أمير ناظم - كلّ الجهات.. قصة قصيرة

يركضانِ بخطًى متباعدة وتتعثر القدم بالأخرى، وبالكاد يسقطان، فيتمسك أحدهم بالآخر ليواصلا الهروب من الأصوات المرعبة التي تلاحقهما، صراخ مستمر وعلى وتيرة واحدة منذ الفجر، لا يقويان على النظر إلى الخلف، ويعلمان أن الالتفات إلى الوراء يعني الموت، إذ إن المخلوقات الكبيرة ذات الأشكال الهلامية الناتئة والمسننة بأخاديد مترهلة تقتنص العيون، وتستدل على الفرائس عن طريق بؤبؤ العين، فظنّا أن النهاية قد حلّت لا محال، وشابكا أكفهما مع بعضها بقوة ويأس، لكنهما -وبعد أن تعبت الرئتان من الأنفاس الحارّة المتدفقة بقوة- آنسا هدوءًا في نهاية الحيّ، وخفتت الأصوات المرعبة شيئًا فشيئًا، حتى عمّ الهدوء والسكينة، فتباطأت أقدامهما وتنفسا الصعداء، ورأيا لافتة كبيرة معلقة من طرف واحد على عمود شاخص مكتوب عليها (أهلا بكم في كل الجهات) وتقع في بداية حيٍّ مرصوصة بيوته بإتقان، يغلب عليه السكون والأمان.
وقفا على حافة الشارع العام في موقف انتظار الحافلات، قال لصديقته الجميلة الملتصقة به:
ــ هل وصلنا؟
قالت بنبرة محتضر:
ــ إلى أين؟!
فردّ بصوت هادئ متجاهلًا الخوف:
ــ لا أدري؟
فابتسما عنوةً وأردفتْ قائلةً:
ــ نحن في حافة الهاوي، إذا متنا هنا سنكون محظوظَينِ، لأننا -على الأقلّ- لا ننتظر أن نبتسم في المستقبل.
واستندا على جدار مرسوم عليه سيف لامع طويل لا صدأ فيه، أسفل منه رأس مقطوع بشكل احترافي واللون الأحمر يغطي قاع اللوحة الجدارية، وصارا بين نهاية السيف وقبضة الرجل السفاح الذي لا يظهر منه إلا ساعده المليء بالشعر الأسود.
وبعد ساعة من الوقوف الحذر وانتظار أن يقررا ماذا يفعلان، سقطا على الأرض بشكل كوميدي يسند أحدهم الآخر.
التفتا إلى بعضهما وضحكا بشكل هستيريٍ مداعبَيْنِ خدّي بعضهم البعض بحنان وألفة، ونطقا في الوقت نفسه: لا يوجد ناجٍ في هذا الحيِّ؟
وقبل أن يتمّا حروف الكلمة الأخيرة، مرّقت من أمامهما شاحنة مسرعة متجهةً إلى المكان الذي جاءا هاربَيْن منه، تلاحقها الأشكال الهلامية والناتئة نفسها، فأدركا أنّ صاحبها فارٌّ من الأصوات ذاتها، وأن الهروب يجب أن يكون في كل الاتجاهات.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى