- رسالة من الأستاذ عباس خضر الى الدكتور طه حسين :

08 - 01 - 1951
معالي الدكتور طه حسين باشا:
أبدأ بتهنئتكم بالإنعام السامي الذي شمل به جلالة الملك الأدب والفضل والهمة في شخصكم الكريم، إذ منحكم رتبة الباشوية، فقدر بذلك أعمالكم الجليلة ونشاطكم الدائب في خدمة هذا الوطن المحبوب، وتوج به ما نلتموه من محبة أهل هذه البلاد وتقدير البلاد الأجنبية لشخصكم المتفرد، لما تملئون به الدنيا وتشغلون الناس من سعى مثمر في خير الإنسانية ونشر العلم والثقافة.
وقد اعتدت - يا معالي الباشا - أن أقصر في السعي مع الساعين إليكم في المناسبات المختلفة، مؤثراً أن ألقاكم وأتحدث إليكم في هذا الركن الهادئ من (الرسالة) على أن أزحم ساحتكم مع الزاحمين، أبتغي بذلك لنفسي تجنب الزحام وما يلابسه من أذى والبعد عمن يستأذنون عليكم وما يبدونه من جفوة لأمثالي غير ذوي النفوذ والسلطان! وأبتغي أيضاً لكم الراحة من واحد، وإن كان واحداً من آلاف. أقول هذا لاعتذار من تقصيري، ثم أخلص إلى ما أحببت أن أحدثكم به في هذا الكتاب الذي أوجهه إليكم على صفحات الرسالة كي أشرك قراءها في الموضوع، وأزعم أني أتكلم باسمهم فيه، فهم إما أدباء يهمهم الأمر أو محبون للأدباء لما يطالعون من إنتاجهم فيودون لهم الجزاء الحسن على ما يسكبون من أرواحهم على الصفحات
نذكر يا معالي الباشا، وأنتم تذكرون، بلاءكم الحسن في المحنة التي وقعت فيها أسرة الأديب الكبير المرحوم الأستاذ المازني، فقد كتبتم وعاودتم الكتابة، مطالبين - قبل أن تلوا الوزارة - بتقرير معاش الأسرة الكريمة يكفل لها حياة كريمة، وتوجهتم إلى الأدباء أن يتضامنوا (ويجمعوا أمرهم على أن ينغصوا على رئيس الوزارة ووزير المعارف أمرهما كله وأن يؤرقوا ليلها ويجعلوا يومهما عسيرا، حتى يفرغا من هذه القصة، ويفرغا منها على النحو الذي نريده لا على غيره من الأنحاء) وشددتم في ذلك وألححتم فيه حتى قلتم: إن لم تهتم الحكومة بهذا الأمر فإني أتوجه به إلى جلالة الملك. ثم توليتم وزارة المعارف بعد قليل وحققتم ما ناديتم به، إذ تقدمتم إلى مجلس الوزارة، فقرر لولدي المازني وزوجته معاشاً شهرياً قدره ثلاثون جنيها. وقد حمدنا لك اهتمامك كاتبا ناقداً، وشكرنا لك همتك وزيراً عاملاً.
ولا شك أن عملكم في ذلك، كان له أطيب الأثر، لا لأنه خاص بأسرة أديب بعينه، وإنما لما يقرره من مبدأ وما يهدف إليه من خير لسائر الأدباء ولأسرهم من بعيد العمر الطويل الذي يثمر أدبا ينفع ويمتع، ولكنه لا يغني من جوع.
هذا مثل آخر يا معالي الباشا وعميد الأدباء، أسرة الشاعر الرواية والأديب المحقق المرحوم الأستاذ أحمد الزين، لست بحاجة إلى أن أعرفكم بشعره وجهده في خدمة الأدب بإخراج مراجعة وتحقيق روائعه، غادر هذه منذ أكثر من ثلاث سنوات وترك وليداً تكفله أيم، وهما منذ ذلك الحين يعيشان في كفالة الضياع والإهمال. .! كان الرجل قانعاً بكفاف العيش وبصيانة كرامته وأدبه عما يمس الكرامة ويشين الأدب ولو جلب نفعاً ومالً كثيرا. ولكن الأسرة الآن بعد فقد عائلها لا تجد غير العقوق والحرمان.
خدم الزين الحكومة نحو خمس وعشرين سنة، قضاها في دار الكتب المصرية، يكد ويشقى في إخراج نفائس الكتب، ويجازي بالأجر البخس يحسب له قريشاً في اليوم. . . لم ينصفه أحد حتى جاء (الإنصاف) فأنصف شهادته. .! إذ وضعه من أجلها في الدرجة السادسة!.
وليت أسرته تلقي الآن مثل ذلك! كل ما كافأتها به الدولة (مكافأة) لم تبلغ مائة جنيه قاسمتها الحكومة إياها. . وتركها تعاني ما تعاني من الحزن والبؤس والحرمان.
هذه محنة أخرى يا معالي الباشا وعميد الأدباء، ليس أمرها الآن عسيراً عليكم، ولست أنا في حاجة إلى أن أدعو الأدباء إلى التضامن وإجماع الأمر على التنغيص عليكم وتأريق ليلكم وجعل يومكم عسيراً. . . ولو احتجنا إلى أن نفعل لما ترددنا. . . ولكن الأدباء مطمئنون لأن واحداً منهم، وهو طه حسين بالذات، يلي الأمر، وأنا واثق من أن هذه المحنة ستنال عنايتكم، فأنتم ولا شك لم تعلوا بها حتى الساعة.
ذلك يا عميد الأدباء، وللأدباء، عندك حقوق أخرى سكنوا عنها إلى الآن، لأنهم كمن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. . . ويؤثرون أن تفرغوا لمسائل التعليم وتيسيره وإنصاف أهله، ولكنهم يتوقعون من عميدهم عملا يذكى الأدب ويشجع المشتغلين به، وأنتم من أعلم الناس بما يلاقي الأدباء الذين لا يستظلون بحماية أحد، من عنت وعقوق في هذا البلد.
وتفضلوا معاليكم بقبول فائق التحية ووافر الاحترام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى