كنانة عيسى - نسختي الأنثوية

أحدق جيدًا...
العينان عسليتان، الشعر بني غزير ومنسدل ببساطة،
البشرة قمحية، نقية وعاكسة لجمال قديم، متوسطة الطول في امتلاء خفيف، عفوية، مرحة،ضحكتها تشبه أجراس الكنائس المنسية، لا تحبذ مساحيق التجميل دائمًا، جسدها الرقيق و الخالي من الانحناءات يشبه الدمى، ترتدي حذاء رياضيًا خفيفًا (هذا عيب يمكن إصلاحه، ماذا حدث للأحذية النسائية الأنيقة؟ )، تحب الفساتين المورقة بالورود والزهور الملونة وألوان الحدائق، عطرها عفوي وتلقائي وبدائي يشبه ملوحة البحر في يومٍ حارق، شفتاها الرقيقتان بمذاق الزعتر البري اللاذع في معظم الأحيان.
اضطررت لتكميم فمها.. كانت تصرخ بلا توقف.
وعندما نزعت عن فمها الشريط اللاصق لتشرب القليل من الماء أحاطتني بنظرة خوف وتضرع قائلة:
-أطلقني... ولن أخبر أحدًا عما فعلتَه وعما رأيتُه..
كان أمامي امتحانٌ أخير يجب القيام به
كل شيء على مايرام حتى هذه اللحظة، تبقى لي أن أفتش حقيبتها جيدًا..
و عندما وجدته ملقيًا بعبث في حقيبتها الرياضية، لم أصدق..!
كنت قد انتظرت أسبوعَا كاملًا لشدة انبهاري بها خائفًا من فقدانها هي الأخرى، أهناك من لا يزال يقتني الكتب الورقية؟
أحملق فيها وهي مقيدة في قبوي الرطب، تستجدي رجاء وألمَا، تئن في رفق وتوسل،لعلي آذيت كاحلها و يدها عندما قيدتها لكرسيّ الأثير
كنت أشعر بالأسى وأنا أفعل لذلك... أعترف.
نظرتُ إليها جيدًا
خدها الأيسر ينزف بجمال غريب.
كدمة زرقاء بدأت بالانتشار على عنقها اللدن.
عيناها المرتجفتان الدامعتان تستقصيان نجاةً مني.
أحزنني أن أكون عنيفًا وقاسيًا لكنها لم تتوقف عن طلب النجدة، حينها أوشكت أن أخبرها بسرٍ خطير
وفكرت..
لعلها خائفة لرؤية من سبقنها وقد تكدسن في صناديق أطلّت منها وجوههن القمحية الناعمة والنقية للمرة الأخيرة..
كنت أريد أن أهمس لها:
- أنت بخير.. لا تخافي.. لا صندوق لك.. فأنت لم تفشلي في الامتحان الأخير.
في غرفة التحنيط التي فاحت منها رائحة الصنوبر
همست لها بصوت جهوري :
لقد وجدتُ نسختي الأنثوية المطابقة، آه.. لو تعلمين..فقط أنك ستصبحين آلهة فرعونية آسرة ..نحن من نستحق الخلود.. يا عزيزتي.. نحن الذين ما زلنا نقرأ الكتب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى