مقتطف محمود شاهين - عديقي اليهودي: (20+21) القتل .. وموسى يبدأ حياته بقتل مصري!

(20)

* القتل لمجرد الرغبة في القتل !

أوغل جنود الإحتلال في التصدي لتظاهرات الشباب والفتية الفلسطينيين التي عمت مناطق عديدة في الضفة وغزة ، مستخدمين الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز . قتل شاب في غزة وطفلة في القدس . وأصيب العشرات بجراح مختلفة، كما اعتقل العشرات حتى من أطفال في حدود العاشرة من أعمارهم . لم تكن طفلة القدس تشارك في تظاهرة ، كانت عائدة من المدرسة حاملة حقيبة الكتب المدرسية على ظهرها ، ولم تكن تحمل بيديها أي شيء يمكن أن يشتبه به ، أي شيء على الإطلاق، ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن الطفلة ستتوقف على مسافة تقارب ثلاثة أمتار من جندي ما متأهب لإطلاق النار، وتنزل الحقيبة عن ظهرها، وتفتحها، وتخرج منها سكينا ، تهجم به على الجندي لتطعنه ، والجندي يتفرج عليها . مسألة كهذه لا يمكن أن يتخيلها إلا جندي أحمق ، وطفلة حمقاء أيضا .. كانت الطفلة تمرعلى مسافة أمتار من بضعة جنود من الفصيل الذي يقوده شمعون سليمان ، مراعية أن لا تنظر إلى الجنود ، مدركة أن مجرد النظر إليهم قد يثير الشبهة وربما يردون بإطلاق النار . فوجئت الطفلة بأحد الجنود يصرخ بها أن تتوقف . التفتت نحو الجنود لتتأكد من أنها المقصودة بالتوقف . كرر الجندي أمره . توقفت الطفلة . اقترب الجندي خطوة واحدة من الطفلة مسددا بندقيته . رفعت الطفلة يديها لتريه أنها لا تحمل شيئا بهما . تابع الجندي صراخه مشيرا إلى ملابسها .. فكت أزرار مريولها لتريه أنها لا تخفي شيئا تحت حزام بنطالها. أشار الجندي إلى الحقيبة .. أنزلتها عن ظهرها وفتحتها موجهة بابها نحو الجندي ، فيما الجندي يتهيأ بحذر شديد واضعا اصبعه على زناد البندقية ، والجنود الآخرون ، يرقبون المشهد الدرامي ، إضافة إلى بعض المارة الذين استوقفهم الأمر . تابع الجندي صراخه . لم تعرف الطفلة ماذا يريد ، لم تجد إلا أن تقلب الحقيبة رأسا على عقب ، لتسقط الكتب وكل محتوياتها من أقلام ودفاتر ومسطرة على الأرض، ثم تلقي بالحقيبة نفسها فوق محتوياتها ، متسائلة بذعر عما يريده الجندي بعد ؟ وهنا بالضبط بدا أن رغبة الجندي في القتل قد خابت و لم تتحقق ، فالطفلة لا تحمل شيئا يستدعي القتل ولا حتى الإعتقال ، لكن الرغبة تأججت إلى حد فظيع، لم يعد في الإمكان السيطرة عليها ، ضغط الجندي على الزناد، لتنطلق قرابة خمس رصاصات اخترقت جسد الطفلة . خرت الطفلة صريعة على الأرض وجسدها يتلوى ويرتعش ، فيما صرخ الواقفون من أعماقهم هلعا وغضبا وقهرا ، ولم يبد على الجنود ما يثيرالقلق أو أي شيئ آخر، عدا واحدا لم يحتمل النظر إلى جسد الطفلة المحتضر، فانكفأ مديرا ظهره إلى المكان .

*****

أحد المتفرجين على الواقعة صوّرها بجهازهاتفه المحمول، وأرسلها إلى وكالات الأنباء . ملايين البشر في العالم شاهدوا الجريمة على شاشات التلفزة . جريمة واضحة وضوح الشمس، ليس في الإمكان غض الطرف عنها، يرتكبها جندي مهووس بالقتل، ولا يمكن اعتبارها غير ذلك .

حين عرفت سارة سليمان أن الجندي قاتل الطفلة هو أحد أفراد الفصيل الذي يقوده أخوها ، قذفته بشتيمة كبيره وانهالت على الدولة التي ترعاه وترعى القتلة أمثاله بسيل آخر من الشتائم .. اتصلت به مبدية غضبها ، مطالبة بأن يقدم الجندي إلى المحاكمة . كما اتصلت بيوئيلا التي توطدت علاقتها بها، وطلبت إليها أن تمارس الضغط على شمعون ليتوقف عن ممارسة البطش على الأطفال والشبان الفلسطينيين . وحاولت الإتصال ببعض أصدقائها من جماعة السلام الآن للقيام بتظاهره تشجب قتل الأطفال الفلسطينيين ، غير أن اتصالاتها لم تسفر عن شيء . واتصلت بعارف نذير الحق مبدية حزنها لمقتل الطفلة، وأسفها لما جرى ذلك اليوم في الضفة والقطاع . شكرها عارف مؤكدا أن لا جديد في الأمر، فالقتل والتعسف يجريان يوميا وعلى مدارالسنين من قبل قوات الإحتلال.

يعقوب سليمان لم يكن في حال أفضل . كان يتمنى أن يسير الواقع في اتجاه أحسن ، ليواجه (عديقه ) عارف نذير الحق بالتحدث عن احتلال رحيم، يمكن أن يتم التفاهم معه للوصول إلى سلام ما قد يدوم لبضع سنين ، وها هي الأمور تسير نحو الأسوأ .. فكر في اجتماع للعائلة يمكن أن يتم فيه النظر إلى الفلسطينيين كبشر وليس كأفاع وأوباش قذرين . رأته راحيل مهموما ، فتساءلت :

- تبدو مهموما كثيرا لمقتل هذه الفتاة ! هون عليك وانتبه لصحتك !

- فتاة ؟ تقولين فتاة ؟ ألم تري أنها قد لا تتجاوز العاشرة من عمرها ؟ حتى لو كانت فتاة ، هل رأيت ما يستوجب قتلها وبهذه الوحشية ؟ ماذا لو أن طفلة اسرائيلية قتلت بهذ ا الإجرام ، لأقامت اسرائيل الدنيا وأقعدتها .. هنا يقتل الأطفال والشباب الفلسطينيون كل يوم تقريبا والعالم يتفرج ، وإسرائيل تضرب عرض الحائط بمئات قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة التي تدينها !

بدت راحيل في حالة ذهول وهي تستمع إلى لهجة جديدة لم يتحدث بها زوجها من قبل ولو بهذا الوضوح !

- يوه يوه يوه ! منذ متى تتحدث عن هؤلاء الأوباش القذرين بهذه اللغة جاكوب !؟ ما الذي يحدث معك ومع ساراي في طلعاتكما إلى البريّة ؟ لعلكما تلتقيان أوباشاً فلسطينيين استطاعوا غسل دماغيكما!؟

ولا يمكن لأحد أن يتصور مدى دهشة راحيل حين فوجئت بيعقوب يصرخ بها لأول مرة في حياته بهذا القدر من الإنفعال :

- نحن الأوباش ، ونحن أقذر البشر بين الأمم ، وعليك أن تدركي ذلك ، نعم التقينا أنا وسارة بإنسان فلسطيني مهذب ، سحرنا بتهذيبه وإنسانيته وثقافته، يعرف توراتنا أكثرمما نعرفها جميعنا ، حتى أكثر مما يعرفها ويفهمها حاخامات اسرائيل مروّجي خرافاتها وأساطيرها . هذا الرجل كان بإمكانه أن يقتلني ببندقيتي دون أن يعلم به أحد ، ومع ذلك لم يفعل ، لأن إنسانيته ارتقت به إلى أن يسمو بنفسه فوق القتل والكره والحقد ، حتى مع عدوه ومغتصب وطنه ، فأين نحن من هذا الإنسان ، أليس هذا المهووس قاتل الطفلة يكمن في كل فرد منّا، من أصغر طفل حتى نتنياهو.. وما ابنك الذي يقود فصيلا من القتلة، وجنديه المهووس إلّا النموذج الذي يجسد هذه الرغبة في القتل . أفيقي على نفسك يا راحيل وتذكري دائما أننا لسنا أكثر من محتلين ومغتصبين لبلاد لم تكن يوماً وطناً لنا !

ظلّت راحيل فاغرة فاها للحظات ، لا تصدّق أنّ جاكوب تغير إلى النقيض مما كان عليه ، فهل يعقل أن يكون هذا الفلسطيني الذي يتحدث عنه ساحرا ، ألقى بسحره عليه وعلى ساره ؟ ماذا يكون إن لم يكن كذلك ؟ فالتأثير إلى هذا الحد ليس أمرا طبيعيا .. تساءلت وهي تحاول جمع شتات عقلها :

- إذن قصة تخبئة بندقيتك في البريّة كانت كذبة ، هل استولى عليها هذا الفلسطيني في غفلة منك أم أنك أعرته إياها ليصطاد بها ؟!

حاول يعقوب أن يكبح غضبه قدر الإمكان :

- بندقيتي ليست هي المشكلة الآن . لا بد من إقناع ابنك بأن يخفف يده عن البطش بالأطفال الفلسطينيين ، طالما ليس بوسعنا أو بوسع أحد أن يضغط على حكومة نتنياهو لتغيّر سياسة البطش.

- شيمون ينفذ أوامر مسؤوليه ويتقيد بسياسة الدولة وليس في الإمكان أن يتراجع عن ذلك ؟

- وهل من سياسة الدولة أن تقتل طفلة لمجرد الرغبة في القتل ؟ ألم نرعهد التميمي تلكم جنديا دون أن يطلق عليها أحد النار، فلماذا لم ينفذ هؤلاء الجنود سياسة الدولة بالقتل واكتفوا باعتقال عهد ، بينما نرى أن ذاك الجندي قتل طفلة بريئة لمجرد الرغبة في القتل؟!

- ألم تقل أن الجندي القاتل مهووس ، أي خفيف العقل ، أو مجنون ؟

- وهل جميع القتلى والجرحى الفلسطينيين يقتلون ويجرحون من قبل مهووسين في جيش الدفاع ؟ ألم نرهم يطلقون النار حتى على الجرحى المحتضرين في الرمق الأخير من حياتهم ؟ إذا كان كل هؤلاء مهووسين فأي جيش هذا ، وكيف يبقي على أمثال هؤلاء في صفوفه ؟ المسألة تعود لضمير وأخلاق الجندي نفسه ، فإما أن يكون قاتلا متوحشا وإما أن يحتفظ بالحد الأدنى من إنسانيته، وإنه لأمر مؤسف أن ينتمي ابنك إلى النوع المتوحش من الجنود!

وهنا صرخت راحيل بانفعال في وجه يعقوب :

- جاكوب إنه ابنك فكيف تنعته بالوحشية ؟ حسب ما أعرف أنه لم يقتل في حياته إلا واحدا من رماة الحجارة ، ولم يطلق النار عليه إلا بعد أن أصابه بحجر في كتفه !

شرع يعقوب في قهقهة هستيرية ، ثم هتف بانفعال وسخرية :

- أصابه بحجر في كتفه ! قنبلة حجرية استدعت ابنك أن يطلق النار على الشاب ليرديه قتيلا . إن لم تكن هذه وحشية فماذا يمكن أن تكون أيتها النعجة ؟

ردت راحيل بانفعال أقرب إلى الصراخ :

- أنا نعجة يا جاكوب ؟ نعجة لأنني قبلت الزواج منك دون أن أحبك !

- لست من أسماك راحيل ، ويا ليتك تحملين وداعة النعجة ! قبلت الزواج منّي لأنك لم تجدي من يتزوجك ! فمن يتزوج من نعجة لا تجيد إلا حقن إبرالبنسلين !

- وما له حقن البنسلين يا عاقب !؟ هل أصبحت مهنة التمريض عارا يا عاقب؟

قرع جرس الباب . هرع يعقوب وفتحه . كانت سارة تحمل في يدها كيسا من النايلون . هتفت دون تحية :

- ماذا يجري باب صراخكما واصل إلى الخارج !

- قولي للنعجة أمك باب كيف تدافع عن ابنها القاتل !

- أف أف يبدو أن الوضع تأزم بينكما إلى حد كبير، وهو ابنك أيضا باب هل نسيت ذلك ؟

دخلا .. صافحت سارة أمها ودعتها إلى الهدوء . سارع يعقوب في الرد على سارة وهو يجلس على أريكة:

- لا لم أنس ساراي، لكني غيرت رأيي في ما يقوم به شيمون وأحاول أن أردعه عن القيام بذلك .

- إذن اصبر على مام إلى أن نقنعها بتغيير رأيها أيضا ! لماذا تتعجل الأمور ؟ وحينئذ قد نقنع شيمون بتغيير تعامله مع الشباب الفلسطينيين .

- أمك لن تقتنع وشيمون كذلك !

- أرجوك باب . لا تقفل الأبواب ولا تتشاءم . مام كانت ممرضة . والممرضات ملائكة رحمة كما نسميهن ، فكيف لا تكون رحيمة مع الأطفال ؟ أليس كذلك مام !

- قولي للعاقب أبوك !

- أوه مام كفى . ألن نخلص من هذا ؟

- هو الذي بدأ بنعتي بالنعجة !

- طيب مام حالة انفعالية طارئة وانتهت !

شرعت راحيل في البكاء :

- لا لم تنته . لقد سخر مني أيضا وادعى أنني لم أجد من يتزوجني غيره . وأنني لا أجيد في حياتي إلا حقن البنسلين .. هل هذا كلام يقال لي بعد كل هذا العمر ؟

اقتربت سارة من أمها وضمت رأسها إليها وراحت تربت على ظهرها .

- أوه مام حبيبتي . هوني عليك . سامحيه كانت لحظة انفعال ..

- لن أسامحه إلا إذا اعتذر لي !

- سيعتذر مام !

وأشارت بحركة من رأسها إلى أبيها أن يعتذر . اعتذر قائلا :

- عذرا راحيل !

- وقبل رأسها أيضا !

نهض يعقوب وقبل رأس راحيل ، فيما شرعت سارة بمسح دموع أمها بمنديل ورقي ناعم .

هتف يعقوب مخاطبا سارة بعد لحظات صمت عادت فيها راحيل إلى هدوئها:

- هل رأيت شيمون ؟

- اتصلت به ما أن سمعت بالأمر وأشبعته شتائم ثم التقيته أنا ويوئيلا فيما بعد . وعد بالعمل على تقديم الجندي إلى المحاكمة ..

- هذا جيد . وهل تم اعتقال الجندي ؟

- أظن أنه اعتقل لكني لم أتأكد !

- نأمل أن تكون المحاكمة عادلة وأن ينال الجندي عقابه ، وينال أهل الطفلة تعويضا من السلطات !

ضحكت سارة وهي تقول :

- لا تتفاءل باب قد تحكم عليه المحكمة بتغريمه شيكلا واحدا أو بضعة شواكل كما في بعض المحاكمات !

وتذكرت ما احضرته معها :

- لقد أحضرت لكما شاورما فلسطينية آمل أن لا تكونا قد تغديتما .

ونهضت سارة كما نهضت أمها لإعداد طعام الغداء .

*****









(21)

*موسى يبدأ حياته بقتل مصري تشاجر مع عبراني!

لم أصدق حين اتصلت سارة بي في المساء ليس للزيارة فحسب ، بل لتنام عندي أيضا إذا لا أمانع . ترددت للحظات . لم أستطع أن أحسم أمر النوم على الهاتف . قلت لها أن تحضر وسنفكر في أمر النوم لاحقا . وصفت لها عنوان البيت السهل جدا، وكنت قد اعطيتها عنه فكرة من قبل . جاءت . لم أرها منذ بضعة أيام ، منذ يوم الحب تحت المطر، وفي الكهف إلى جانب النارالمتقدة ، وعلى مرأى من أعين طيور الحجل المستكينة إلى نتوءات وكوى الكهف مستشعرة الدفء! تعانقنا بحرارة. فوجئت بأنها أحضرت معها من اللحوم والخضار والفواكه والحلويات والخموروالمكسرات ما يكفي لما يقرب من شهر .

- ماهذا يا مجنونة ؟

- أعرف أنك تعيش على أطراف البريّة وليس لديك سيارة لتحضر مؤونة . قلت أحضر بعض التموين لك ولي أيضا إذا ما نمت عندك !

- لكن سأدفع ثمنه !

حدقت في وجهي لتتساءل:

- نعم ؟ لماذا تريد أن تحرمني من هذا الفرح ؟

- طيب نتشارك !

- مستحيل !

- تخجلينني !

- أرجوك لا تقل ذلك ، ودعني أفعل ما يدخل السرور إلى قلبي !

أنزلنا التموين والخمور . ورحنا نضع كل شيء في مكانه في البيت . لحسن الحظ كان التموين قد أوشك على الإنتهاء ، فكان هناك متسع لكل شيء.

جلسنا متجاورين على أريكة في الصالون . ضمتني وبادلتني قبلة متمهلة كتعويض عن قبلات المصافحة السريعة والبريئة !

همست لها:

- هل تعلمين أنني فكرت في أشياء كثيرة لشيخوختي غير أنني لم أفكر على الإطلاق في أنني سأقع في الحب في هذا العمر. وممن ؟ ممن يفترض أنها عدوتي! مسألة أشبه بحلم سريالي . لا أكاد أصدق ما يجري معي !

وضمتني ثانية لنتبادل قبلة أعمق من الأولى، ولتنهض بعد ذلك لتتفرج عن قرب على عشرات اللوحات المعلقة على جدران البيت ، وعلى ما تحويه المكتبة .

سألتها ماذا تشرب ؟ أجابت: وسكي .

نهضت . حضّرت كأسين وجلست .

قالت وهي تتأمل إحدى اللوحات :

عوالمك أسطورية . رأيت فيها مردوخ وعشتار وآدم وحواء والأفعى والمسيح والعذراء ..إضافة إلى اللوحات التراثية كالصخرة، والنساء بالأزياء الشعبية المطرزة . وأيقونات لقديسات كما يبدو .. كيف لك صبر على هذا القدر من الزخرفة الدقيقة ورسم التطريز ؟

كنت. الآن أرسم دون هذا العناء حين أريد أن أرسم، لأن عيني تعبتا .

شربنا نخبنا.

- ما أخبار أبيك ؟

- متعب وخاصة بعد مقتل الطفلة من قبل الفصيل الذي يقوده أخي شمعون .

- سلمي عليه .

- الله يسلمك . الشاباك طلبوا إليه أن يحثك على إكمال محاضراتك عن التوراة.

- لعلهم عرفوا أنني أعرف أنّه يسجل المحاضرات.

- لا أظن .

- يستحسن أن لا يعرفوا ليزداد شعورهم بأنهم يقومون بعمل خارق !

- هل ستكمل مع أبي إن طلب ؟

- بالطريقة نفسها مستحيل . قراءة فصول الأسفار كلها أمر متعب . يمكن التطرق إلى بعض الفصول دون قراءتها كلها.. يمكن ايراد بعض الفقرات إن دعت الضرورة .

- هل تشعر أن أبي أصبح صديقا لك ، أم أنه كان وما يزال عديقاً؟

- أعتقد أن الكلمة معبرة عن حالنا!

- وأنا ؟

- أنت قطعت المراحل كلها لتسكني قلبي!

وألقت بنفسها علي .. ضممتها . أراحت رأسها على عنقي . قبلت شعرها ورحت أملس عليه . دخلنا للحظات في ما يشبه الحلم .. كبست زر المسجلة إلى جنبي لينطلق عزف ناي شجي ! ذهبنا بعيدا . حلّقنا في أبعد سماء تحف بنا نجوم صغيرة ، وشموع طائرة ، وورود محلقة ، ونوارس جميلة . بساطنا غيوم ، وأرائكنا غيوم . ووسائدنا غيوم . وصدح أغان يشدو من حولنا بسر الوجود . آهات عشاق . ترانيم ملائكة وقديسين. فرح آلهة .. قبلات متناثرة . تفوّح رائحة . ألوان متموّجة .. تغريد عصفور عاشق . ألحان حالمة .. ابتسامات ليل وديع تبعث نورا.. ينابيع رقراقة ! نوافير فسفورية .. حوريّات نائمات .. حنين نفوس . عرائس بحر. أمواج ناعسة .. زفّة عشاق !!

هل غفونا ؟ هل نمنا ؟ كم مرّعلى تحاضننا ؟ لا أعرف. كل ما هنالك أنني شعرت بالجوع . همست إلى سارة .:

- ألست جائعة حبيبتي ؟

قالت أجل، وشرعت في بكاء فريد، وراحت تحتويني بيديها وتلصق رأسها بعنقي وكأنها تريد أن تشقه لتدخل فيه . أدركت سر بكائها . احتويتها :

- أريدك قويّة يا حبيبتي لننتصرعلى الوضع الذي نحن فيه !

- أقسم أنّه ليس لي ذنب في الهجرة إلى وطنكم واحتلال أرضكم !

- أنا أدرك ذلك أكثر منك حبيبتي.

- لا أستطيع أن أنسى ذلك حبيبي .. أشعر بعقدة ذنب أتمنى لو أنها لم توجد ، لكان حبنا أجمل !

- بل هو جميل لأنّه كذلك ! حب غير عادي، تمرّد ، ثورة لكلينا ، صفعة لكل من لا يريد أن نعيش إنسانيتنا ، ليبقينا أعداء إلى الأبد . هيّا ، لننهض لأعمل لك أطيب عشاء .. استيك بالبهارات !

****

نهضنا .. سلقنا بعض الخضار، وعملنا سلطة ، وقلينا بطاطا، واللحمة تستوي على نار هادئة .

لم تنس سارة أنني لم أحسم أمري في مسألة نومها عندي حين خابرتني . سألتني بعد تناول العشاء إن كنت قد حسمت الأمر . قلت :

- وهل يصعب النوم في بيتي على من سكنت قلبي حبيبتي ؟ هيا انزعي ثيابك لنجلس براحة . هل أحضرت معك ملابس للنوم ؟

- معي في السيارة .

خرجنا معا إلى السيارة .. كان الطقس باردا قليلا . أخرجت حقيبة صغيرة من السيارة وعدنا إلى الداخل ..

لدي غرفتان للنوم، إحداهما للضيوف . ثمة سرير في كل غرفة ، مجهز بكل ما يلزم للنوم . أدخلتها إلى غرفة الضيوف.. قلت لها " اعتبري أن هذه غرفتك منذ اليوم " وخرجت إلى غرفتي . نزعت ملابسي وارتديت ملابس البيت . جاءت سارة مرتدية ملابس النوم أيضا . جلسنا .. قالت :

- حدثني ؟

- عن ماذا ؟

- عن أي شيء تحبه .

- ماذا تحبين أنت ؟

- كل ما أسمعه منك يروق لي !

- ما رأيك بالعودة إلى التوراة ؟

- سأكون سعيدة فانا لا أعرف إلا القليل جدا عن موسى وعن التوراة كلها كما تعلم ،حاولت أن أقرأها فلم أستطع . تصفحت بعض أسفارها مجرد تصفح !

- حسنا يا عزيزتي . لكن أرجو أن تسجلي على هاتفك فقد نحتاج للتسجيل ولو من أجل أبيك إذا ما لح على الأمر، ثم إننا لا نريد أن نوقف عمله، أكيد يدفع له الشاباك راتبا!

- غير معقول ! لا أحب أن أشعر أنني أتجسس عليك !

- تجسسي من أجلي ! إن لم تسجلي سأسجل أنا !

- أمري لمردوخ ! سأسجل !

في سفر الخروج نجد أنفسنا بعد قرابة أربعمائة عام من دخول يعقوب وأبنائه وأسرته إلى مصر . أي في الزمن الذي سيظهر فيه موسى الذي ما تزال شخصيته محيرة للمؤرخين والباحثين . وقبل أن ندخل في بعض تفاصيل هذه الشخصية المحيرة . سنتطرق قليلا إلى القرون الأربعة التي سبقت ظهورها .

كنا قد تركنا المصريين وقد تحولوا إلى عبيد عند يوسف وأخوته وفرعون مصر، لنفاجأ بعد أربعمائة عام أن العكس هو الذي حدث ، فقد أصبح بنو اسرائيل عبيدا عند المصريين ، وتكاثروا حتى أصبحوا قرابة ستمائة ألف، وسنتجاوز هذا التكاثرغير الممكن الذي جاء من سبعين فردا جاءوا مع يعقوب . كاتب التوراة يستخم تعابير مبالغ فيها كالعادة فيقول إنهم تكاثروا حتى ملأوا الأرض وبنوا مدناً للمصريين ، بل وأصبحوا أعظم من المصريين أنفسهم من حيث القوة والعدد ! المدونات المصرية التي لم تترك شيئا إلا وتحدثت عنه . لم تتطرق على الإطلاق إلى وجود هؤلاء القوم في مصر . كما أن التوراة لم تذكر ولو اسما واحدا من أسماء الملوك الفراعنة الذين حكموا مصر خلال أربعمائة عام !

- تطرّق المؤلف لهذا التّحول الذي أعاد السيادة للمصريين ، سيضعه أمام مشكلة كبيرة لن يتمكن من تأليفها بسهولة. لذلك تجاهل الأمر.

- أحسنت سارة ، فعودة السيادة للمصريين تتطلب القيام بثورة على من حولوهم إلى عبيد . وهذا ما هرب منه المؤلف ، فتجاوز المسألة التي تخيل بدايتها مع يوسف ثم قدوم أسرته .

يخشى الملك المصري من تكاثر العبرانيين ويطلب إلى قابلتين تقومان بالإشراف على ولادة العبرانيات أن يقتلا المواليد الذكور ويبقيا على الإناث !

لم تنفذ القابلتان الأمر، تذرعتا بأن العبرانيات يلدن قبل حضور القابلة ! فكافأهما الرب يهوه بأن بنى لهما بيوتا، حسب ما تقول التوراة .

- ههه . لماذا لم يعد يهوة يبني بيوتا لأحد ؟

- يبدو أنه غاضب من بني اسرائيل المعاصرين !

ويصدر الفرعون أمرا للمصريين :


22 ثم أمر فرعون جميع شعبه قائلا: كل ابن يولد تطرحونه في النهر، لكن كل بنت تستحيونها

في الفصل الثاني من سفر الخروج تلد امرأة عبرانية من بيت لاوي طفلا تحتفظ به سرّاً لثلاثة أشهر، ثم لم تعد قادرة على الإحتفاظ به خوفا من أن يكتشف أمره ، فيقتل ! العجيب في الأمر أن كاتب التوراة أخبرنا أن العبرانيين ازدادوا تكاثرا رغم الأمر الذي أصدره الفرعون بإلقاء المواليد في النهر، فكيف تكاثروا. ربما لم يقتل المصريون أحدا كما فعلت القابلتان.

بعد ولادة الطفل المفترض أنه سيصبح موسى ؟ وضعت المرأة اللاوية الطفل في سفط من البردى وألقت به بين الحلفاء على حافة النهر، ووقفت أخته ترقب ماذا سيحدث له .

والأغرب من ذلك أن التوراة نفسها تعتبر أن سبط لاوي ليس من الإسرائيليين وأن يهوه يحرم نسله من أي نصيب ، فكيف اختار أن يكون موسى ( النبي ) تحديدا من هذا السبط . ويا ليت المؤلف وضح لنا السر في هذا الأمر، طالما أنه يعرف كل شيء عن الله؛ حتى كيف خلق السماوات والأرض :

" أما سبط لاوي فلا تحسبه ولا تعده من بني إسرائيل " عدد 1 /49 وفي نص آخر " لا يكون لكهنة اللاويين – كل سبط اللاوي – قسم ولا نصيب مع إسرائيل ." تثنية 18 / 1، 2 وكذلك في نصوص تثنية 12 / 12 و 19 .

- عجيب!

- والأعجب أن تعتبر التوراة كتابا منزلا من السماء يا سارة ، تأخذ أمم بما جاء فيه !

- هل تعتقد أن المسيحية والإسلام كديانتين لعبتا دورا كبيرا في نشر التوراة باعتمادهما الأسس المعرفية التي قامت عليها؟

- بالتأكيد . رغم أنهما جهدتا لتقدما فكرا متطورا على فكرها ، غير أنهما لم تختلفا على الاسس التي قامت عليها وخاصة بخلق السموات والأرض . شخصية المسيح مثلا على النقيض تماما من شخصية يهوه.

- وماذا بعد ؟ ماذا جرى للطفل ؟

- نزلت ابنة الفرعون إلى النهر لتغتسل برفقة جواريها، فرأت السفط بين الحلفاءـ فأرسلت جاريتها لتأخذه .

حين فتحت ابنة الفرعون السفط ورأت الطفل وهو يبكي، أدركت أنه من أولاد العبرانيين فرقّت له !

لاحظي سارة أن ابنة الفرعون رقّت للطفل وستعمل على تربيته في بيت أبيها مع أن أباها الفرعون أمر بقتل المواليد العبرانيين !

اقترحت أخت الطفل على ابنة فرعون أن تحضر لها مرضعة من العبرانيات ،فوافقت . أحضرت الأخت أم الولد! الكاتب لا يقول أمها ، ولم يخبرنا إن كان الطفل أخ من امرأة ثانية ، كما أنه يستخدم كلمة ولد بدلا من طفل .

طلبت ابنة الفرعون إلى المرأة (الأم ) أن ترضع الطفل مقابل أجرة . أخذته وأرضعته إلى أن كبر، وجاءت به إلى ابنة الفرعون . فتبنته وأطلقت عليه اسم موسى .

واضح أن زمن الرضاعة استمر لفترة الفطام على الأكثر، وأن الطفل ظل دون اسم إلى أن تبنته ابنة الفرعون وأطلقت عليه اسما . المشكلة أن هذا المؤلف البائس يصرعلى أن موسى سيظل عبرانيا ويرى نفسه كذلك، رغم أنه تربى في بيت فرعون إلى أن أصبح رجلا ، وعرف أماً مصرية، فكيف عرف الحقيقة بعد أن بلغ سن الرشد . وهل معرفة الحقيقة تجعله ينقلب على البيت الذي ربّاه ورعاه ؟ المؤلف لا يخبرنا بذلك ، والمؤسف أنه لا يجيد التأليف ولا يجيد التلفيق والسرقة من التاريخ أيضا.

فقصة موسى كما يذكر الباحثون تتقاطع كثيرا مع قصة سرجون الأكادي ، وبعضهم اعتبره أخناتون مصر ، فيما اعتبره فرويد مصريا . وسرجون الأكادي حسب ما يذكر الباحث سامي المنصوري في مؤسسة الحوار المتمدن على شبكة النت ، هو :

"سرجون الآكادي، أي الملك الشرعي باللغة الآكادية ، (2350-2230 ق.م): اسمه الحقيقي "شاروكين.

(هذا الزمن يسبق زمن موسى المفترض بأكثرمن ألف عام )

وهو أول حاكم (سامي) حكم كل بلاد ما بين النهرين.

لا أتفق مع الباحث على تعبير (سامي) الذي يعود إلى التوراة أيضا)

كان من أصل وضيع حيث لم يعرف من هو أبوه. و كانت أمه من البغايا فولدته بالسر، ووضعته في صندوق ورمته في نهر الفرات ، فانتشله من النهر بستاني يدعى "أكاي" و رباه في مدينة "غيش" فنشأ و ترعرع فيها ، وأصبح ساقي للملك "أورزابابا" آخر ملوك "غيش"ومن ثم سياسياً داهية، وقائداً عسكريا محنكاً، تمكن من قلب السلطة و تسلم الحكم"

ويورد الباحث قصة سرجون كما هي مدونة في ملحمته في النقوش الأشورية:

أنا سارجون، ملك الأكاديين، ملك القوة
أمي قديسة، أبي لم أعرفه
أعمامي أحبوا التلال
مدينتي أزوبيرانو، الواقعة على ضفاف الفرات
أمي القديسة حملت بي، وولدتني في السر
وضعتني في سلة وغطت عيناي بالقار
وألقتني في النهر
التقطني "عكي" من النهر وهو يتناول إبريقه
اتخذني "عكي" ابنًا له ورباني
عينني بستانيًا لحديقته
وأنا بستاني، أحبتني عشتار
ومضت الأيام إلى أن سرت ملكًا

*****
ويورد الباحث معلومة أخرى عن موسى وعن بني اسرائيل ليس هناك ما يدعمها تاريخيا :
"مجرد قائد مصري فرعوني من متبعي ديانة اخناتون التوحيدية . كما تخبرنا المصادر المصرية الفرعونية . وأنه أرسل لقتال مملكة الحبشة، على رأس جيش من المصريين الفراعنة+الهكسوس، الذين ظلوا في مصر بعد أن غادرها معظمهم، بعد هزيمتهم وطردهم، وظل الباقون منهم كعبيد وعمال لدى المصريين، وأن أغلبهم امنوا بديانة التوحيد التي اتى بها أخناتون الذي كان لهم نصيرا .
وبعد موت أخناتون، كان لزاما على الهكسوس ، ذوي الأصول (السامية) ، والمؤمنين بديانة التوحيد ، من هكسوس بأغلبيتهم، أن يهربوا من مصر التي عادت لديانتها القديمة، متجهين الى سيناء، وهناك بدأ هذا الشعب الذي كان مستعبدا لفترة ، بعمليات النهب والقتل والسلب للقبائل (السامية) التي وقعت في طريقه، وارتكب هذا الشعب أسوأ المجازر التي لا يتبرأ منها حتى كتابهم المقدس وأصبحوا فجأة شعب الله المختار "

شرعت سارة في الضحك !

- يستخدم الكاتب مصطلح ( السامية ) وهو مصطلح توراتي أيضا مشكوك فيه ، ينسب إلى سام بن نوح . والباحث هنا يناقض نفسه معلوماتيا وثقافيا ، ففي الوقت الذي يعتبر فيه بني اسرائيل من الهكسوس وبعض المصريين المؤمنين بديانة أخناتون التوحيدية ، الذين جعلوا من أنفسهم شعبا مختارا لإله أوجدوه واخترعوا له اسما ، وكتبوا أسفار التوراة على ضوء تراث أمم أخرى وألصقوها به ، نراه يوظف ما هو توراتي، ربما دون معرفته لنقص فيها . فقد لا يعرف أن مصطلح (السامية) نسبة إلى سام بن نوح الذي ليس هناك أي اثبات تاريخي على وجوده ووجود اسرته ، غير كتاب التوراة المتخيل والأسطوري في معظم وقائعه، ولا يمكن اعتباره كتابا تاريخيا .

إن أول شيء قام به موسى بعد أن كبر، هو أنه قتل مصريا وطمره في الرمل، حين خرج من بيت فرعون ليتفقد أخوته ، فرأى مصريا يضرب عبرانيا فقتله . لم نعرف من قبل إن كان لموسى أخوة، ولا نعرف كيف عرفهم ، بغض النظر إن كانوا أخوة بالأبوّة أم بالإنتماء للعبرانيين. ثم هل يستدعي الرد على الضرب بالقتل؟ ومن قبل شخص يعتبر أنّه نبي أو سيكون نبيا ، فهل فعل القتل يؤهل الفاعل لأن يكون نبيا ؟

في اليوم التالي يكتشف موسى أن فعلته عرفت، حين أخبره أحد عبرانيين يقتتلان ، أنّه لن يقتله كما قتل المصري ! كما أن فرعون سمع بدوره بمقتل المصري ، فأمر بقتل موسى ، غير أن موسى هرب إلى أرض مديان. يفترض أن فرعون ينظر إلى موسى كإبن له كونه تربى في بيته على يد ابنته ، ولا يعقل أن لا يفكر في أمره ، فكيف عرف أنه عبراني ولم تؤثر التربية المصرية على انتمائه.

لم يخبرنا كاتب التوراة أين أرض مديان هذه التي هرب إليها موسى . يعتقد أنها في أرض السعودية اليوم . جلس موسى على بئر، جاء إليها سبع بنات أخوات هن بنات لكاهن مديان .

16 وكان لكاهن مديان سبع بنات، فأتين واستقين وملأن الأجران ليسقين غنم أبيهن

17 فأتى الرعاة وطردوهن . فنهض موسى وأنجدهن وسقى غنمهن

18 فلما أتين إلى رعوئيل أبيهن قال: ما بالكن أسرعتن في المجيء اليوم

19 فقلن: رجل مصري أنقذنا من أيدي الرعاة، وإنه استقى لنا أيضا وسقى الغنم

واضح أنه عرّف نفسه لبنات كاهن مديان السبع على أنه مصري وليس عبرانيا ! فهل فعل ذلك لإدراكه أن الكاهن يفضل المصريين على العبرانيين ؟

20 فقال لبناته: وأين هو ؟ لماذا تركتن الرجل ؟ ادعونه ليأكل طعاما

21 فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل، فأعطى موسى صفورة ابنته

22 فولدت ابنا فدعا اسمه جرشوم، لأنه قال: كنت نزيلا في أرض غريبة

وجرشوم هذا لم يوجد له أي ظهور يذكر على مسرح التوراة .

23 وحدث في تلك الأيام الكثيرة أن ملك مصر مات. وتنهد بنو إسرائيل من العبودية وصرخوا، فصعد صراخهم إلى الله من أجل العبودية

24 فسمع الله أنينهم، فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب

يهوه الإله ينسى وفي حاجة إلى من يذكره بعشرات الوعود والمواثيق مع ابراهيم وإسحق ويعقوب .أمر جيد أنه سمع صراخ بني اسرائيل . واضح أنهم صرخوا من الفرح لموت الملك المصري .

في الفصل الثالث من سفر الخروج يظهر يهوه لموسى:

1 وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان، فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب

نسي المؤلف أنه أطلق على كاهن مديان ( حموه ) اسم رعوئيل ( راعي إيل أو رعاه إيل ) . ليطلق عليه هنا اسما آخر ( يثرون ) وثمة احتمال أن يكون الإسم الأول صفة له ككاهن .ىفمن الواضح أنه كان يعبد الإله إيل .

2 وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة. فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار، والعليقة لم تكن تحترق

- هههه! طريف هذا الكاتب ! يظهر الله في لهيب نار من عليقة !!

- تصوّر الألوهة يمنحه حريّة مطلقة في التخيّل ، طالما أن الأمر سيعزى لإله . المشكلة أنّه لا يجيد توظيف هذه الحريّة على وجهها الأكمل!

3 فقال موسى: أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة

4 فلما رأى الرب أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى، موسى. فقال : هأنذا

5 فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة

- ترى من االحريص على القداسة يهوه أم المؤلف؟

- المؤلف طبعا ، فيهوه ليس أكثر من صورة متخيلة لإله افتراضي!

- أكيد هذه أفعال يتخيلها المؤلف وليست أفعال إله !

6 ثم قال: أنا إله أبيك، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله

- النظر إلى الله يخيف ؟ يفترض أنه يبهج القلب ويطمئن النفس . ألم يصارع يعقوب ليلا بكامله ! ثم لماذا يتخلّى يهوه عن البشرية ولا يذكر أنه إله إلا للعائلة المباركة !

- اسألي المؤلف !

7 فقال الرب: إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم

- غريب يهوه .. ألم يسمع صراخهم طوال السنين التي حولهم فيها المصريون إلى عبيد ؟

- كما لم يسمع صراخ المصريين أيضا حين حولهم يوسف إلى عبيد !

8 فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة، إلى أرض تفيض لبنا وعسلا، إلى مكان الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين

- ليس في مقدور يهوه أن ينقذ شعبه المختار من عليائه . هل ثمة ضرورة لنزوله ؟! وهل أصبحت الأرض المصرية فقيرة إلى حد عدمت اللبن والعسل ؟!

10 فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون، وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر .

11 فقال موسى لله: من أنا حتى أذهب إلى فرعون، وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر

موسى يعرف قوة المصريين جيدا ويدرك أن إخراج بني اسرائيل مسألة شبه مستحيلة .

12 فقال: إني أكون معك ، وهذه تكون لك العلامة أني أرسلتك: حينما تخرج الشعب من مصر، تعبدون الله على هذا الجبل

- يهوة قلق على مسألة عبادته !

13 فقال موسى لله: ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم: إله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي: ما اسمه ؟ فماذا أقول لهم

- ألم يكتفوا بأن يكون الله ، هل يجب أن يكون له اسم ؟

- هذا ما يريده المؤلف ويهوة أيضا كما يبدو !

14 فقال الله لموسى: أهيه الذي أهيه. وقال: هكذا تقول لبني إسرائيل: أهيه أرسلني إليكم

أهيه ؟ هذا اسم جديد ليهوه المولع بالأسماء. تفسير الكنيسة يقول :

(طبيعة موسى الضعيفة المتأثرة بالفشل السابق حين خرج متكلًا على ذراعه البشري جعلته يتردد في قبول الدعوة. وكان لا يجب أن يعتذر موسى بعد أن سمع الله يقول له "أني أكون معك" وكان أول سؤال لموسى عن اسم الله. والله في محبته أجاب موسى عن سؤاله. أهية ويهوه الاسمان بمعنى واحد في صيغتين مختلفتين من فعل الكينونة في العبرية هو أو هيا = To BE. فأهية هو صيغة المضارع للمتكلم الفرد أكون أو أنا هو = I AM. وبذلك يكون معنى أهية الذي أهية = أكون الذي أكون. كما أن يهوه هي صيغة المضارع للغائب = HE IS = يكون.)

ولا نعرف لماذا تخلى يهوه عن أسماء الله والرب وإلوهيم وإيل واختار أشهر أسمائه يهوه !

15 وقال الله أيضا لموسى: هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه إله آبائكم، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور

لقد حسم يهوه الأمر وقرر أن يكون اسمه يهوه إلى الأبد .

في الفصل الرابع يتخوف موسى من عدم إقناع قومه . يطلب إليه يهوه أن يلقي عصاه لتتحول إلى أفعى ثم يمد يده ويمسكها من ذنبها لتعود إلى عصا ! بذلك سيصدق القوم أن يهوه قد ظهر لموسى. كما يطلب إليه أن يدخل يده في عبه لتخرج برصاء ويعيدها لتعود كما هي. وإذا لم يصدقوا بعد هاتين المعجزتين ، على موسى أن يغترف من ماء النهر ويسكبه على الأرض ليتحوّل إلى دم . وهنا يخبر موسى يهوه أنّه ثقيل الفم واللسان . يخبره يهوه أنّه هو من يصنع الفم والخرس والصمم والبصروالعمى، دون أن يخبر موسى لماذا فعل ذلك به ، لكنه يخبره أنّه سيكون مع فمه ويعلمه ما سيتكلم به ! غير أن موسى لا يوافق ، مما يغضب يهوه ، فيطلب إليه أن يستعين بهارون أخيه ( الذي ظهرفجأة ودون مقدمات ) وأنه سيساعدهما على ما سيقولانه:


15 فتكلمه وتضع الكلمات في فمه، وأنا أكون مع فمك ومع فمه، وأعلمكما ماذا تصنعان

16 وهو يكلم الشعب عنك . وهو يكون لك فما، وأنت تكون له إلها

طريف يهوه ! سيجعل من موسى إلها ! لم يعد حريصا على ألوهيته! وفي الفصل السادس سنجد أن موسى أغلف ألشفتين أيضا ، فأي إله أو أي نبي أراده المؤلف أن يكون ؟

12 فتكلم موسى أمام الرب قائلا: هوذا بنو إسرائيل لم يسمعوا لي، فكيف يسمعني فرعون وأنا أغلف الشفتين

( أغلف الشفتين ) الأغلف هو المختون ، فهل كان موسى مقصوص الشفتين أم أن ثمة نقصا أو مشكلة فيهما؟ ثم ما هي الغاية من ذلك إن لم يكن المؤلف أوكتبة التوراة يستندون في خيالهم إلى شخصية تاريخية أو شخصية واقعية ؟! هل يمكن أن يأتي الأمر من باب الإقناع الواقعي التاريخي ؟ في هذه الحال ينبغي أن تتوضح الغاية التي أرادها يهوه من ذلك ؟

لنتابع :


17 وتأخذ في يدك هذه العصا التي تصنع بها الآيات

18 فمضى موسى ورجع إلى يثرون حميه وقال له: أنا أذهب وأرجع إلى إخوتي الذين في مصر لأرى هل هم بعد أحياء. فقال يثرون لموسى: اذهب بسلام

19 وقال الرب لموسى في مديان: اذهب ارجع إلى مصر، لأنه قد مات جميع القوم الذين كانوا يطلبون نفسك

20 فأخذ موسى امرأته وبنيه وأركبهم على الحمير ورجع إلى أرض مصر. وأخذ موسى عصا الله في يده

- أصبح لموسى بنون !

يقتنع العبرانيون بما سمعوه من هارون وموسى وبما فعلا من معجزات أمامهم .

في الإصحاح الخامس لا يعترف الفرعون بيهوه ويرفض طلب موسى وهارون بإطلاق بني اسرائيل ، وينزل غضبه عليهم بأن لا يعطوا التبن لصنع اللبن ، فيجمعوا القش بدلا منه.. وهذا ما دفعهم إلى الإعتقاد بأن موسى وهارون هما من جلبا غضب فرعون عليهم .. اضطر موسى أن يعود إلى يهوه ليخبره بما جرى.. يبدأ يهوه في الفصل السابع بإنزال الكوارث على المصريين، بتوظيف عصا موسى من قبل هارون:


10 فدخل موسى وهارون إلى فرعون وفعلا هكذا كما أمر الرب. طرح هارون عصاه أمام فرعون وأمام عبيده فصارت ثعبانا

11 فدعا فرعون أيضا الحكماء والسحرة، ففعل عرافو مصر أيضا بسحرهم كذلك

يظهر المؤلف حكماء وسحرة مصرعلى أنهم قادرون على إحداث معجزات ، ليرينا أن معجزات يهوة تفوقها :


12 طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصي ثعابين. ولكن عصا هارون ابتلعت عصيهم

13 فاشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما، كما تكلم الرب

14 ثم قال الرب لموسى: قلب فرعون غليظ. قد أبى أن يطلق الشعب

15 اذهب إلى فرعون في الصباح. إنه يخرج إلى الماء، وقف للقائه على حافة النهر. والعصا التي تحولت حية تأخذها في يدك

16وتقول له: الرب إله العبرانيين أرسلني إليك قائلا: أطلق شعبي ليعبدوني في البرية. وهوذا حتى الآن لم تسمع


17 هكذا يقول الرب: بهذا تعرف أني أنا الرب: ها أنا أضرب بالعصا التي في يدي على الماء الذي في النهر فيتحول دما

18 ويموت السمك الذي في النهر وينتن النهر. فيعاف المصريون أن يشربوا ماء من النهر

19 ثم قال الرب لموسى: قل لهارون: خذ عصاك ومد يدك على مياه المصريين، على أنهارهم وعلى سواقيهم، وعلى آجامهم، وعلى كل مجتمعات مياههم لتصير دما. فيكون دم في كل أرض مصر في الأخشاب وفي الأحجار

حتى في الخشب والحجر ؟ غريب أمر يهوه !


20 ففعل هكذا موسى وهارون كما أمر الرب. رفع العصا وضرب الماء الذي في النهر أمام عيني فرعون وأمام عيون عبيده، فتحول كل الماء الذي في النهر دما

21 ومات السمك الذي في النهر وأنتن النهر، فلم يقدر المصريون أن يشربوا ماء من النهر. وكان الدم في كل أرض مصر

22 وفعل عرافو مصر كذلك بسحرهم. فاشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما، كما تكلم الرب

وهل يعقل أن يقدم عرافو مصرعلى الأمر نفسه ضد شعبهم؟ أصبحت المسألة مجرد مبارزة على المقدرة السحرية بين يهوة وعرافي مصر. وإذا كان النهر قد تحول إلى دم بعد فعل العصا اليهووية ، فهل أعاد يهوه النهر إلى حالته المائية لكي يجرب العرافون المصريون سحرهم عليه، أم أنهم أوجدوا نهراً آخر؟! وماذا حل بالمصريين ألم يموتوا من العطش قبل أن يجدوا ماء بديلا؟

- عجيب هذا المؤلف!


23 ثم انصرف فرعون ودخل بيته ولم يوجه قلبه إلى هذا أيضا

24 وحفر جميع المصريين حوالي النهر لأجل ماء ليشربوا، لأنهم لم يقدروا أن يشربوا من ماء النهر

لم يعد الأمر مجرد مبارزة تعود بعدها الأوضاع كما هي ، فقد بقيت مياه النهر على حالها الدموية ، ولا نعرف كيف عادت مياه النهر ( ولا شك أنه النيل ) إلى حالها المائية . ربما لم يجر الأمر على المنابع !!

في الفصل الثامن تبدأ المبارزة بالضفادع وهذا يعني أن مياه النهروالسواقي قد عادت إلى طبيعتها المائية ، غير أن المؤلف لا يذكر ذلك وإن تطرق إلى مرور سبعة أيام على مبارزة الدم !

6 فمد هارون يده على مياه مصر، فصعدت الضفادع وغطت أرض مصر

ويدخل العرافون المصريون ليقوموا بالفعل نفسه :


7 وفعل كذلك العرافون بسحرهم وأصعدوا الضفادع على أرض مصر

يختلط الأمر بين ما هو مبارزة سحرية وبين ما هو فعل يهووي حقيقي .. ثم هل يبقي العرافون المصريون على ضفاضعهم أيضا لأنهم لا يستطيعون إعادتها إلى المياه!

يستاء فرعون ويطلب مساعدة موسى معلنا أنه سيطلق بني اسرائيل ليذبحوا لربهم . يفعل موسى فتموت الضفادع على الأرض وفي البيوت والحقول :


14 وجمعوها كوما كثيرة حتى أنتنت الأرض

15- فلما رأى فرعون أنه قد حصل الفرج أغلظ قلبه ولم يسمع لهما، كما تكلم الرب

يقصد المؤلف أن تمنع فرعون يحدث بأمرالرب يهوه كما ذكر لموسى من قبل ، ولا نعرف ما هي غاية يهوه حين يجعل فرعون يغلظ قلبه ، لا نجد سوى رغبتة في أن يري المصريين معجزاته بإنزال الكوارث!

بدأت سارة بالتثاؤب معلنة أنها نعست .

توقفت عن متابعة القراءة والتحليل. أدخلت سارة إلى غرفتها . أودعتها السرير وقبلتها، متمنيا لها نوما عميقا وأحلاما سعيدة .

********

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى