نبيل النجار - كبتاجون.. قصة قصيرة

ـ انتبه..طريق معاكس.
أنظر إليه بوجه خال من الملامح، أزيد السرعة، أهز رأسي كأنني أحاول الاستيقاظ.
ـ خفف السرعة، أرجوك، سنموت
ـ لاتخش شيئاً، أمسح بكفي على طرف شاربي الأيمن.
على البعد تظهر الأضواء الأمامية لسيارة، ينظر بفزع، يشير بإصبعه: خفف، خفف ستصدمنا.
أدير المقود يميناً وشمالاً، مترنحاً ثم أعود للسير في وسط الطريق تماماً على الخطوط البيضاء فيما يلتصق بمقعده كأنه يريد اختراقه، ويحاول الإمساك بأي شيء.
الأضواء تصبح أقرب، والسائق يعطينا إشارة تحذير بالضوء العالي.
ـ هههه..يحينا، أرد تحيته بمثلها؛ أرفع في وجهه الضوء.
ـ خذ يمينك..خذ يمينك، يمد يده إلى المقود.
ـ كفى صراخاً، قلت لك لا تخش شيئاً
أمسح بأصابعي على طرف شاربي الأيمن.
ـ بالله عليك لاتترك المقود.
يعود لالتصاقه السابق، ولكن الرعب لايفارق وجهه.
صارت السيارة الأخرى بمواجهتنا تماماً، أقل من خمسة أمتار بيننا،
ضوؤها يشع ثم يخفت، أما ضوء سيارتي فقد امتد لينير الطريق كله. خفف السائق سرعته وأخذ أقصى اليسار، سيارته صغيرة ويمكن بسهولة تفاديه.
ـ حمار..لعن الله من أعطاك الشهادة.
أرد عليه بقهقهة عالية، ألتفت لعصفور الذي بدأ يسترد أنفاسه: شتمك.
ـ بل شتمك أنت، أنت الذي تسوق.
ـ معقول؟ لا لا لن يجرؤ.
أمسد طرف شاربي الأيمن بأصابعي.
أعود لزيادة السرعة لدقائق ثم أكبح السيارة فجأة فتطلق صريرا مزعجاً يقلق الليل ويقلق عصفور أكثر، وإن كان قد أخذ نفساً طويلاً ربما كان أول نفس يأخذه في هذه الليلة.
أنظر من ناحيته كأنني أبحث عن شيء.
ينظر باتجاهين لي وللخارج بقلق!.
ـ ضبع!.. ذئب!.
يرتعد، يتلفت، تتوتر أعصابه، يسرع لرفع زجاج النافذة وعيناه تجوسان الظلام برعب لايوصف: أين؟.. أين؟ هيا تحرك.. تحرك بسرعة.
ـ لاتخش شيئاً قلت ومسحت شاربي بيدي اليمنى.
ـ ياأخي وفقك الله الطريق خال الآن، يمكنك الدوران والعودة بنا أرجوك.
ـ لا عصفور، سأوصلك لبيتك، أنت عملت معي معروفاً اليوم، ولابد أن أرده لك.
بعصبية متصاعدة: لاداعي، أرجوك، أصلاً هذا ليس طريق بيتي.
ـ هل تهلوس؟ تعاطيت شيئاً؟ أنا أعرف مكان بيتك أكثر منك، سأوصلك، سأوصلك، لاتخش شيئاً.
ـ أقول لك بيتي ليس من هنا، وبحق رب الأرباب لاتقل لي لاتخش شيئاً، ستقتلنا وأنت تكرر: لاتخش شيئاً، لا تخش شيئاً.
أنظر إليه بجمود كامل، كأنني لا أراه ولا أسمعه.
ـ لا أدري، عصفور، أشعر بحماوة؛ حرارة، كأن جسمي يشتعل، مع ذلك أحس أنني قوي، أقوى من كل الدنيا، يعني، معقول تأثير الحبة التي أخذتها منك؟
ـ يمكن، لا أعرف، النوع جديد في السوق.
ـ والله أعجبتني تماماً، أعجبني، والله لكنه غالي، خفضوا أسعاره قليلاً.
ـ أنظر..أنظر صاح بصوت عال وهو يشير بذعر.
في الأفق قافلة شاحنات كبيرة تحيل الليل نهاراً بكشافاتها الباهرة.
أضع كامل ثقل قدمي على دواسة البنزين، تهدر السيارة بجنون: لايهم، وماذا يعني، سأهجم عليهم كالسبع وأخرجهم عن الطريق، بروحنا أو بروحهم.
بدأ بالعويل المذعور، امتلأ صوته بالنواح والرجاء: وفقك الله، وفقك الله انزلني هنا، عندي أولاد، ياربي، لا أريد الموت، أنزلني..أنزلني.
ـ عصفور، كنت أريد أن أطلب منك شيئاً، ولكن..
ـ أي شيء، أي شيء، أطلب ولكن أنزلني هنا أرجوك.
ـ بضع حبات من هذا النوع الجديد وسأسدد ثمن..
لم يدعني أكمل، أدخل يده في جيبه، رمى كيساً صغيراً على حضني: خذه، خذه كله، لا أريد شيئاً، فقط أنزلني.
ضغطت على الفرامل بقوة، كاد يخرج من الزجاج الأمامي لولا حزام الأمان.
أسرع بفكه، فتح الباب وغاب في الظلام كأنه لم يكن.
نظرت للكيس الصغير بفرح، مسدت شاربي بين إصبعي.

نبيل النجار

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى