- رسالة من الروائي عبد الحكيم قاسم الى بطرس الحلاق

الرسالة الرابعة:
فى رسالة إلى الناقد السورى بطرس الحلاق:

المخيف فى الكُتاب العرب أنهم حادوا السمع..يكثرون الجلوس على المقاهى لكن ينقصهم دائما اللمحة النافذة إلى العصر!!

عبد الحكيم قاسم هو خارج دائما، لم يكن (محاولة للخروج) عنوانا لرواية كتبها فحسب، بقدر ما كان تلخيصا لمسيرة حياته، لأزمته الشخصية فى البحث الدائم عن ذاته، فى الشئ ونقيضه معا. فى التصوف أحيانا فى الماركسية أحيانا أخرى. كان دائما يحاول التحرر من أسر المكان ووطأة جدرانه. فى السجن، تركت السنوات التى قضاها فيه فى منتصف الستينيات مرارة لم ينسها طول حياته، ولكنه كتجربة: "توشك أن تكون استحالة هى من أعظم ما شهدته فى حياتى ... تعلمت فيه كيف يقترب الواحد من ظاهرة اقترابا علميا حتى يفهمها"، كما يقول فى إحدى حواراته. وفى السجن أيضا تعلم أن الماركسية ليست هى "بدلة العمال الزرقاء" بل هى "علم" وعندما هجرها بقى من آثارها معه تلك النظرة العلمية لتفسير الأشياء.

إلى برلين سافر بحثا عن ذاته، ولكنه عاد إلى قريته، عاد مدافعا عن قيم اجتماعية كثيرا ما كان يهاجمها، حتى زملاء جيله الذين تفيض رسائله حبا لهم، وكانت أطروحته للدكتوراه التى لم يستكملها عنهم، لم يسلموا من هجومه. يسأله عزت القمحاوى: لماذا تخسر أصدقاء، والخلاف بينكما غير جوهرى، لقد عرفت قلبك أخضر يحب ويكره. فيجيبه: أليس من حق هذا القلب الأخضر أن يغضب مرة أو يثور!! وعندما قرر خوض الانتخابات منافسا نماذج من البشر لا يملك شطارتها ونفوذها، هزم، وكان الأمر بداية لهزيمة الجسد تحت الروح.

هذه الرسالة التى أرسلها إلى الناقد السورى بطرس الحلاق تكشف بوضوح بعضا من عنف قاسم تجاه كاتب من جيله هو صنع الله إبراهيم، والذى زامله لسنوات فى معتقل الواحات، عندما حبسا فى سجن الواحات فى بداية الخمسينيات. يصف صنع الله إبراهيم ما جرى بأنه: (كنا ننتمى إلى تنظيمين مختلفين وقضينا الوقت شبه متخاصمين ولم تنشأ بيننا علاقة إلا بعد ذلك بشهور بعد أن غيرّ موقفه السياسى، وأنتقل إلى حدتو(إحدى التنظيمات الماركسية الشهيرة فى الخمسينيات)، وتكونت شبه مجموعة اربعتنا: هو وكمال القلش، ورؤف مسعد، وأنا، ولم يكن لها شأن بالسياسة، وإنما كانت العلاقة تقوم أساس المناقشات المستمرة حول الكتابة والمحاولات التى يقوم بها كلا منا، وكنا نعبر عن معارضتنا للمفاهيم الجامدة لمدرسة الواقعية الاشتراكية فى الأدب والفن ونسخر من تصريحات خروشوف حول الفن التجريدى. ويواصل صنع الله حدثه: تواصلت علاقتى بعبد الحكيم بعد الإفراج عنا. وخلفنى فى العمل بحانوت للكتب الأجنبية فى الزمالك كانت تملكه أرملة شهدى عطية الشافعى (أحد أبرز المناضلين الشيوعيين، وقتل اثناء اعتقاله فى الخمسينات)، والتقينا فى برلين واختلفنا حول علاقته بالبعثيين العراقيين، ثم التقينا فى مؤتمر الرواية فى فاس المغربية.

[/align]

[frame="9 98"] [align=justify]
برلين الغربية صباح الجمعة 5/6 / 1981
أخى بطرس
أخيرا جاءتنى رسالتك وانشرح قلبى. فإننى كنت فى ريبة مما كتبت لك. أقول فى نفسى إننى أسرفت، ثم أعتذر لنفسى عما فعلت بأننى لم أقصد إلا أن أكون صادقا وحارا كما أتصور الصديق. وإننى لأعيذ نفسى وأعيذ صديقى أن أسر عنه ما أراه تصورا عن الكمال، أكتمه عنه ويمضى الحديث وهو لا يعلم حفيظة نفسى. ثم جاء خطابك فسعدت بأنك فهمتنى على الفور وأرحتنى من شقوة أيام انتظار ردك. لقد قابلت جمال الغيطانى فى باريس، أول مرة على المقهى تحت الفندق الذى نزلت به. نقل إلىّ خبر موت يحيى الطاهر عبدالله. ذعرت، بكيت، نشجت بصوت عال من قلب محروق كأنما أبكى كل الموتى والذين يموتون، كأنما أبكى غربتنا وتشردنا وعارنا. بكيت كاتبا بسيطا صادقا كان الموت يتربص به من سطر إلى سطر حتى صرعه ... ونحن نكتب السطر تلو السطر، ونرتب النهاية بقلوب مفطورة وعيون مقروحة. وقابلت جمال الغيطانى بعد ذلك مرة أو اثنين. لم يكن أبدا لقاء طويلا أو حديثا شاملا، إنما هى خطفات تحيات وسلامات وعتاب وأسئلة عشوائية وإجابات سريعة، لكن كان جميلا أن أراه وأن نتواعد على المراسلة وأن نكون دائما على اتصال.

أما قدوم إدوار الخراط إلى باريس فقد علمت به، وبقيت أياما أتعشم فى أن يتصل بى تليفونيا ولكنه لم يفعل. وكنت أقول فى نفسى لعله يقابل الناس فى باريس الآن وتأتى سيرتى ويثنى علىّ الثناء كله، ثم يقوم فى جيبه رقم تليفونى وبيوت الهاتف الزجاجية الصغيرة فى الشوارع وهو لا يطلبنى. مهما يكن ما قلته فى نفسى فهو لم يعزنى عن أننى لم أسمع صوت إدوار ولم أسأله عن الدنيا والناس ولم أسمع حديثه فى ذلك. أعود إلى مقالك فأقول إن ثمة حقيقتين أساسيتين أولاهما أنك أكبر من ذلك المقال، هذا شئ أعرفه ويقوله المقال نفسه فى تأكيده على نقطتين عظيمتين. الأولى: استبدال تعبير الرواية العربية بالرواية المصرية. ليس حبا للعربية بل لأنه الحقيقة أن العالم العربى مجال ثقافى وشعورى واحد تقريبا، رغم التنوع بين وحداته المختلفة. الثانية: أنك تحاول تحديدا دقيقا للتأريخ للرواية العربية وهذا هدف يستحق أن يجهد الباحث له. الحقيقة الثانية أننى أعرف نفسى جيدا ولا أرانى كفؤا للاعتراض عليك، وإنما أنا صديق يعتز بصديقه وقارئ نشيط يعلق على ما يقرأ.

ملاحظة صغيرة هى أن عبدالمحسن طه بدر رجل ريفى مثلى وهو من جيلى تقريبا. ولقد نشأنا ... غذاؤنا اليومى تلك الكتابات الدارجة عن الريف المصرى، وقذارته وجهل ناسه، حتى ليضطر الأثرياء وأولى السلطة من المصريين إلى السياحة فى أوروبا أو لبنان. فإذا صادف الفلاح الطيب عبدالمحسن بدر رواية مصرية ترى فى الريف المصرى جمالا فإن ذلك يفتنه. هذا إلى أن الافتخار بالمصرية كان فى الحقيقة قيمة معادية للاستعمار الإنجليزى وليس مباهاة على أقطار أخرى فى تعاستنا وأشد. وأنه ليسعدنى ما تقوله من أنك تزمع كتابة مقال لتصحيح وضع كلمات ترجمناها عن اللغات الأوروبية إلى لغتنا ونستخدمها أحيانا فى سياق مخالف مثل رومانسية. هذا سيكون عمل عظيم. الأمر لا يقتصر على كلمة رومانسية، بل إلى غيرها كثير مثل نهضة وتنوير وبرجوازية وإقطاع وثورة ورجعية ومحافظة وغير ذلك مما يحتاج إلى جهد هائل لوضعه موضعه الطبيعى. الأمر فى الحقيقة أن نعيد: (1) قراءة تاريخنا. (2) فهم تاريخنا. (3) الالتزام به. إننا إذا فعلنا ذلك ستكون نتيجته الطبيعية أن نتكلم العربية.

الآن أشكرك على إرسال مجلة (الباحث) لى. وقد قرأت مقالك عن رواية صنع الله إبراهيم (نجمة أغسطس). وأبدى لك إعجابا بلا حدود بالمقالة لغة ومنهجا فى البحث ونتائج. هذا عمل جيد وعظيم. لكننى أريد أن أحكى لك قبل أن أتكلم عن المقالة حكاية. أبدأ الحكاية بملاحظات هامة:
(1) أننى أعتبر السد العالى أعظم الأعمال المعمارية فى تاريخ مصر كله.

(2) وهو ليس عملا معماريا بالمعنى الشامل لهذا التعبير. بل هو على الأدق جراحة تحويلية فى تكوين مصر الجغرافى، تشبه فى ذلك قناة السويس، وإن كانت أعظم وأعمق تأثيرا فى كل طبقات الشعب المصرى وفى أرض مصر ومناخها ونظام ريها واقتصادها.

(3) إذا علمنا أن السد الآن لا يستفاد منه نهائيا وأن المشروعات المكملة له لم تتم وعليه فهو عنصر هدام للتربة المصرية ... وعليه فالأصوات ترتفع للمطالبة بنسفه؟ وأنا أتصور أن هذا ممكن ... وإذا كان قد حدث أن السادات أصدر بيانا مشتركا هو وبيجين يدين سوريا، فلماذا لا يكون متصورا هدم السد العالى ؟ !

(4) السد إذن أعظم عمل معمارى فى تاريخ مصر، وهو يهم كل مصرى بصفة شخصية ... أقول مرة أخرى كل مصرى على حدة وبصفة شخصية ... ومع ذلك لم يهتم به أى مصرى ... بل وعورض وكره حتى ليمكن نسفه دون أن يتحرك أحد ... هذه هى المأساة فما سببها؟

(5) إن تفسير ذلك بالفرعنة والبيروقراطية شئ سطحى جدا. إن السد درس مؤداه التشكيك فى قدرية علاقة مصر بالنيل، فى قدرية عملية الرى، فى قدرية علاقة مصر الفكرية بالعالم الرأسمالى. وهذا الدرس تجسد فى صورة صخرية. الكلام عن الهرم أو المساجد أو البيروقراطية والبوليس كلام سطحى. كل مصرى كان يعمل فى السد كان يعمل لصالحه الخاص ... وضع البوليس كان مجازا فارغا، الهرم نصب للعبادة ... السد نصب لضرب القدسية.
تلك الملاحظات قبل أن أحكى الحكاية وهى ملاحظات مختصرة بل ومبتسرة أرجو أن تقرأ ما وراء الكلمات. أما الحكاية فهى عن صحفى ... مراسل الازفستيا فى مصر ... رجل نحيل شاحب ... شديد الذكاء شديد الإخلاص ... شديد المرارة والسخرية ... ويهودى ... كان يرى السد ويرى مصر ويرى روسيا ويسخر من كل شئ ... كان يعرف أنه لا أحد يدرك شيئا ... وأن الشئ الذى ينبغى أن يدركوه شئ يفوق الخيال فى عظمته ... ولم يكن يدرك سر مصر ... فكان يسأل كل الناس ... يتجنب كل من فى يده سلطة ... كل من فى مركز ... كل هؤلاء مزيفون بشكل أو بآخر ... يسأل ناس معينين، يلمس فى ملامحهم ذكاء وإخلاصا. قابل صنع الله إبراهيم ... شيوعى ... خارج من السجن ... ناقم على عبدالناصر ... تلك هى العناصر الدرامية القادرة على خلق موقف قادر على استيعاب وجلاء اللغز ... سأل صنع الله: هل رأيت السد العالى؟ قال :لا ... قال: لماذا لا تراه وتكتب عنه ... لا يملك نقودا ... إذن خذ خمسمائة جنيه واذهب واكتب ... اكتب ما تشاء ... كل ما تكتبه سأنشره لك ... فى مصر وفى روسيا بالعربى وبالروسى ... كان ذلك فى ربيع 1965.

لقد أصابنى الذعر عندما قرأت فى رواية صنع الله أنه أخذ معه إلى أسوان كتاب مايكل أنجلو ... إن تجربة أنجلو مع الحجر غير تجربة مصر مع السد على النيل ... ثم العصر غير العصر ... كل شئ غير كل شئ ... أنت تفهمنى طبعا وتعرف عن أنجلو وعن سد مصر. لكن الشئ المخيف أكثر أن صنع الله لم يأخذ معه الكتاب عند سفره لأسوان فى الحقيقة بل قرأ الكتاب بعد ذلك، وركب الأشعار على فصول الرواية. لكنه قال إن هذا الكتاب كان معه، وسواء أكان الكتاب معه، أو كان غيره، فالآخر لم يكن على أى حال صلة بالموضوع. أليست هذه بداية محزنة ... الرحلة للسد بإيحاء من صحفى أجنبى ... وبنقود أجنبية ... والكتاب كتاب لا علاقة له بالموضوع (أيا كان) ... ليس هذا طعنا شخصيا ضد صنع الله ... إنها مأساتنا التى يجب أن نكتب عنها ... نحن فى عزلة عميقة عن التغيرات العميقة التى تحدث فى حياتنا ... ونحن فقراء المحصول من لغتن ا... السادات خائن ... عبدالناصر ديكتاتو ر... الملك حسين عميل. من باب التغيير نقول (...) ويمضى فى حال سبيله.

وعليه يبدو التاريخ قطعة واحدة مصمتة ... واحد على القمة .. .رمسيس ... محمد على ... عبدالناصر ... ثم سجون وعمال مظاليم، بكائيات تلك هى اللحظة المروعة التى يكف فيها الأدب عن أن يكون أداة لاكتشاف الواقع ... عملية معرفية. ثم يكون الموقف من الآلة وموقف الإنسان (المنسحق) إزاءها ... بهذا تبدو المجتمعات مكررات لشىء واحد ... الأوروبى منسحق أمام الآلة، وإحنا كمان والله العظيم منسحقون أيضا. والحقيقة ليست كهذا ... السد ليس آلة، إنه جراحة جغرافية تحويلية، والآلات التى عملت به مشروطة به كمشروع ... ليست كآلة المترو التى هى شرط للمدينة، وليست المدينة شرط لها. السد ليس عالما آليا ... بل هو قدرة جديدة أضيفت وذهل عنها الناس ... تلك هى القضية التى يجب أن تهتم بها الرواية. الرواية لم تجد هدفا، لم تجد كلمة محددة واضحة لتقولها، اكتفت بالبكاء واللطم والإشارات الذكية واللمحات الجنسية ...

انعكس هذا على البناء ... وأنت بالتصاقك الحميم بالكتاب أشرت باقتدار إلى تكديس من الملاحظات دون أن يرى الواحد إلى أين تتجه السهام. وعليه فأنا أتصور أننا كمجتمع مصرى لم ندرك إلى الآن واقع مصر بعد السد العالى، وأنه سيمر وقت طويل قبل أن يستوعب الضمير العربى البطىء الحركة هذا العمل وعندما يتم ذلك سيعود الناس إلى الأرشيف لمحاولة التصور وإعادة الفهم والكتابة عن هذا العمل ... كل ما يقدم على عجل من مفاهيم لتفسير السد العالى خطأ؟

(1) وضع عبدالناصر فى صف واحد مع كل الطغاة فى تاريخ مصر خطأ ... كل مرحلة تاريخية لها قوانينها الخاصة ... وعبدالناصر لم يبن معبدا ... ولم يحفر قناة لتيسير التجارة ولخدمة طبقة محددة بل أقام سدا لتغيير التكوين الايكولوجى والاقتصادى والنفسى للشعب المصرى.

(2) الكلام عن مجتمع الآلة فى مصر أثناء بناء السد، أو بعد السد، كلام غير صادق وغير محسوس، والآلة فى المجتمع الأوروبى غير مرفوضة لذاتها بل لتجاوز الوسيلة للغاية التى وضعت من أجلها. شيئان كان يجب أن تقولهما الرواية أن السد عمل عظيم، وأنه يتم والشعب المصرى فى حالة من حالات انعدام الوعى. إن أهمية رواية صنع الله إبراهيم فى أنها لم تقل أشياء كثيرة وهامة، وسجلت حالة الخرس التى عاشها الضمير المصرى تحت حكم عبدالناصر. لكن صنع الله لم يعبر عن خرسه بصدق وإخلاص بل أغرقنا فى (تحليلات) سياسية عن الظلم وستالين وعبدالناصر ورعمسيس والفتيات والجنس والمباحث.

المخيف فى الكُتاب العرب أنهم حادوا السمع؛ ويكثرون الجلوس على المقاهى وسماع المقابلات والتضادات والسجع والبديع والجناس الذهنى. وينقصهم دائما اللمحة النافذة إلى العصر. هل هذا نقص صنع الله إبراهيم؟ ... لا ... إنه جيل كامل كان فى عصر عبدالناصر مخبوط على رأسه. وجاء السادات وصفى التركة والورثة لا زالوا ذاهلين ينظرون. ما الذى يدفع ناقدا مثلك لأن يكرس هذا الجهد الخارق لكتاب مثل هذا، أنا لا أعتقد فى أهميته. أرد على هذا بعرض تصورى للنقد فى مجتمعنا العربى. إنه تصحيح علاقة الناس بالكتب. ثمة كتب تنشر وتهمل، أو يتحمس لها أو يساء فهمها. قليل هو الكتاب الذى يفهم ويلاقى اهتماما ما يوازى بالضبط قيمته الحقيقية. هنا يكون دور الكاتب أقصد الناقد ... إنه يحدد قيمة الكتاب بالنسبة للحظة التاريخية التى تعيشها الأمة؛ ويطالب له بما يوازيه من اهتمام. وتصورى أن الناقد تكون وظيفته إما واعية واضحة تماما له، أو هى غريزة عنده بعد قراءة واطلاع واسعين. وأتصور أنك واع بوصفك كناقد أستشفُ هذا من جدول أتصورك وضعته لنفسك لدراسة أعمال متعاقبة مهمة فى حقل الرواية وأنك تحاول أن تصحح وضع المجتمعات العربية بالكتب العربية فى لحظات تاريخية مختلفة.

منهجك فى الحقيقة يجعلك تلتصق بالعمل التصاقا شديدا فتغفل أحيانا المجتمع الذى نشأ فيه أو الذى يقرأه والأسئلة التى يطرحها المجتمع على هذا العمل ... لكن إخلاصك الشديد فى الالتصاق بالعمل يجعلك تصل إلى نتائج حاسمة تدارى النقص الذى أشرت إليه ... بل أقول تتلاشاه ... وعليه أحس أن كل الذى آخذه أنا على رواية صنع الله إبراهيم قد أشرت إليه أنت بشكل أو بآخر ... بل إن مقالتك تجعل أى نقد على هذه الرواية بعد ذلك عبثا. ولكنك بشكل غير منطقى تنيط بها أهمية تاريخية ليست لها ... أهميتها فى الحقيقة أنها أثبتت حالة الفصام بين (الفعل) فى المجتمع المصرى و(وجدان) هذا المجتمع فى فترة عبدالناصر. هذا الفصام هو الذى يوجد الثرثرة والتكرار والشطحات التاريخية، والترابطات غير المنطقية، والاستعارة من مجتمع الآلة الأوروبى، ونقل ذلك إلى مجتمع مصرى ريفى فقير للآلة.

الرسالة طالت وأحس أنى لم أقل شيئا ... لم أقل ما أردت أن أقوله ... أو قلت ما لم أرد أن أقوله ... على ذلك أتوقف ... وأثبت للحقيقة والتاريخ أنه مقال رائع جيد التركيب منصف، لغته رصينة ساطعة ... إنه ينبئ عن ناقد كبير.

تحياتى لك ولأياد ,استرد ,أرجو لكم السعادة
تحياتى لبرهان وتمنياتى له بالصحة.

أشكرك على الاهتمام بنشر(سطور من دفتر الأحوال) ... أنا أكتب الآن (سطور من دفتر القبر) ثم أكتب (سطور من بكائية قديمة) وأريد أن أنشر الثلاث فى كتاب ... فقد صدروا عن حالة نفسية واحده، وبينهم قرابة فى اللغة والشكل والبناء والمحتوى تقريبا. وأريد أن أنتهى من كتابة مقدمة لمجموعة قصصى القصيرة لنشرها ولقد بدأت فى رواية جديدة (دعنى فقد ملك الغرام أعنتى) ولكنها سوف تستغرق وقتا حتى تتم.

فى الختام أشكرك على رسائلك ... إنها تتيح لى أن أكتب ... أن أعيش.
عبدالحكيم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى