أمل الكردفاني- وجه الخنزير- قصة

أيها الوجه الخنزيري..لا تنظر نحوي هكذا..عيناك الحقودتان تحدجانني بلؤم..شفتاك الغليظتان ممدوتان بحيرة بلهاء.. رأسك البطيخي المغروس وسط ظهرك..كلك على بعضك مثير للغثيان..هذه هي المرآة العاشرة التي أكسر زجاجها حتى لا أراك.. فكيف أتخلص منك..ربما سأنحرك بشفرة الموس من الأذن إلى الأذن..من تحت خطمك الطويل والعريض هذا..أرجوك توقف..أرجوك..ابتعد عني..لا أود ارتكاب جريمة كلما رأيتك في الصباح..أريد أن أعيش حياتي بدونك..فلا تلاحقني في كل مكان هكذا..لا أحبك..لا أحبك..لماذا لا تفهم..خنزير..تافه..سخيف..
- من هذا يا أبي؟
تسألني طفلتي عندما تسمع شتيمتي لك.. فأنظر إليك وأضحك...ثم أحتضنها وأحملها إلى مدرستها.. متأكد من أنها مندهشة من حديثي إليك في المرآة كل يوم وأنا أحلق ذقني..تسمعني فتدخل إلى الحمام وتراني أنظر إليك..منذ طلاقي من أمها وتركها لنا لتهرب مع ذلك السمسار العقاري إلى الخارج وأنا لا أرى سواك...ولولا طفلتي لأطلقت عليك النار...تبدو كنواح جنائزي لمجموعة من الصم والبكم...كم أمقتك..البارحة استدعتني مديرة مدرستها، ويبدو أنها حكت لأستاذتها عن حديثي معك.. قالت المديرة بأن عليَّ أن أترك الطفلة عند إحدى قريباتي وأذهب لطبيب نفسي..ثم استرد الطفلة بعد أن أتماثل للشفاء...لكن..كيف أتماثل للشفاء وأنت تلتصق بي هكذا..تلتصق بي كإثم قديم..لا بأس .. سآخذ الطفلة إلى إحدى قريبات أمها..
...

صوت حركة عقارب الساعة مقلقة جداً.. إذن يجب تحطيم ساعة الحائط هذي..وصوت المروحة أيضاً ..يجب إغلاق المروحة.. وصوت الثلاجة وصوت الصرصار وحتى صوت اقدام النمل..كلها مزعجة.. كانت ضحكات الطفلة تخفف من ذلك الإزعاج..والآن أناْ وحدي مع هذه الوحوش..لي قرابة عشرة أيام لم أقرب الحمام حتى لا أراك.. تفوح العفونة من كل جسدي.. أتغوط في المطبخ..وآكل فيه أيضاً.. وكل ذلك بسببك..حاولت التخلص منك فحطمتُ المرآة..غير أن وجهك الخنزيري أصبح ملتصقاً بالجدران ..بالوسائد وبالاسرة والكراسي..في كل مكان تقريباً..عليَّ أن أخرج من المنزل فوراً.. عليَّ أن أسير حتى أسقط من التعب..فلعلك تتعب أيضاً من ملاحقتي..ها أنا أفتح باب الشارع لأتلقى ضوء العصر وبرودته الخانقة..وها أنا أسير عبر البنايات المكتنزة بالاسمنت..ثم أصل الشارع الرئيسي وأقطعه عابراً إلى الضفة الأخرى من الصحراء..وها أنا أسير وأتفصد عرقا..كل مسامي تنضح عرقاً..وتزيد عفونتي..بعض الهواء يهز أطراف ملابسي فترفرف كجسد فراشة تحتضر.. تتمدد الصحراء..وتغمرني الصفرة وزرقة السماء..ومع ذلك أنت معي..ساقاي ترتجفان من التعب.. قد يمر بعض الرعاة فيؤنسني النظر إليهم..لكن لا شيء..أرى الشمس تجنح إلى منامها..ستحيط بي الذئاب فيرتفع الأدرينالين في دمي..سيؤنسي ذلك قليلاً.. ظننت ذلك وخاب ظني فلا شيء بهذه الصحراء..أستمر حتى بعد انغمار الكون في الظلمة فأتحول لشبح موسيقى تصويرية في فيلم تراجيدي..مع ذلك لن أتوقف..
- إلى اين أنت ذاهب؟
أسمع صوت الصغيرة فأجزع..
- ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟...
أتلفت فلا أجدها، لقد جننتُ حقاً..لكنني سأواصل المسير بالرغم من كل ذلك..لن أتوقف حتى يختفي وجهك الخنزيري.. سنرى من سيتعب قبل الآخر..فلأمضِ في طريقي الذي لا أعرفه...فلأمضِ حتى يحدث شيء.. ذلك الشيء..ذلك الذي أنتظر أن يحدث.. والذي لم يحدث من قبل لذلك لا أعرف ما هو.. أليس هو ذلك الذي يختلقه الروائيون ليخلقوا سيناريو جاذب للقراء.. إنهم يمنحون القراء ذلك الشيء الذي ينتظرونه وهم لا يعرفون ما هو.. نعم.. سيحدث...وإلى أن يحدث فلن أتوقف أبداً.. لن أتوقف ابداً.. ما هذا..لماذا تضحكين يا صغيرتي... إنك تسخرين من أبيك..لا.. توقفي عن تلك القهقهة الغبية.. فأنا في كل الأحوال أبوك..أبوك الذي يجب ألا تسخري منه.. قلت لكِ توقفي.. ألا تسمعين.. لا تكوني مثل هذا الوجه الخنزيري التافه.. أرجوك يا حبيبتي توقفي.. توقفي عليكِ اللعنة.. ولكن كيف..كيف تستجيبين لاستجدائي وأنتِ تحملين جينات أمك العاهرة.. بالتأكيد..فأنتِ لست سواها..ولولا أنني أحبك كما أحببتها لخنقتك حتى الموت.. ولكن..لا.. توقفي عن السخرية مني أيتها المومس الصغيرة..ها هو وجهك يحل محل الوجه الخنزيري ليزيدني شقاء..أراه على صفحة القمر البيضاء وعلى النجوم وفي سراب هياكل أشباح الظلام..أنتِ متوحشة مثلهم جميعاً...خنازير.. خنازير.. خنازير في كل مكان.. في كل مكان..هذا ليس كوكب الأرض.. هذا كوكب الخنازير..لم أعد أتحمل.. سأدخل يدي في حلقي..سأسد أنفاسي حتى الموت..نعم حتى الموت.. ها أنذا أفعل ذلك.. يا إلهي كم هذا مؤلم كم هذا مؤلم..مؤ...

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى