أحمد أبو خنيجر - اسقني واشرب.. قصة قصيرة

يمكن للأصدقاء والأرواح أن تأتى على مهل يناسبها، لكنى فى شوق لأن أبدأ.

جهزت كل شيء مناسب للوحدة: المقاعد الشاغرة، زجاجات البيرة المشبرة، أطباق الفول السودانى و الذرة المقرمشة، الجبن، ربما كان نوعا أو نوعين، كان البائع فى السوبر ماركت قد غمز بعينه لما سألته عن الجبن الخزين، نظر للكيس الذى أحمله معبأ بزجاجات البيرة، وقال بعد أن غمز بعينه: تريدها ناشفة؟ وببسمة متواطئة مع غمزته قلت: نعم.

لا أفضل شرائح الفاكهة مع البيرة، يمكن للأصدقاء، عندما يأتون، أن يقوموا بتجهيزها إن كان يرغبون فيها، فعلى كل حال ، الفاكهة مرصوصة بجوار الزجاجات التى تنتظر فض بكارتها فى الثلاجة.

مبكرا ووحيدا، ذلك أفضل، فالوحدة كفيلة بتصفية الروح وتنقيتها من تلك الشوائب التى يخلفها الأصدقاء ورائهم، على الأقل هى مجهدة تريد فقط لو ترتاح قليلا

لا داعى الأن لتذكر العاهرة التى سرقت نقودك، فأنت على كل حال قد ثمنت استغلالها لشهوتك المعطلة وكيف أنها كسبت أكثر مما كنت ستعطيه لها لو عاشرتها، هى بسرقتها لنقودك فى الشارع، خلصتك من ذلك التأنيب القاسى الذى ستسقط فيه بعد أن تغادر سريرك، فقط يمكنك الآن أن تستدعي تلك التى تظن أنك تحبها، تتخيلها هناك بعيدة وعارية، ربما على الضفة الأخرى من النهر، ترقد بكتانها الملكى على حافة الماء غير آبهة بـ “سوبك” الغادر وفكه المتلمظ للحم الطرى، هل تسمع غنائها الآن، تنزل الماء، لتبلل الكتان فيلتصق بمفاتنها، تغنى: أي حبيبي، تعالى وانظر إلى، لقد نزلت الماء من أجلك، انظر لخصرى المتشوق لضمة ذراعك…

السجائر جاهزة، ملفوفة وعامرة، لكل كرسى سيجارة، ولى واحدة، والعلبة تظل مشرعة حضنها طوال الليل، ماذا قالت العاهرة فى الشارع؟ خذ جرعة كبيرة وصفق لها، ربما حبيبتك على ضفة النهر تنزل الماء من أجلك، لا يهم تأخر الوقت، فالأصدقاء دوما يتأخر موعد وصولهم.

كم زجاجة فتحت، يحزنك منظر الفاكهة المحنطة بالثلاجة دون يد تمسحها أو تربت عليها، ماذا؟ الباب موارب، فبدلا من أن تقوم لفتحه كما دق أحد الأصدقاء جرس الباب فالأفضل أن يظل مواربا، ينتظر دفعة يسيرة من يد الصديق ليدخل، لكن الأرواح ـ وما ألطفهاـ لا تحتاج الأبواب ولا تمنعها الجدر، لذا جهزت لها ركنها الوثير، لترتاح عليه من سفرها البعيد، قاطعة أزمان وأماكن راغبة فى الونس والرفقة.

أوووف، يجب أن تكون حريصا أكثر من هذا، ما طعم الجبنة الآن وقد غرقت فى الجعة التى اندلقت عليها، جرب، ذق، ربما أقرب لحلمة الحبيبة النافرة فى كتانها وقد زاد التصاقه، ليجعها مشرعة لشفتيك النهمتين، ذق، أليس من الأفضل أن تغرق نهديها بالجعة و تأخذ فى لحسهما على مهل؛ لكن خبرنى وقتها كيف ستفرق بين الطعمين. طعم الحلمة وطعم البيرة يا أخي، ألست معى؟ أم دارت رأسك، الليل ما يزال فى أوله، ولم يتوافد الأصدقاء بعد والأرواح.

أسند طولك وتساند وتمشى حتى النهر لتنظر إليها، حتى وإن كنت تعرف أنها لن تذهب ولن ترتدي كتانها، أو تنزل الماء، يا أخى تمشى و تخيل، ما ضرك فى ذلك، هل تقرب البيرة الأشياء أم تبعدها، أم تراها تكشفها، هكذا يا صاحبي، أعددت كل شيء وجلست تنتظر، لكن قلى، هل قمت بدعوتهم، لا تحاجج وتقل إن الرواح لا تحتاج لدعوة مسبقة، حتى وإن كان هذا صحيحا، فالأصدقاء على الأقل يتلككون، سيقولون لك: لم تدعنا… من أين نعرف أنك متعب وروحك خائرة.

شربت الآن ما يكفى لأن تصل إلى سريرك، دع كل الأشياء مطرحها، ما الذى سيجرى، حتى الباب دعه مواربا، فربما جاء أحد الأصدقاء فيجد الأشياء فى انتظاره، لا تخش شيئا، الأروح تعرف أماكنها حتى وإن خاصمتك هذه الليلة، دع الباب مفتوحا يا أخى، حتى لو دخل لص، ما الذى سيسرقه من عندك، كتب! اللصوص لا يسرقون الكتب يا سيدى، لن يجد نقودا مهما بحث، فقد تكفلت بهم العاهرة فى الشارع، إذن فليجلس ويرتاح قليلا، يأكل ما يتيسر له، ربما يصالح الفاكهة الحزينة فى الثلاجة، وربما يفتح زجاجة أو اثنتين، أثناء شربه سيقترب من سريرك ويحكى لك عن حبيبته التى يحلم بها، تنزل النهر أمامه بثوبها الكتانى، وتغنى له: حبيبى تعالى وانظر إلىّ …..




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى