصل بيننا
هل الاولاد قادمون لهذهِ السنة ؟؟ تساءلت
لم أرفع عيني , الظاهر لديهم مشاغلهم , أجبتها ببرود
قالت : أنا ايضاً ذهبوا مع طليقي , أعني والدهم
هل تغديتَ لهذا اليوم ؟
ليس بعد , أجبت
هل تمانع أن اجلب الوجبة التي اعددتها لهذهِ المناسبة , أعتدتُ أن أحُضر لشخص منتظر كل سنة , ولا أعلم من هو هذا المنتظر .. لماذا لا تكونَ أنت ؟
أجبتها بعدم أكتراث : لمَ لا , ليسَ هناك ما يشغلني
وتجتاز الممشى الأمامي , وتفتح باب الحديقة الخلفية من جانب البيت , وهي تحمل سلة خوص مغطاة بمنشفة مطبخ ملونة
وضعت السلة على الارض , هاي
أجبتها : هاي
إذن هذهِ الطاولة التي سوف نتغدى عليها ؟
نعم
أخرجت قطعة قماش , ومسحت الطاولة الزجاجية التي تتوسط طارمة الحديقة الخلفية , وضعت شرشفاً مدوراً بكبر الطاولة مطبوعاً عليه زهرة كبيرة لعبَّاد الشمس
قلتُ في نفسي : ها .. إذن انا صيدكِ الثمين !! أو ربما تُمثلين دور صوفيا لورين في البحث عن حبيبها بفلم زهرة عباد الشمس !!
أخرجت قنينة نبيذ أحمر وقدحين
أشعلت شمعة , وضعتها في قدح زجاجي صغير
وضعت قطعاً من اللحم المقدد مع مهروس البطاطا , وضعت سكيناً على يمين كل صحن , وشوكة على اليسار
سحبت كرسي الحديقة البلاستيكي وصفقت , لنشرب تخب هذا اليوم , حملت القدح الذي صبت فيه الواين , وقدمته لي , وأنا أجلس على الكرسي , أعتقد هي ايضاً على الجهة المقابلة تفعل كما أفعل أنا
شاغلتُ نفسي بمنظر الطائر الازرق الذي يلتقط حبات عبَّاد الشمس من أنبوب غذاء الطيور , لاحظتُ أن الطائر الازرق والذي يُدعى البلوجي هنا أكثر زرقة من ذي قبل . تذكرتُ انكِ كنتِ تحبينَ طائر الكاردينال الأحمر
نسيتُ كيف تكون المبادرة , لكني أستجمعتُ قوايَّ, والتفتُ الى ضيفتي لأرى أجمل لمعان في عينين زرقاوتين
وأنا أسمع هاتفكِ من وراء المجهول يقول دُم سعيداً ياحبيبي



* عن موقع الناقد العراقي

نيران العبيدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى