أسامة العقيلي - سَعـَـــد

لاتسألني أيها الغريب .. لماذا تم ذلك ؟ وكيف تم ؟ الحقيقة هي ما أقولها لك .. أنا فقط أمتلك هما لسردها.. إن كنت راغبا بأن تحفر معي ذاكرتي لتراها فلن تحاتج الى مسحاة أو أي شيئ آخر .. أفتح أذنيك فقط .. ولكن تنبه فحالما تستمع لي ستحفر الهوينا قبرا لها في ذاكرتك أيضا .. أو ترغب أن تؤسس لك ذاكرة قبور شاخصة .. دع مسحاتي أنا فقط تستخرج مادفنوه .. هناك في القلعة.. قلعة سكر هل سمعت بها .. أنها في الجنوب .. هل سمعت بالجنوب ؟ ذاك الذي كانت تبجله السماء بأنبيائها .. الجلعة أما سمعت بجلعة سكر.. الجلعة هي التي قتل فيها صلاح وعلي وجليل ووائل .. أذا كان لديك وقت أستطيع أن أسرد لك أسماء تؤلف كتابا لايقدر على حمله بغل.. وأي بغل أنه ذلك الماثل أمامك ...
أسألك أنا هل تعرف صلاح؟؟ ولو كنت هناك هل سيغمى عليك ؟ وإن فعلتها فهل ستستيقظ بعدها بيوم .. بيومين .. بمائة ..لتلعب الدومنا أو تتوسل بركعتين تلوك معها ألفاظ الصبر الجميل .. أنا حتى الأن لم أفق من غيبوبتي .. الذي يحدثك غائب عن الوعي تماما .. ولكن كيف ألتقيتك ؟ لابد أنك مثلي تعرف الكثير..
الحقيقة أننا الوحيدون القادرون على العيش أمام الناس ونحن موتى في دواخلنا .. موتى منذ زمن طويل..الحقيقة الأخرى أن الله وحده كان قادرا على منع ماحدث ولكنه لم يفعلها..ولا أتذكر حينها سببا واحدا يدعو الله لتذكر الجلعة .. لماذا يتذكرها .. ها قل لي لماذا؟ سأعطيك أنا ألف سبب وسبب تجعله ينساها وربما الى الابد بعد أن يحذفها من خارطة الملكوت..ولو رأيت أيها الغريب تلك الخشبة التي عاشت أمامي .. انتصبت قدامي خمسة أعوام لآتقبل أن تتآكل ولا يقدر أحد على قلعها لأن ذلك يجعلهم يعلقونه عليها.. قل لي من سيقول لك قصتها.. سأقولها أنا لك .. ولكن أياك أن تسألني مرة أخرى..فأنت لم تر أنسانا يمزق جسده الرصاص أمامك..دع ذاكرتك الطازجة تلك آمنة إن كنت لاتحب أن تسمع.. أو لا فأنك تريد أن تصير منا .. وذلك ليس صعبا .. ماعليك إلا أن تثق بأننا كنا هناك واقفين بانتظار الدور ياصديقي..بانتظار صعودنا على هذه الخشبة ..........
سأقول لك أنا سعد الحاج جليل , صاحب محل تبديل دهن السيارات وتصليح الأطارات في الطرف الآخر من قلعة سكر.. هذا هو مكاني الثاني .. فلقد كنت أمتلك محلا قريبا من دائرة التجنيد ..ولكن دائرة التجنيد توسعت بسبب الحرب فأكلت الناس وأكلت محلي أيضا.. ذهبت لأشتكي في الفرقة الحزبية ..لم يكن هناك لمركز الشرطة أي دور .. الفرقة الحزبية هي كل شيئ ..فقالوا لي .. إحمد ربك وأشكره واسكت.. يفترض بك أن لاتكون هنا الآن بل في الجبهة..أمثالك شبعوا موتا الأن .. اسكت وابحث عن مكان آخر ولا تنسى أنك تنطح رأسك برأس التجنيد..لاتنطحه فيفتح عليك أبواب جهنم.. سمعت قولهم فعدت أدراجي فلم أجد بعد ثلاثة أشهر غير هذا المحل المتطرف.. خارج القلعة كما ترى في الطرف الثاني من الشارع العمومي المؤدي الى بغداد.. تعبت كثيرا حتى أقنعت زبائني بالمجيئ الى هنا..وبعد أن أسست لي موقعا جيدا وأصبحت خبزتي فيه تصل الى بطني بشكل جيد ..واكتشفت أن هذا المكان أفض بكثير من المكان القديم فأنا هنا بعيد عن الهم والغم الذلة التي كنت اتعرض لها في المدينة ..فالأمن والشرطة والحزب وكل من له ظهر يقتحمون علي المحل ويفعلوا مايشاؤون من دون مقابل وانا ساكت لأن أي حديث معهم يعني ذهابي الى الجبهة ..هم لايعرفون مرض القلب أو غير ذلك .. أنا الوحيد في هذه المدينة من مواليدي لم أذهب للجبهة وكان ذلك صدفة لاأكثر ولاأقل ..أخرجوني من الجيش قبل أن تبدا الحرب .. لكنني حتى الأن أعيش الندم المضني لبقائي هنا كديك بين حشد من الدجاجات.. كنت أراقب يوميا أقراني ومن هم بمثل مواليدي يطاح برؤوسهم في الجبهات أو هنا على هذه الخشبات.. ربما ذلك ما كللني بالحسد .. كل النساء والرجال ينظرون الي بعين الحسد .. لماذا يموت أبناؤهم وأبن نقلية لايموت .. نقلية أسم أمي فلا تذهب بعيدا..لكن كل ذلك ما أثر بي سوى ذلك الشعور بالندم .. لكن اشد ما دمرني هو تلك الخشبات ..
كنت كل يوم أعمل بأمان الله وأنتظر الناس هنا والسواق فاشرب الشاي ونتبادل الحديث.. وصرت سعيدا بمكاني هذا فأنفقت كل مالدي بعد أن باعت أمي بعض ما لديها من الذهب لبناء هذا المكان .. ثم بعد ذلك أقنعت صاحبه بأن يبيعني أياه وهو ما صار بالفعل .. ياليتني لم أفعل .. لماذا .. لأن تلك الخشبات الملعونات نغصت علي عيشي وجعلتني أكره كل شيئ فعرضت على جميع الناس بيع المحل ألا انهم رفضوا .. قالوا أن هذا المكان لايمكن أن يجاوره شخص .. ثم بدأت أفقد زبائني واحدا واحدا..
كان أبو صباح رجلا عاديا طيبا يحبه الجميع .. تخلص بشق الأنفس هو وعائلته من التسفير الى أيران في نهاية السبعينيات.. وكان أبناؤه من شباب القلعة الرائعين.. كل أهالي القلعة يتابعون إبنه نجاح في لعبه لكرة القدم .. لقد كان فنانا يجعل الناس يصرخون لتسديداته الصاروخية..أما صلاح فلقد كان كوكبا جميلا يضئ كلما مر في احد شوارع المدينة.. لقد كان وجهه كالمدالية الأولمبية تماما.. كان شابا يخشى عليه من غبار الطريق .. ينظر له الناس على أنه من اجمل وأبهى وجوه الشباب في المدينة مصحوبا بخلق جميل وتربية عالية .. الا أن رجال الأمن والحزب لم يتركوا هذه العائلة وشأنها وظلوا يلاحقونهم بكل ما لديهم من تهم بعد أن أثبتت بغداد عراقيتهم ..
صلاح هذا لم يتجاوز الشهر السابع بعد سن الثامنة عشرة .. كان طريا حين سحبوا مواليدة .. ومدللا لايعرف الخشونة .. طيبا لايعرف ما يخطط له الأخرون الشاذون للنيل من شبابة وتفريغ شهوة الحمير لديهم بأماكن أخرى بعد أن فقدوا نساءهم النائمات مع رجال آخرين..أخذوه الى الناصرية .. الى مركز تدريبها.. فلم يستطع البقاء فظل بالبيت حالما حصل على أول مساعدة خميس وجمعة بالنزول.. وظل متخفيا في عدد من المنازل .. يتنقل من بيت لبيت .. يحميه الأصدقاء .. طمعا بانتهاء الحرب بعد شهر أو شهرين .. لكن الحرب لم تنته.. وما أن تبلغ رجال الأمن والحزب الشرفاء خبر هروبه حتى هاجموا المنزل واعتقلوا أباه وأودعوه سجن القلعة .. أقتحم على بطــّة.. هذا القصير الذي طرده والده فنام باحضان الأمن الباب وأراد أن يأخذ أحدى أخواته الى السجن ليعتدي عليها هناك الا أن الجيران منعوه ..
أنا كنت هنا في المحل حين سمعت من بعض السواق ان بعض الخونة سيعدمون غدا ولم أعلم المكان .. ظننت انه سيكون بجوار دائرة الأمن أو الحزب.. تلك المرة الأولى التي يصبح فيها أعدام الناس علنيا كشاشة السينما التي كانت تأتي سابقا الى القلعة وتعرض الأفلام .. أنها الأن واقع حقيقي يمكن لكل أنسان أن يشاهده كفصل مسرحي قصير...
في الصباح كنت أفتتح المحل .. شاهدت مجموعة من الرفاق يوقفون سيارتهم في ذلك المكان .. أمام المحل .. على الطرف الآخر..كان يوما مغبرا حارا .. بدأت أرش الأرض بانتظار أول الزائرين.. ثم غادروا مخلفين ثلاثة أعمدة وراءهم...ذهبت الى المكان ما أن غابت آثار مسدساتهم .. كانت الخشبات منتصبة على هيئة صليب ..
في المدينة أشاعت الفرقة خبر أعدام ثلاثة من الخونة.. لم يحددوا من هم .. تركوا الأمر مفتوحا عند الناس لكل الأحتمالات والشك الذي أكل قلوب العوائل التي أختفى أبناؤها..وتركوه مفتوحا أيضا لكل من يريد المشاهدة وفيما عدا ذلك حشدوا بعض كلابهم وكلباتهم للأحتفال بالأنجاز الذي سيتحقق...
صباح يوم الأعدام بدا عاديا..لايختلف عن الصباحات الأخرى .. صباحات الحرب الطويلة ..لكنه عند الناس وفي عقولهم كان يوما فاصلا.. مفرقا تاريخيا على حد قول ملا رهيـّـف البصير...
أنتم لاتدرون ماذا يعني ذلك..أنه يوم يختلف عن كل أيام حياة هذه القلعة البائسة.. أنه يوم سترون فيه الأعدام وستقابلونه وجها لوجه.. خلاص لقد رفعت الستر ولم يعد الأمر مخفيا..أحمد الله أنني لاأرى وجوهكم الآن..أتوقع أنها تنزف عرقا من الخجل..
كان يخاطب مهدي الشاب الشاعر .. وهما في العادة يتناقشان حول الشعر الكلاسيكي والحداثة .. إذ كان الملا رهيف حافظا جيدا وله آراء وجيهة في مسألة العودة الى الشعر القديم في عملية التجديد.. وكان وعلى الرغم من عباءته وعقاله قارئا نهما للكتب .....
عمــّـي رهيف .. مالذي تقصده ؟؟؟
القضية واضحة عمي مهدي .. يريدون أن يخرسوا ما يتوقعون وجوده من أفواه..انها العين الحمرة كما يقولون وسيسملون بها كل العيون الرائية الاخرى.. انهم يروننا الاعدام مباشرة كنذير طالما سمعنا انهم يمارسونه في غرف مظلمة ..الان سيمارسونه على الهواء وأمام الملأ..المدينة لم تر مثل هذه المناظر من قبل.. تلك هي المرة الأولى التي سيشاهد الناس اعداما .. لا بل ثلاثة دفعة واحدة إيغالا بالتخويف .. الله ياله من كرم وفير....
ستظل الخشبات الثلاث شاخصة أمام محل سعد أبو الدهن ..ذلك المسكين الذي بكى حين تصور أن بشرا منه ومن دمه ومن وطنه سيقفون هناك معصوبي العيون ومكمومي الأفواه..كلنا عراقيون يا ملا .. كلنا عراقيون...
ولكن من سيذهب ليرى هذه البشاعة ؟؟؟ تساءل ملا رهيــّف...
أعتقد ياعم أن الكثير ستجده هناك.. من الناس هنا من هو أكثر بشاعة من رجال الأمن والرفاق .. زحفت الى المدينة حشود لانعرف من أين ولم نرها من قبل .. تضج بهم المدينة ..يمتلكون تصحر الصحراء وجفاف أرضها..
ياإلهي ياعماه لو رأيتهم وهم يهجمون على محل الحاج تقي .. أبو نجاح وصلاح بعد أن حطم أبوابه رجال الأمن صائحين على الناس...
كل شيئ ببلاش...خذوا ما تشاؤون..
هجموا من دون سؤال عن حلال أو عن حرام .. من دون أن تشخص صور ذلك الرجل المتدين الذي طالموا اشتروا منه أمام أعينهم..التهموا كالجراد المحل خلال دقائق يحملون علب السكائر والشخاط والموسى والصابون وكل تلك الحاجيات التافهة التي كان الحاج تقي يعيش على بيعها.. دقائق معدودة حتى أصبح المحل فارغا كأنما اقتلعت عاصفة كل مافيه..هؤلاء أنفسهم ستراهم غدا ياعمي رهـيـّف..
سمعت أيضا أن الحاج تقي أخذه رجال الأمن هو وعائلته..المساكين لاأحد يستطيع الكلام.. لماذا فعلوا ذلك..يقولون بسبب ابنهم صلاح كما يقول الناس..
صلاح انه لم يلتحق الا قبل ستة اشهر .. لم يزل طريا ناعما كخبزة العباس.. كالطين الحري .. هل يقتادون العائلة كلها بسببه..هل يسبب خطرا فادحا على الدولة..
سمعت ياعم انهم يريدون منه تسليم نفسه ولذلك فعلوا ما فعلوا..
ياولدي مهدي ..صلاح مجرد طفل..من يفهم انه لم يتجاوز التاسعة عشرة بل الثامنة عشرة وستة اشهر..انه طفل .. ولكن ما علاقة ذلك بالمحل والبيت.. البيت سلبه بعض الأوباش أيضا..أن ذلك يذكرني بحملات التسفير ولقد كان الحاج تقي وعائلته من المشمولين بالتسفير.. ناضل كي لايرمى على الحدود وعائلته.. وعلى الرغم من حمله لكل الأواق العراقية والعثمانية ألا أن الحقد الدفين الذي يكنه له بعض السفلة من الحزبيين هنا جعلهم يصرون على فارسيته .. لالشيئ إلا لأنه رجل طيب وزاهد..أعتقد أن النار لم تنطفئ..لا أعلم ..أنا الاعمى أراها مشتعلة في الجوار..في جوار قلبي على الأقل...
إصطف الجنود.. بعض حزبيي المدينة أمام الخشبات الفارغات..خلفهم اصطف مسؤولون كبار جاؤوا من المحافظة ومن المحافظات الأخرى..كلهم ينتظرون رأسا كبيرا ليشهد حفلة الموت الرسمية..ليشهد قتل الخونة.. كان الصباح مغبرا ..كيف لا والأرض لم تعد خضراء..أنها قاحلة بلون الصبر.. بلون الملح الذي تذرفه العيون.. من بعيد توقفت بعض سيارات الأهالي يتساءلون عن من سيعلق هنا اليوم...
لم يكن أي ّ من أهل المدينة عارفا بهويات من سيعلقون هنا..ولذلك قاد الخوف الكثير من الناس لمشاهدة ذلك رغما عنهم وبعضهم آثر الوقوف بعيدا حتى ينجلي غبار الرصاص.. بعض صغار الحزبيين وقفوا على هيئة هلال وبيدهم هراوات خشبية لمنع الأهالي من التحشد.. لم تأت قوات كثيرة لصد أي رد فعل هجومي أو عفوي من الناس لما ستثيره مشاهد الأعدام العلني الذي يشاهد لأول مرة في قلوبهم ..كانوا يعرفون تماما متيقنين أن هؤلاء المجتمعين هنا لن يفعلوا شيئا .. بل لن يفعل كل العراقيين شيئا لو اجتمعوا هنا .. الدم عاقر عن أن ينجب ثورة في تلك اللحظات.. لاشيئ سيحدث وأن المسرحية ستنتهي وسيذهب الجمهور الى منازلهم وأعمالهم بشكل طبيعي..
تجاوز عدد المشاهدين الثلاثين فضلا عن الجالسين في سياراتهم يراقبون من بعيد
هذا إذا استثنينا مابين سبع الى تسع نسوة متلحفات بالعباءات السود من دون أن يظهر منهم شيئ..
ضج الجمع وتراكض الحزبيون وأقزامهم لأستقبال السيد المهاب.. سيد الحفلة..
صدقني يا من سألت هذا ما حدث.. سأثبت لك ذلك بعد قليل ياصاحبي.. أنت لم تقرأ ذلك في كتاب لكن قلوبنا مليئة بهذه الصفحات.. لاتسألني عن السماء.. لماذا تلح بذلك قالت للأرض إئتيني طوعا أو كرها.. قالت أتيت طائعة.. اليوم لاطوعية هنا .. لااختيار.. هنا كره دائم .. كره تحكمه قطيعة عجيبة بيننا وبين السماء ..هذا إذا افترضنا أن السماء تعامل الأرض على أنها مأهولة بأرواحنا..
وصل السيد المهاب أخيرا .. قصيرا مكتنز الكرش كث الشارب تغطي عينيه نظارة سوداء.. ثم توقفت سيارتا إسعاف الى يمين الخشبات .. قدم الموجودون عروض الولاء والطاعة مصافحين السيد المهاب وتوقفوا ينظرون الى المجموعة التي اصطفت حاملة أسلحتها بأمرة أحد الشقاوات من القوات الخاصة وهو يكف أطراف أكمامه الى الأبط مظهرا الوشم الذي ميز ذراعه من بعيد .. أفعى كبيرة..حاملا بيده مسدسا يلمع كأنما هو من الفضة..
توقفت سيارة بيضاء من سيارات الحزب المعروفة ( اللاندكروز) .. ثم أشار لهم السيد المهاب بأصبعه لبدئ مراسم تطيهر الوطن من الجبناء والخونة..
أنزلوا منها شخصا بقميص أبيض .. مكموم الفم بشريط لاصق ويداه مقيدتان الى الخلف.. ثم ربطوه الى الخشبة وهو يهز رأسه كأنما ينتحب..وجلبوا الاخر وكان كصاحبه .. الا انه كان طويلا مهابا.. شعره مائل الى الشيب وبعمر تجاوز الاربعين ربما.. ثم سحلوا الآخر الذي رمى بنفسه على الأرض.. كان يعرف انه ذاهب الى الموت.. وهم يضربونه على مؤخرته بعصا تزينها الدبابيس ويدفره قائد المجموعة بكل ما أوتي من قوة...
إنه صلاح أيها السائل.. طفل صغير لايعرف شيئا.. هل تريد مني أن لاأجن وأنا أسمع بعض النسوة يزغردن وبعض أبناء المدينة من الحزبيين يهوّسون ويدبكون قلب الارض .. كنت أراهم وأنا أقف على ظهر شاحنة قرب المحل.. ارى المنظر من الأعلى .. تذكرت السماء .. المسافة بعيدة عنا وعنها فهي لاترانا.. وصلني الخبر أن الثالث هو صلاح ..هرولت سمينا كالسلحفاة وانا ألهث لست معنيا بالنفس المقطوع..ركضت ولكن قطع الرصاص طريقي..وصلت عندما كان هذا الذي وشم ذراعه يطلق رصاصات الرحمة على الثلاثة.. ريت جسد صلاح الطري يهتز وفمه يبصق على الأرض التي أنجبتنا دما..جان جسدا تهزه الحيوية تلتمع رقبته عاكسة ضوء الشمس..لا تسألني أيها السائل .. لن أترك العرق أبدا.. سأحتسيه وأحتسيه لعلي أنسى ذلك الجسد .. لعلي أجد جوابا عن سؤالي الكبير ..
ظلت الخشبات شاخصة أمامي .. دمرت أعصابي وجعلتني بلا رشد .. لاأحد يجرؤ على المساس بها فهي جاهزة للعمل بأية لحظة.. جرؤت أنا .. أنا فقط أيها السائل.. فتسللت ليلا وقلعتها من أساسها وهي مصبوغة بالدم..
كل يوم بعد ان أحتسي الربع الأول من العرق أنصب الخشبات نفسها على جدار المحل ثم ألبس كل واحدة منها كيس خوص وأكتب عليه اسما من أسماء الكلاب .. هذا رفيق فلان وهذا رفيق علان وأبدأ إعدامهم كل ليلة.. لقد أعدمتهم آلاف المرات وهم لايعلمون.. ملايين الرصاصات مزقت أجسادهم ..أضحك على جبنهم هنا في هذا المحل حينما أخلو بهم ليلا وأعريهم أمامي .. إنهم جبناء ..إقتصصت لصلاح ولكل المظلومين... الناس نسيت لكني لم أنس ..
بعد أن هرب الجميع حال دخول القوات الأمريكية الى قلعة سكر.. حمل سعد بندقيته ودخل المحل ثم أطلق الرصاص بغزارة وخرج صائحا وهو يضحك عاليا..
الآن أعدمتهم بالرصاص.. لقد انتهوا الى الأبد ومن دون رصاصة رحمة ....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى