رسالة من حسام الدين مصطفى إلى الدكتور فؤاد بو علي

أخي الحبيب و توأم روحي صديقي الدكتور فؤاد بوعلي
سلام الله عليك ورحمته وبركاته
رعاك الله أخي الحبيب ... فبرغم تلك المسافات التي تفصل بين بلدينا، وبرغم البعد لا زلت يا صديقي قادراً على أن تبصر ما بداخلي، وتشعر بما يجول في خاطري... وكذا هي الأخوة والصداقة الحقة التي لا تخضع للقياس، ولا تدركها الحواس، ولا ينعم بها إلا من أراد به خير رب الناس.
أعتذر منك يا أخي إن مرت فترة كنت فيها على غير ما عهدتني ، فهذه طبيعة الحياة أن تمر بالإنسان أوقات عصيبة، فيخضع خلالها لصروف القدر و أحكام الدهر، فيجد نفسه يمر باختبارات حياتية...
كم أغبط يا صديقي أولئك الذين تسير بهم مراكب حياتهم مشرعة في بحر رمال الحياة، كم أحسد هؤلاء الذين لا يرون في الدنيا إلا قضبان القطار السائر دون توقف ... يا لَحَظِهم أولئك الذين لا يشغل بالهم أي أمر سوى البحث عن ما يريح عقولهم ...
مشكلتي يا أخي الصديق أنني كنت أمر بما اصطلح إخواننا المبدعون على تسميته " أزمة المفكر"، وهي لعمري أشد إيلاماً من أي أزمة قد تعترض طريق المرء ... فيها وجدت نفسي كالذي يبحث عن ركن يختبئ فيه في حجرة الحياة المستديرة، فما وجدت الركن، وما تغيرت دائرة الحياة... هل رأيت كم أنا محظوظ!!!
ولولا رحمة الله الواسعة، وأيادي كريمة لك بينها اليد العليا لظللت أدور باحثاً عن ذلك الركن...
أتدري يا صديقي العزيز ... كم هو جميل أن يشعر المرء بالضعف، وأن تلوكه رحى الحزن ... لا تعجب يا صديقي .. فالقوة والصلابة لهما مغبة وخيمة، فقد يستحيل من يمتشق حسام القوة، وكنانة الصلابة إلى حجر جماد لا يتأثر بما يدور حوله، وقد تشط به كبرياؤه فتقذفه في هوة الغرور السحيقة ... لذا فإنني أحمد ربي حين ينعم علي ببعض أمور تشعرني بضعفي البشري، وتستحضر الحزن الإنساني ليغمر ذاتي..

يا صنو ذاتي الحبيب:
أراك تستخدم طريقتك الحصيفة كي تدفعني أن أخرج من شرنقتي بأن تهدد بأنك ستخرجني من قلب الحي الذي أسكن فيه!!! وكأنك لم تخرجني منه بعد!!! أنسيت يا صديقي أنني قد غيرت محل إقامتي منذ زمن حين جمعنا ركب الفكر معاً....
لكن أتعلم أنني أحمد الله على أنك لم تتوعدني بما هو أشد وأقسى على نفسي وهو أن تغير عنوان مسكنك في قلبي... فهذا لَهُوَ عندي أكثر إيلاماً من التشرد في أصقاع لا تحدها سماء ولا تحملها أرض...

اعلم يا صاحبي الذي بيني وبينه كما بين الشمس والقمر ارتباطاً ... بأنني ما قعدت محبة للتقاعد، وما سكت لأني أوثر أصداء الصمت، وما ركنت إلى الوهن تكاسلاً، وإنما هي مقادير، وأنصبة مقدرة ... والحمد لله في السراء والضراء....
ولأنك ذو قدر عندي قد لا يعلمه إلا الله وحده، .... فلا أرى إلا أن أقول بارك الله فيك صاحب وأخ، وأدام الله ما بيننا من مودة ومحبة.. وإن كان ضجيج النوائب صاخباً، فإن صوت نداء الأخوة أعذب وقعاً، وأجمل تأثيراً.... فلتضج الحياة، ولتصخب... وحسبي أنه كلما أرهقني صخبها، سمعت روحي شدو كلماتك فيستقيم عودي، ويشتد أزري....
وفي الختام ... أدعو الله أن لا يكون للمحبة بيننا ختام، وأن نظل على عهدنا أخوين تأتلف روحيهما في وئام...
ولك محبتي وعظيم التقدير والاحترام
حسام

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى