نواف خلف السنجاري - انحناء عكّاز.. قصة قصيرة

** تعوّدنا أن نتقاسم ألم فقدان الأحبة، والخسارات، منذ نعومة أحزاننا.. هذه المرة لم تكن موجوداً بيننا، فانحنينا تحت ثقل المصيبة.
** في مجلس العزاء كنتُ أتلفّتُ حولي بسذاجة، لعلك تأتي متأخراً كعادتك ،وتجلس قربي، تمسك عكّازك، وتسندني.
** كنتُ طفلك المدلّل، وكنتَ عمّي الحنون، ثم صرنا أصدقاء، بعد ذلك أصبحتُ صهرك، وكنتُ أمازحك وأقول: " أنت عمّي مرتين، يعني (عمي تربيع) حسب مفهوم الرياضيات".
** كم ضحكنا على كلام العرّافة التي تنبأت بموتك، وعلى أول يوم دخلتَ فيه المدرسة، وكيف كان الأطفال يتجمعون حولك ينظرون الى جدائلك الذهبية بدهشة واستغراب، كأنك طفل من الفضاء! يومها أخبرَ مدير المدرسة جدّي بأن يأخذكم الى الحلاق ليقصّ جدائلكم أنت وبقية أعمامي، وعندما رأتكم جدتي بلا جدائل، بدأت تصرخ وتبكي، فتحول يومكم الدراسي الأول الى مناحة.
** اسمح لي ان أفشي سرّك الوحيد وأتحرر منه " عندما كنتَ شاباً وتذهب برفقة (الخلمتكارين) الى لالش للقيام بمهمة تنظيف المعبد، صادف أنك مررت بالقرب من قبر (مام عيسو) وكانت فوقه حبة زيتون صغيرة، آثرتَ ان تحملها بفمك وترميها، بدلاً من أن تحملها بيدك، فتحوّلتْ بلحظة الى حبة زبيب".
** سأجلسُ على ضفاف الذاكرة، وأنتظر أن يأتيني صوتك وأنت تغني الفلكور السنجاري (قطو ونيصر – درويش عبدي – كاكو برانو – ملانا -….)
** لأن رأسك كان مرفوعاً وشامخاً كنتَ تتعثرُ بالحياة..!
** كنتُ أتأملُ حاجياتك الموضوعة فوق السرير (نظارتك الطبية، علبة سجائرك، مسبحتك، كتبك، قداحتك، قلمك،… ) لكن منظر انحناء عكّازك صدمني وأبكاني.
** صلباً كنتَ كجلمود، رقيقاً كجناح فراشة، صبوراً كأيوب، ساخراً كبرناردشو، حكيماً كأوشو، هادئاً كبوذا، كريماً كشلّال، ولكن الحياة كانت بخيلة معك، ولم تمطر فوق صحراءك الشاسعة الاّ قليلاً من الفرح.

نواف خلف السنجاري



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى