مظفر عبد المجيد النواب - معلقة الثورة

البقاع

لم يعد في المحطة إلا الفوانيس خافتة
وخريف بعيد...بعيد
وتترك حزنك بين المقاعد ترجوه يسرق
تعطي لوجهك صمتا كعود ثقاب ندي
بإحدى الحدائق
إن فركت وردة عينها يشتعل
وتجاورخط الحديد
كأنك كل الذين أرادوا الصعود ولم يستطيعوا
أو انتظروا
أو كهاو اكتظ دفتره بالدموع
دموعك صمت ثيابك بدعة صمت مقلمة بالبنفسج
لم يبق زر بها
وحقيبة حزنك قد ضيعت قفلها
لم تزرر قميصك... بنطالك الرخو
لم يبق شيء يزرر
لا أنت
لا صوتها
لا المحطة
لا الأمس
آخر قاطرة سلمت نفسها لم تقاوم
على فكرة
صوتها طائر ينهل الصبح من لوزة
سلمت نفسها
آخر القاطرات انتهت...
سلمت نفسها لم تقوم
أخذت رجائي وصغرته سنتين
وأجلسته فوق مصطبة سكرت من أريج النساء
لا تقلب متاعي الحزين أمام الأجانب
فالثياب القديمة مثل البكاء
وأخذت الهوية منه
ووجه الهوية مما مسحت الإساءات
لم يبق فيها انتماء
لم يعد في المحطة إلا الفوانيس خافتة
وخريف يسير بعكاز ورد
وتترك حزنك بين التذاكر
ترجوه يذكر في منزل
في طريق بطيء التذكر
قاطرة أصبحت مسكنا
وتقدم وجهك عود ثقاب
لكل الذين قد استهلكوا
وعلى علبة الأمس
تقتات
تسحب نفسك
أمسك
في نفس هادئ
ونساء ببهو الثلاثين ضاعت تذاكرهن الرخيصة
تدفع تذكرتيك وتبتاع لمسة نهد مصغرة
وعلى فكرة
أنت من شدة الحزن والصمت تقطع تذكرتين لنفسك
تقطع حزنين... حزنين
تقطع كل القطار تبيع الدموع
لأن القطار بلا امرأة أو صديق أنت دخلت ليالي الشتاء
ساكنا كالصخور الحزينة في قمة الليل
تبكي بكاء الصخور المنيعة
تجتازها الريح في آخر الليل
لم يبق من نجمتيك سوى ثؤلولتين وتبتسمان
تبتسمان كثيرا
ووجهك عرش من الشهوات تهدم
طال احترام النساء له
والسكارى حزينا
كأن حصانا من الشمع قبل الصهيل يذوب
كأنك خطيباً من الشمع لم تنطبق شفتاه ثلاثين عاما
وتهرب من قاعة الشمع
من خطب الشمع
والحاضرون يذوبون فوق الكراسي
تمنيت لو هذه الثلاثين عاما تنظف مغسلة
أو تبلط حفرة حزن
تمد الحديقة سكتها النرجسية صوبك
أنت مرايا تصير إذا لمستك الحديقة
أو غمزت تنام بزهرتها في المساء
كيف تستأجر الانتحار لعقد طويل
وتقطع تذكرة وتمزقها وتقرر ثانية
تستدين من الصحب جرعة خمر
وتذكرة ثقبت مرتين
ورقعة ود
كأنك صندوق جمع الإعانات للحزن
تخدعهم في القطار
-تفضل
وتحني أمام المفتش رأسك ليس احتراما له
بل الثقوب البطاقة
- مثقوبة
- مرة...مرة سيدي
- مرتين
ويلبس وجها من الشمع يأخذ منك إشتياقك
يأخذ منك البطاقة
يأخذ منك الهوية
- انزل....
- نزلنا
ويلقى الهوية قد مسحت مرتين
صحبك المدمنون على نفسهم غادروا مرتين
أغلقوا بالحجارة و الصمت والا مبالاة أبوابهم
والغبار بلون البنفسج يا سيدي
إنهم يكنسون السكارى
مناخ من الذكريات المطيرة
من عبروا الجسر لم يعبروا
والذين غنوا الأغنيات يقيم السكوت عليهم
وهذي البطاقة قد عبرت أحدا مرتين
ريقها بارد... بارد مثل جرات قبر الحسين
كنت في حاجتين لها
تفتح الباب في كبكاء الحرير
وتفتح أكمامها وحكاياتها وبطاقتها النرجسية
في دفئك العائلي الخطير
ثم ترفعها آخر الليل قارورة من عقيق
وتسكبها في ذكاء السرير
كنت في حاجة لكتابة شيء أخير
لم يعد أحد في المحطة
عادوا لأحزانهم أو هم اختطفوا مثلما يحصل الآن في كل يوم
أو استعملوا كالقناني الجميلة
أو بالقناني الجميلة
أو استهلكت نارهم
وغفوا بين رماد السنين
لم يعد سيدي...
ورجائي رجاء البنفسج أتلفت نفسك بالشرب
أي قطار بهذا المساء الحزين
انتظر... انتظر...
انتظر أيها الصاحي جدا
هنالك قاطرة للبكاء تقل المغنين والحالمين
ألغيت
خذ إذن جرعة
رغم أن الخمور وغير الخمور بهذي المحطة مغشوشة
ربما تفهم اللغز
سوف أوري المحطة تصفر
تسدي دخانا بلون المناديل والقبعات
تهز قناديلها أكثر مما لنا
كتب اللّه فوق الجبين
إن تأخرت... أغلق برقية الحزن للصمت
قد أخرتني
وأغلق للياسمين
أغلقت بابها
ما طرقت احتراما لغفوتها ولعشقي
ولم تأخرت بالباب حزني طويلا
رأيت مفاتيح غرفتها
ومشابكها
ومشداتها
وانتظاري بأيدي سكارى المواني
بكيت البلاد التي تقتل العاشقين
أين كانت كلاب حراستها
أم تراها تهز الذيول لمن يعتليها
وترسل أنيابها في الشحارير
إن كان صوتي أقل الشحارير شأنا فلم يرتجف
والمخالب تقدح حولي
ولا غيرت دوزناتي لغير الهوى والحنين
اغرب الأمر.... بعض الشحارير
لما رأتني لست أحط على الفضلات كأحوالها
نبحت كالكلاب
إلهي إني كفيل بتلك تكفل بهذي
فأنت خلقت لها جناحا لها لتغني
فصارت تهر
تعض وأخشى تعض كأنت كما الآخرين
لم تعد بلدة لا تربي كلابا مدربة
ضد من يرفعون مزاميرهم للصباح
فأين البقاع...؟
أحذره من دخول الكلاب بكل انتماءاتها
ليظل بلاد البنادق والأغنيات
وكل الذين على دهرهم خارجين
سوف أوري المحطة
بيت لنا بالبقاع أمين...أمين
يعشي البساتين...
يملأ مخزنها بالرصاص
وبين حراساته
أغنيات عن القاعدين بحضن المنافي
أيبقون في حضنها قاعدين
ولدتنا البنادق يوم الكرامة
والأمهات لهن حقوق على البالغين
أنت يا مدفعا
يا إلها يمد بقامته بين زيتونتين بقاعتين
وينشق خطين مما ارتفاعك في الجو
لون السماء وسرب الغمام وسرب الحمام
كأن حديدك يفقد وزن الحديد لسرعته خلف أسرابهم
ليت كل المدافع تقرأ ما أنت قارئه في الظلام
ارفع الكف صبيرة جرحت نفسها
لونت وجهها وردة
في الضباب المشاغب عشقا
وأترك خطوة حب
تغرد ما بيننا بالرضا والرؤى والسلام
باليدين الفدائيتين غدوت إله
إلا فإنك مما يكدس أهل الكلام
ثمل ليس عيب على ثمل السلاح
فان العراق قديم بهذا الغرام
أيها السكر كم قد سكرت بنا بالعراق
وأسكرتنا
نم بمرارة غربة العمر
فبعد العراق جهلنا ننام
وافترشنا لهيب الرمال
فواحاتها غازلتنا بجرعة ماء
رأينا الخناجر فيها
وما للغريب سوى واحة أن يكون الصيام
ارفع الكف صبيرة جرحت نفسها
كذبوا ما انتميت لغير لهيب الدهور
كذب المنتمون لكل نظام
إنني شارة في طريق الجماهير ضد النظام
يتبارك هذا الضحى
مخمل يلمس الروح تبكي
فتى يرجم الشمس في غابة الصمت
والآخرون استقلوا فتوة أقدامهم
غازلتني البنادق زيتية النظرات
وضعت قميصي برحمة صفصافة
لم تسيج بغير رضا الشمس عنها
وأرجوحتان من القبرات توالف صوت الرصاص الفتي
تضرج خد البساتين
مرحى لهذي البيوت
مرحى لهذي القواعد
مرحى لهذي البساتين
تخرج للصبح عذراء
ماء اليافعة يكشف عن جسمها
تفرش للفرح الحلو سجادة
اجلسوا يا رفاق... خذوا قهوة الصبح
شق كشق الفواكه في القلب
من أنت....
يا أنت...
يا قاحلا ليس فيك سوى الحزن
يمسك رشاشة في الهجير
استرخ لحطة يا حبيبي هنا قهوة الصبح
أو تشتهي بالذخيرة تدخل في سورة الداريات
تعانق قنطرة.....
ستمر مدرعة باتجاه الشمال عليها
اختفي....اقتربت
قبلت طرفا من حذائك
اتل فلسطين قبل الشهادة
اسحب أمانك....
اسحب أمانك....
اسحب أمان أمانك.... نار
حمل النهر شلو مدرعة
لا تزال بكفين مقطوعتين
تشد على صدرها
تقبض الروح منها
وترخي يديك قليلا وتفرح
ثم قليلا وتفرح
ثم قليلا وتفرح
تطفوا جنازة ورد
وتذهب بين البساتين
بين القرى حبقا
وحكاياتنا حبقا
تختفي كالمصابيح ....
أعمدة الكهرباء
وجوه القرى في دخان القطار
خرجوا في أعالي الدجى
والقلوب بقبضاتهم تنشر النور
في غابة اللوز والعشق والذكريات
ولم يتركوا قربة ... فتشوا عنك ....
لم يلقوا البندقية
لم يعرفوا أنت للنهر سلمتها
ونمت نعنعا لا يقاوم إغراؤه
فرقة الليل عادت بثوبك
فالأغنيات تعسكر بين البساتين رافعة شارة الانتصار
يتبارك هذا الضحى ...لفظ الندي أنفا سه
قطعة قصب الحلو أدت نشيد الخلود
وجدنا الشظية الطروبة فاغرة فمها
تتملى النجوم تلقط من كرمة في الجليل وتصعد
كان يراقبها وتركناه
كان يريد يظل وحيدا
أمام فلسطين يحكي هواه
تركناه كاللوز يعقد بين عيون دلال
وبين الشهادة في الخالصة
نحن جئنا إلى العرس من آخر المدن العربية
من زمن القمع والقهر والقتل والتركات الثقيلة
شق كشق الفواكه في القلب
لم يحمل السيد البندقية مثل اللصوص بغيا إلى بيته
بل عروسا
وقد عقد العرس في زهرة التين
كل الدساكر جاءت بثوبين من خالص الفجر
بعض القرى قدمت بالهدايا البسيطة
كان المهم المجيء
بعلبك جاءت... وعامل...
طيبها اللّه أما وشيخا وراغب حرب
فهم منذ خيبر في واردالبندقية
جد وأب
إيه أهل الحمية...
أنصار يجثو على صدره باب خيبر
فاقتلعوه لديكم بهذا نسب
وهو السيد الآن يمسح أنف العروس
مسافة حزينين بالورد
والسيد الآن شد على قهوة الليل والصبر
أعصابه قاذفات اللهب
أمر النار فاستبسلت في نقاء الذهب
صَّدر الأمر للراجمات
توازي رضا اللّه عنها وعزته والغضب
مسح الجرح في قدم ثبتت
ليتها ثبتت مثلما قدميك جيوش العرب
أبعد اللّه عنك وجوه المشاريع
تجعل حتى البنادق تزني
ولا تطلق النار
إلا كما تطلق النار بعض اللعب
رافق الصمت يحمل نعشا من القابرات الحزينة
في حدقات البساتين
تأتي القواعد باقات ورد
ويأتي الرصاص دموعا وحلوى
وتخفق في الدرب أم كراية حرب
برغم التمزق راية حرب
وشق كشق الفواكه في القلب
أرجوك سيدتي
لا تزيحي نقاب القتيل
فلم يبق إلا أصابعه طوقت مخزن النار
واسترسلت بالطرب
وجدنا قريبا من الدم كسرة خبز تزغرد
لا بد أطعم بعض العصافير
غنى لها أغنيات الوحيد أمام الدروع
و لا بد.... لا بد ضاجع هذي القناطر واحدة بعد أخرى
ولا بد عانق سطح مدرعة
حل خوذتها بهدوء
وألقى الفواكه تفاحتين من الصمت
تفاحتين من النار
تفاحتين الجحيم...الجحيم
ولا تنتهي
أنت لا تنتهي
حزن يوم خروجك من بيروت
للملح... لليم كاليتم
كاليتم لا ينتهي كالقدر
أنتشر الآن جبهتي راية عشق لديك
وصباره العمر تجمع عندك ماء لأسقامها
قطعوا الماء عنها فلم تنحن
هكذا كل صباره سيدي
إن رماها الظمأ أو رماها حجر
هكذا جئت كل المحطات صفا ورائي
فمن لا يجيء بقاطرة بالمحطات يأتي
فان لم يجدها يسافر يا سيدي بالسفر
يا عريس البقاع تسيج
فبعض الذين يحملون الزفاف يري العروس
وبعض الزغاريد يوجب أقصى الحذر
من زمان يبرح عشق البنادق غرافنا وغرا نيقنا
ونسور العراق
وعشنا على جمرة الصمت
والوحل .... والبرد
من زرقة الشفتين كتبنا الأغاني الحزينة
كان البنفسج ينمو بأضلاعنا آخر الليل
انتظروا الشمس
لم ندر من أين في بادئ الأمر جاء الرصاص
تثقب ضلعي وضلع رفيقي
ولما يكن جاوز الوردتين و شهرا
ومن يكن يومها وضلوعي مزامير حزن يا سيدي والسهر
وزرعت حقولا من الأسبرين المرير بجسمي
كأني صداع بهم ليس يشفى
انتظرت كياناتهم تنتهي فأعاتب شيئا يساوي عتابي
أعيد الدموع القديمة فوق الرفوف مع العلب الخزفية
إلا كما لا أصرح يا سيدي
دمعتين سأخفيهما تؤلماني
وفي مدخل البيت أسترجع الزنبقات
وعود أبي ينثر الفل في حجرة الشاي
علمني أتدوزن قبل لقاء الضيوف
وقبل ارتفاعي إلى شرف البندقية
كان يقول الأغاني كشق الفواكه في القلب
كان يقول أهم المغنين من يشعلون الأغاني
ومن يمطرون المطر
قال والعود شارف آخر أحلامه
والمفاتيح لما تعد تستجيب له
أين أنت ....
لماذا تأخرت عن موعد النغمات الأخيرة والشاي
قلت أقبل كفيك في غربتي
لا أزال بأرصفة الليل
كل العراق بأرصفة الليل يا والدي
كل هذي البلاد بأرصفة الليل للشحن يا والدي
غير أني ما بعت عودي
ولا مثل شيخ الغناء الرخيص
رقصت بها كلما جاء بغداد وال جديد
كثيرون باعوا
كثيرون ناموا هنالك واستغرقوا
وبقيت مغني المحطات والعربات التي لا مصابيح فيها
واسحب جفن الذين ينامون في الذل
أنظر ماذا بأعينهم
يا عيوني...لماذا تنامون؟
أين المغني يغني
عن الفجر بالدشت والرشت
والرشت هذا أمير المقامات قبل الصباح
أمير السهر
فأعلن.... فأعلن
داد بداد ....داد بداد
قبضوا
أصبحوا الآن أرصدة وانتهوا كرجال
باعوا الحقل سادتي
والمغني بحبة قمح يهيم على وجهه
دفع العمر من أجلها وسقاها على البعد بالدمع
يا رب احفظ بلادي
وأطفالها والأزقة والأمهات
وعود أبي
واجتماع رفاق السلاح غلى خطة للنضال
رب لم يبق في العمر شيء
سوى ساعتين صباحا على دجلة والعراق معافى
نزيل المنافي عن الروح نغسلها ونوافيك غير حزانى
وأنظف شيء بنا القلب والراحتان
وأغنية للوصال
وهو السيد الآن يعقد ...يدعو ...يدعو البساتين
والزمن العربي لثوب القتال
وتأتي من النهر مقبرة خدها المرمري الشموع
وتفتح مثل المدارس في ساعة الانصراف
إلى البيت أبوابها
يخرج الشهداء الصغار إلى العرس
من كان منهم رضيعا بصبره
يبقى على حجرها ضاحكا
يترك السيد الآن خيمته ويجيء إليها....وينفردان
تسلمه إصبعا لم تجد غيره
من تراه يكون
تقرب من رأسها رأسه...
يبكيان....
وتخفي أساها ويفي أساه...
تقلبه وتعود إلى حزنها المرمري كما للسواقي تعود الظلال
وتعلو الزغاريد في خيمة العرس
يا شعب
عاد الوسيط الجديد إلى أمه فاتحا فخذيه ويعرج
ماذا به يا رجال
ربما الاجتماع
ربما...ربما...
صوت رشاشة صار فتقا به واتساع
بيجين... ريجن....شولتزن..... مولتزن
فهززن....سلطا نزن....
كتائزن...كل هذا نهايته في البقاع
صاحبي ليس يعطي المفاتيح
كل المزامير تجلس بين يديه
وكل الموازين تجمع ميزانه للصراع
صاحبي صاحب الدهر هذا البقاع
كلما ارتفعت راية عانق الارتفاع
فإذا راية أنفت من يد نكستها
تخطفها عاليا
تتمرى النجوم بها وتغار القلاع
علم البندقية عز الهجوم وجنبها الذل
فاستبسلت وكأن هجوما بها في الدفاع
في غد في البقاع أعانقهم
وارى قبة البيت مزهوة في وجوه السلاح
وادمع مثل الصنوبر يصعد الشمس أمر الصباح
ينادي الأصلاب الجميلين
أن يغسلوا ليلة الأمس
أن ينشروها على طولها
بين مشمشتين ورفوا جميع الجراح
وغدا في البقاع أقبل عزم السماء
وعزم الشباب
وعزم التراب
هو من كامد اللوز عيناه عبارتان على الأولي
يحبهما
تعبران السماء المحلى كشاي ثقيل بعيد التوازن
أحصى الرصاصات في حجره
جلدا كالجدائل
حاول يحصي المرارة والحقد والشوق
هذي التي ليس تحصى
تلفت في قلبه...رائع كل شيء
سيسمع وجر الذئاب
ينوح النواح القديم
وطري خشونة كفيه بالرقراقات الحزينة
كان يغص كنهر من العشق
تنهل منه الذئاب
سحبت نفسها الشمس خلف الكواكب
ظل الرصاصات صار طويلا
ولولا البريق الفدائي في بؤبؤه بدا كرمة
صمت تفاحة
مشمشا....مشمشا...
أو غناء طيور يحير من أين يأتي
كهولة دهر بعينيه أو جبل بالشباب
ليس شيء يغرد مثل سلاح خفيف تخاطف كالصقر زار
البيوت الصغيرة
قبلها عتبه...عتبه
وترقرق
باغت وجه العدو وثبت فيه مواقع للذل
وانساب في النهر مثل الهدوء
وأحصى الرصاصات
لم يبق إلا ثلاثة
واحدة للرجوع إلى كأمد اللوز
الأخريان لهن بكل نظام حساب
هو من كامد اللوز لكنه لم يعد
صار في كامد اللّه
نام على كتف الأولي
لقد علم الكرم أن يطلق النار
نافذة أن تمد البنادق جسرا على الأولي
تعلم منه الشجاعة
حين يمر الشجاع بشيء سيصبح شيئا شجاع
في غد كأمد اللوز
تخرج تلقاه غطى ذوائبه بالندى السندسي
وفي صدغه المرمري كشاهدة
قمر عربي من الزعفران
يميل إلى الارتفاع
لم تتوج على الدهر وردة عشق
كهذا التويج الحزين البهيج الأمير اليافع
سيدي كامد اللوز
علم جيوشا تحاربنا في الشوارع
أن تتخلق خلق الرجال وليس الضباع
خذ من غنائي الذي يمسح البندقية
واترك حروب الدموع
فهن العراق ينوح بنا في اللقاء ينوح بنا في الوداع
العراق طباع به عاشق مدمن شاعر
إنما البندقية أم الطباع
لم يعد في المحطة إلا غناء المغني
وسافر هذا إلى وجهة ليس يعلمها أحد
ترك العود في آخر المصطبة حزينا
وكراسة وللأغاني الجديدة
للقاطرات التي لا مصابيح فيها
لتذكرة ثقبت مرتين
لمن فضلوا أن يضيعوا على أن تضيع الأغاني
سلام عليكن أرصفة الليل
سلام على العربات التي احتملتني
أنام بها ساعة في أمان سلام
فإن الكلاب تحيط بقلبي
سادتي سيداتي : أنتهت آخر الأغنيات التي يمكن
الآن إنشادها
ربما يقتلون المغني
ويخفون آثاره ربما سيذوب أو يختفي
مثلما يحصل الآن في كل يوم
ولكنها الأغنيات
ستبقى تذوبهم أبد الآبدين



أعلى