محمد كويندي - حمام ساخن.. قصة قصيرة

لوحدي، كنتُ تلك الليلة كوريث شرعي أستحم داخل قاعة الحمام الساخنة ، تحيطُ بي الدِّلاء السوداء كرؤوس خلفتها مِقْصلة ديكتاتور إفريقي.
بَدأتُ مثل فقمة غَار عنها ماء البحر، عارياً ومتمدداً فوق الضس الساخن، الدِّلاء تحيط بي بعروتها البارزة كأذان شياطين ماثلة أمامي، وَلدتْ في نفسي الرّعب ووَساوِسَ وتهيؤات وتمثلات سوداء، وكل الغرائب والعجائب التي تحكى عن الحمامات العمومية:( جِنّي أحدب تخلص من حدبته ولبْسها لشخص يستحم ليلا لوحده، وصينية مملوءة بالشمع المشتعِل ترقص رقصات دائرية في الهواء لوحدها..)
يتفصد مني العرق والبخار المتصاعد من الضس إلى أن يصل السقف ويتشكل قطرات ماء لامعة فتأخذ في التساقط تباعا محدثةً صوتا: بلاص .. بلاص.
الفقمة لا تقوى على الوقوف الآن، شلها الخوف تحسست عمودها الفقري لكن، دون جدوى !
فكرتُ في غسل رأسي فورا لكي أتخلص من هذه المقصلة، كانتْ رغوة الشامبوان السادية تنفذ إلى عيني مِمّا اضطرني لإغماضة طويلة.. رأيت فيها نفسي أتجول وسط روابي خضراء وجداول مياه رقراقه ، وزقزقة عصافير ملونة ساحرة بِشدْوِها الشجي ، وبين الفينة والأخرى تتقافز وتحطّ فوق كتف شيخ وقور يتفيأ تحت جذع شجرة خضراء ضخمة الحجم ، التفتَ ناحيتي وخاطبني برفق :
-»ها أنتَ جئْتَ لوحدك»
تنبهتُ إلى عريّي ، فخجلتُ منه ومن نفسي، فسارعتُ إلى حشر يديّ بين فخذي، لأواري سوأتي، تبسم الشيخ وأومأ إليّ بإيماءة الجلوس إزائه، فجلستُ مطمئنا إلى وقاره وجسده اللّدن ولحيته البيضاء،
فبادرني بسؤال ملغز:
– هل تعرف أينْ أنتَ؟
– في الحمام
صدرت منه ضحكة هازئة بأفواهٍ متعددة، وختمها، بتنهيدات كأنها صدرت من جوقة فضوليين. «اعتبرنا كما شِئْتَ المهم افتح عينيك جيداً»
التفتُ ناحية الشيخ ، الذي تحوّل إلى رؤوس متعدّدة تطلُّ عليّ من فوق، قال صوت أجش في تشفٍ:
– ربما المسكين، مكثَ وقتا طويلا في القاعة الساخنة جدا.
وقال آخر:
– هذا يحدثُ دائما لمرضى القلب.
وآخر :
– حمام غير صحي ، بدون تهويات..
وأخيرهم :
– أنظروا هاهي، رموشه تتحرك .
كنتُ أرتدي ملابسي بتمهل وأصابعي ترتجف مرتعدة ، والكسّال يُعري برتقالة كبيرة من جلدها، والورثة الأصليين في انتظار حصصهم .
أما أنا، فكنتُ أحاول الخروج من غيبوبتي قبل خروجي من باب الحمام سالما.

محمد كويندي

بتاريخ : 29/01/2021


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى