حاميد اليوسفي - نعمة (الحرية).. قصة قصيرة

استيقظ عدنان يوم الأحد باكرا . غسل وجهه بسرعة ، وسخّن كأس شاي كما نصحته أمه ، وتناول معه كسرة خبز ، وضع داخلها ملعقة من زيت الزيتون . أغلق الباب بالمفتاح ، وخرج إلى سوق الخضر الذي يبعد عن المنزل بحوالي عشرات الأمتار . في الحقيقة هو ليس سوقا . في البداية كان ساحة يلعب فيها الأطفال الكرة . ثم جاء الباعة المتجولون واحتلوه ، وحولوه إلى سوق للخضر والسمك والدواجن بمساعدة السلطات المحلية .
الزبائن (المرفحين)* كسالى لا يتوافدون على السوق إلا بعد الساعة العاشرة صباحا . يدور عدنان في السوق ، وينتقي زبونا ، يعرض عليه حمل القفة إلى سيارته مقابل بقشيش . يتمنى أن يكون الزبون امرأة . يعتقد بأن النساء أكثر حنانا ، وتعاطفا مع الأطفال ، وينفحنهم بنقود أكثر . في منتصف النهار يفد زبائن ، يضعون لأكياسهم وسلالهم عجلات صغيرة ، ويقتنون الخضر بأسعار أقل ، ولا يسمحون لأطفال الحي بمساعدتهم . لاحظ أنه مع هذه الفئة لا فرق بين النساء والرجال . يتحسس جيبه ، ويُقدّر محصول اليوم ما بين عشرين وثلاثين درهما . من قبل كان الأطفال بالإضافة إلى حمل القفف ، يتاجرون في الأكياس البلاستيكية ، لكن الحكومة منعت ذلك ، وحرمتهم من هذا الدخل الإضافي .
أم عدنان تعمل خادمة في المنازل . كان يذهب معها ، وهو طفل صغير . تضعه فوق ظهرها وتحزم عليه الركّاب* . ربات البيوت اللواتي تعمل عندهن ، أغلبهن موظفات . يطلبن منها أن تنظف كل شيء . تزيل النوافذ والأبواب ، وتغسلها وتمسح زجاجها ، وتعيدها إلى مكانها . يقفن يتفرجن عليها ، وهي تجمع الأفرشة بمفردها . لا يقدمن لها أي المساعدة ، يكتفين فقط بتقديم الإرشادات . يعتقدن بأنها قوية كسيبرمان ، وهي مثلهن ضعيفة ، لكنها تكابر ، وتتظاهر ، حتى لا تفقد مصدر رزقها . أكرمهن تقدم لها إلى جانب الأجر ، بعض الثياب البالية أو بقايا الطعام .
توفي زوجها منذ سنتين . لا يتذكر عدنان سوى صراخه ، وخناقه مع أمه ، وكيف كان ينزع منها النقود ، ويخرج من البيت ، ولا يعود إلا بعد منتصف الليل سكرانا . تجلس المسكينة تبكي وتندب حظها . وأحيانا يتدخل خاله عبد السلام للصلح بينهما .
خاله مراد لا زال شابا ، ويلبس (شيك)* ، لا أحد يعرف ماذا يعمل . يملك الكثير من النقود ، ويركب دراجة نارية من نوع ماكس . اشترى له ثيابا جديدة حضر بها عرسه . كلما مر بجانبه ، يأخذ قطعة حلوى ، ويقدمها له ، ويسأله هل العروس جميلة ؟ فيبتسم عدنان ، ويرد عليه :
ـ (فَنّة أ خالي ، تتهبّل)* !
لاحظ هذه الأيام ، تردد أشخاص على المدرسة ، ببذلات أنيقة ، وحقائب صغيرة ، يشبهون موظفي الشركات الذين يراهم في المسلسلات التركية .
اليوم عندما دخل إلى القاعة ، تفاجأ بالمعلم يحتفظ بنصف القسم ، ويُرسل النصف الآخر إلى معلمة الفرنسية ، ويطلب من التلاميذ الباقين ، إخراج ورقة نظيفة ، وكتابة فقرة يشرحون فيها كيف يعيشون في نعمة الحرية ، وعليهم الاجتهاد في دراستهم ، ليساهموا في المستقبل في تطوير وطنهم ، وازدهاره ، وحمايته من الأعداء .
كتب اسمه وقسمه ، ونقل نص الموضوع على الورقة ، كما طلب منهم المعلم ذلك ، وخصص لهم نصف ساعة من الوقت .
خمّن وفكّر ب(حرية) ، اختلطت الكلمات بجوارحه وعواطفه ، فكتب ب(حرية) :
ـ حين أكبر سأصبح عريسا مثل خالي مراد ، ألبس بذلة سوداء ، وربطة عنق حمراء . وسآتي بعشرة أطفال ، أقول لهم : أنتم اذهبوا إلى المدرسة ، وطوروا وطنكم ، واحموه من الأعداء . أما أنا فسأنزل مع عروسي إلى البحر ، وأطلب من أمي أن تقعد في البيت ، وتهيئ لنا وجبة الفطور .


المعجم :
ـ المرفحين : الأغنياء
ـ الركاب : تضع المرأة طفلها على ظهرها ، وتشده بثوب يسمى الركاب .
ـ يلبس شيك : يرتدي ثيابا عصرية وأنيقة .
ـ فنة أ خالي ، تتهبل : فنة : جميلة جدا / تتهبل : تجنن .
مراكش في 06 مارس 2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى