يحيى صافي - أعطوه فرصة/ حارس المرمى:

لو خيرت أن أدخل عالم كرة القدم بلا شك سأختار أن أكون " حارس مرمى".. وقد لعبت في سالف الزمان حارس مرمى الحارة لمرة واحدة في حياتي، ومثلما يحدث على سبيل أفلام السبعينات المصرية، بدأت كما بدأ كثير من أقراني بالتعرف على سحر الكرة في "الحَمّار"/ بفتح الحاء، وهي مساحة الأرض الحمراء، والفراغ الوحيدة في المخيم، وهي الفضاء الذي شكل وعينا الطفولي هناك.
كان لكل حارة فريق، وكابتن " هو إما أن يكون الأكبر عمراً ، أو الأكثر موهبة وإحتراف، أو صاحب الكرة بحكم الملكية، لا بحكم كبر العمر أو قوة الجسد أو الموهبة.
أما أنا فكنت حارس مرمى احتياط، ودعوني أصدق القول، أنني كنت "متفرج" بمسمى احتياط، متفرج على أمل إصابة " محمد معزوزة" الأخ الأصغر لكابتن الفريق " أحمد معزوزة" وصاحب الكرة الأديداس، إذ لم تسنح لي قبل " يومي الموعود/ المشتهى" الوقوف خلف فريق الحارة ذائداً عن حمى " حجرين متقابلين" المرمى الـبلا شِباك أو عارضة.
وعلى طريقة أفلام أحمد زكي وعادل إمام جاء اليوم الموعود، شهوتي العارمة، شبقي الطفولي.. جاء يوم التصدي والتألق، وجني تعب " سالم" إبن عمي الذي طالما أقتنع بي كحارس مرمى، واقتنعت به مهاجما صلبا.. قناعة سانشو دي لامنزا بالدونكيشوت أعني!
كان سالم يتخذ مني حارس مرماه الشخصي حين كان يسطو على بيت " معزوزة" جارتنا ويستعير فيما يشبه السرقة " كرة أحمد معزوزة الأديداس"، فنذهب ليلاً إلى " الحمار" فيصلبني بين حجري المرمى ليرواغ الفراغ، ويرقص الليل ويسدد نحوي بضربات أتلوى لها مثل أفعى لأصدها، ويعيد كرة لتدخل في مرماي، ثم يرفع كرة لأتألق لها مثل صقر.. قبل أن ننهي أحلامنا المسروقة، فنعيد الكرة إلى حوش معزوزة وكأن حلماً جميلاً لم يحدث.
جاء عصر جمعة قائضة عندما كنا نلعب مع حارة " سلام العجوري" وهو كابتن فريق الحارة المجاورة" حارة العجاجرة".. في بداية المبارة، رقّص سلام العجوري الحارس الأساسي محمد معزوزة، وأدخل كرة سهلة هدفاً بين قدميه، دقائق حتى أحرز هدفاً لم يفلح معزوزة في التصدي له، بل لم يكلف خاطره في أحضار الكرة من خلف المرمى، وكان يرد على غضب أخيه أحمد وشتائمه المقذعة بإبتسامة غبية أثارت استياء الأخ الكابتن فطرده من الملعب ليدخلني موصياً بتعالي واضح:
- دير بالك.!!
لم أصدق ما حدث، كنت مرتبك تماماً، وكدت أبكي.. لولا أن جاء سالم وضغط على ساعدي، وقال بما يشبه التوسل:
- يحيى، كسر حالك.!
لا نهاية مثيرة لهذا النص، أذ لم نكسب المباراة، ولم نحقق أي هدف رغم كل المحاولات، حتى أنا لم أهنأ بفرصة لأتلق فيها، وأطير بأحلامي كالصقر الجارح في سبيل إبعاد كرة.. لا لم يحدث ذلك.!
كل ما في الأمر أن "معزوزة" جارتنا حضرت إلى " الحَمّار/ الملعب" بيدها أبنها الباكي " الدلع" محمد، وبالأخرى سكين مطبخ كانت تلمع بيدها مثل سيف يماني.. دخلت الملعب في الدقائق الأخيرة للمباراة، وأمسكت بالكرة، ووضعتها في حضنها كذبيحة، ثم شقتها من المنتصف، قبل أن تأخذ الكابتن أحمد في حفلة صفعات وركل إلى البيت.. وتنفرط المباراة، وتنطفي احلامي، وشهوتي العارمة.!
فكم نحتاج لأم محمد، وكم معزوزة نحتاج لأننا لا نحسن اللعب في الحمار الدولي، ولا حتى الذود عن مرمانا، ليس بالضرورة مرمى الكرة... فمرمى الوطن مباح أيضاً.
* مخيم البقعة يوماً ما





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى