رسالة من غائب طعمة فرمان الى محمد سعيد الصكار

(موسكو)
27/2/1968


عزيزي أبا ريا
تحياتي وحبي
تلقيت رسالتك وقد غادرت المستشفى كما تمنيت ولكن لا إلى البيت ولكن لاحدى دور الراحة قرب موسكو.
وأنا الان في صحة لا بأس بها، وبوضع نفسي طيب ولو كان غير مستقر تماماً، وكيف تستطيع ان تستقر إذا لم تشعر بأنك تنمو، ولا تشعر بالنمو والحياة الا حين تمسك بالقلم ويكون بين يديك دفتر تتزايد أوراقه المكتوبة كل يوم، وتحس كل صباح بفرحة الجدة، وحتى بفرحة التمزيق (أقصد تمزيق الورق حين لا يعجبك ما تكتب!).
رسالتك حافلة بالأخبار، ويؤسفني ان لا أستطيع مبادلتها أخباراً بأخبار، وقد سعدت جداً بأنباء الفوران الأدبي في وطننا العزيز، صدق أنني أقرأ بتلهف كل سطر أقع عليه مكتوب في مجلة لأولئك المتحرقين المضطرمين شوقاً للنور على شكل أكثر ملاءمة للتعبير عن أفكارهم وصورهم، وهو مبعث القلق الخلاق والأندفاع والثورة والتباهي والصلابة وكل شيء آت من إيمان الشخص بأنه ما يقوله، ويستطيع ان يقوله.
يقتصر (نشاطي) الان على القراءة باللغة الانكليزية والروسية فقط بسبب ندرة الكتب العربية، وقد قرأت كتباً جيدة ومتنوعة وحتى (هنري ميلر) بجنسياته وفرجينيا وولف بالسلاسل التي تنقطع من صورها وخواطرها وتنقلاتها.
وبين الحين والاخر أجد مجلة الاداب، والكلمة تصلني باستمرار فإن لي مراسلات مع صاحبها، وهو يرسلها لي دائماً، فشكراً على عرضك الطيب.
تتكون الان في فكري خيوط رواية جديدة عن عراق 59 ولولا المرض لكان لي منها شيء مكتوب الان، إن تلك الفترة هي الفترة الاخيرة لي في العراق، وقد شهدتها بكل ترقباتها ومرارتها وضياعها وتوجساتها وقلقها، بكل الفوضى والامل والتشنج والانتظار والاستسلام، والرعب من شيء مخيف لابد ان يقع، فهل أستطيع التوفيق في ذلك؟ وأكثر ما أخشاه أن أكون عاطفياً أكثر من اللازم، والمستقبل سيكشف ذلك، ربما لا أستطيع، فإن كل عمل أدبي يكون حلماً في بدايته حتى يسجل، والأحلام لا تتحقق دائماً.
شكراً على استطلاعاتك عن توزيع كتابي، وصلتني رسالة من سهيل إدريس يذكر فيها أنه أرسل 100 نسخة فقط من الكتاب الى العراق خوفاً من الكساد المسيطر على سوق الكتب (على حد تعبيره) وانتظاراً لطلبات اخرى يعني أنه يريد أن يجس النبض! وقد كتبت له عما جاء في رسالتك ورسائل اخرى، وقد أرسل سهيل مع الرسالة صورة للعقد، وهو مجحف، ولكن ما حيلة العطشان وقد مد له قدح من الماء وقيل له هذا بكل ما تملك من نقود وما عليك من لباس!
طبع من الكتاب 2000 نسخة وكلف 2400 ليرة لبنانية ودفعت منها أنا 1400 ليرة، ودار الآداب الباقي (على ما يقول) ودار الآداب تستقطع 55 بالمائة من قيمة كل نسخة مباعة ثم تسترد الالف ليرة والوشل الباقي لي.
هذا هو العقد! فهل سيكون العقد معك على هذا النحو؟ أرجو من كل قلبي ان لا يكون.
لا أعرف هل كتب عنه في العراق، وقد أرسل لي سهيل وبلند مقالاً كتب في ملحق جريدة (الانوار) اللبنانية وفيه مدح أكثر من اللازم للكتاب! وأنا متلهف لسماع آراء أدبائنا العراقيين.
يؤسفني أنني لا أستطيع المساهمة في كتابة شيء الان بسبب من وضعي غير الطبيعي، وعسى ان أتمكن في المستقبل.
شكراً على أخبارك ورسالتك الحلوة، وتحياتي الى ريا والى أم ريا مني ومن سمير وأم سمير، واسلم أيها الأخ العزيز.

المخلص
غائب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى