عامر الطيب - لأجل شيءٍ ما مشيتُ الى الخلف..

لأجل شيءٍ ما مشيتُ الى الخلف ،
بدأت أتذكر فيما كان الناس
يحبون ،
أرى فيما كانوا
يحثون الخطى .
أنادي فيما كانوا يسترقون السمع .
لأجل شيء ما
لم أتوقف،
لم أقل هذه نهايتي،
لم أكشف عما خسرت أو ربحت،
لكن و على غفلةٍ حدث لي
ما حدث لكم جميعاً:
لأجل شيء ما أحببتُُ
بمعنى إنني هبطتُ
كما لم تهبطْ نجمة أبداً !

لقد مللتُ من كوني شاعراً
و بعد سنوات سأنتج العشرات من الكتب
و ستكون حياتي مزحة بذيئة
لأبناء أصدقائي ،
ستلاحقني نسوة القرية أيضاً :
"هو شاعرٌ
أي رجل يظن إنه سيكون رجلاً آخر
عندما يبزغ القمر "
"طير يحمل موته بمنقاره"
لقد مللتُ
و سيتم تخليصي عند عرافة ما
تستجوبني قائلة :
اغمض عينيك و افتحهما
مرة بعد مرة،
لا تغش إنني أراقبك
ثم تستنتج :
لا جدوى من كل ذلك
عيناك تجيئان و تروحان فقط !

البارحة وأنا جالس إلى طاولتي
قيل لي تم تأنيث العالم بأكمله .
نظرتُ لساعتي
أمازال الوقت مبكراً؟
بأبجدية طارئة سننادي الأسماء ،
سنكون وحيدين ،
سنكون ميتين
عندما يحدث ذلك.
أعرف أن الحكاية كانت مزحة من إحدى
بنات اخي.
لقد تأنيث العالم
بأكمله قالت لي
ثم عقبتْ:
ينبغي لك أن تفعل شيئاً من أجل حياة امرأة أخرى!

ستجيء فرصة ثانية
و أحدثكم عن الحب بسلاسة
كما يتحدث المسرحيون عن أدوارهم،
أنني أفعل ذلك الآن أيضا
بطريقة من يمجد شيئاً أقل حظا :
السلحفاة أكثر سعادة
فمن النادر أن تعرف نفسها
أما العنكبوت فظهرها هش و خطواتها أيضاً،
السلحفاة بلا أسنان
" لم يعد لها ماض ".
و العنكبوت بأربعة أزواج من العيون
" لم تعد مصدقة أن ثمة حباً لا ينتهي" .
ستقولون ما علاقة كل ذلك
بالحب ؟
اصبروا :
تحفر السلاحف البرية
بيوتها في الطين كونها ملولةً
فيما تبني العناكب بيوتاً واهية
بدافع الأمل !

وضعني
أهلي بقفص خشبي
و تركوا أخي يلهو بين الأشجار
و مع ذلك كنا
ننام متقابلين كسجينين
ثم عندما يبدأ أحدنا
بالشكوى يضاعف الآخر مأساته
حدّ أني ظننتُ
أن الأغصان
هي حياتنا التي سنتململ منها غداً !

أخبرني يا إلهي
هل أحببتَ المزارعين كما فعلتُ أنا ؟
فلم تركتهم يموتون
على الأسرة كسكارى حزينين،
لمَ تركت الأشجار تموت واقفة
و الطيور في الحفر ،
الدقائق بين الشفاه
و الكلمات بين العينين؟
أخبرني يا إلهي
هل أحببتَ الوردة
كما أحببتها أنا ؟
فلم جعلتها تذبلُ معتقدة إنه الليل الذي سيدوم إلى الأبد !

كنتِ معي لكني عرفتكِ
عندما صرتُ وحيداً
قلبت عيني في الانتظارات كلها
و رأيت إنني لن أسعدَ
إلا عندما تتوحش خطواتي .
ألفتُ رسالة طويلة
لأقابلك وقد انتهت الحرب
عازماً على أن لا أذكر البارود
في المتن أو في الهامش.
لا أتذكر ما الذي حدث لي بعدها
أخشى أن تكون قد حدثت
حرب أخرى
فأخفيت الرسالة في جيبي!

الأشجار تنتحب في بغداد
لكن الأهالي يظنون إنها لا تفعل ذلك
بسبب ضجيج السيارات .
في قريتي الفلاحون
أشد صفاء
و الشوارع الترابية هادئة كبيوت النمل
لكن الأشجار
أذكى :
إنها تنتحب مع هبوب الرياح فقط !

عندما قالت لي والدتي
إن الموت وحش
يلهتم الجميع بدقة بالغة
أخفيت نفسي
إلى أن طلع الصباح
فقالت :
إنه يرى بدقة بالغة كما أخبرتك .
أطفأتُ المصابيح
فوبختني:
هو يتشمم الروائح
بدقة بالغة أيضاً .
لم تعد ثمة
حيلة لأنجو،
ففكرتُ أن أحبك
لئلا أتعرف على موتي في البيت!

عامر الطيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى