رسالة من مصطفى فرحات الى مريم بن بختة

إلى الشاعرة الرقيقة مريم بن بختة
كيف أبدأ وأنا الذي لا يعرف في أي نقطة من جغرافية اللغة يقف. كل البدايات وكل النهايات يلبسن لون الضوء فأتيه بين النقطتين، وكلما حاولت أن أجد توازنا للغة مال محور الإحساس، وانفلت في اتجاه لا أول له ولا آخر، فقط أراه يتأرجح في أعماقي كآخر ورقة شجرة خضراء لشجرة اغتالها الخريف.
كيف أبدأ وأنت التي علمتيني جمال البدايات وحسن النهايات، فالقصيدة التي أهيتني إياها لم تكن بالنسبة لي مجرد مفردات وحروفا وأفعالا وصورا شعرية بل هي جزء من عالم كنت أجهله، وأنت من دلني عليه، لم أكن أعرف أنك العزيزة مريم تملكين من الحس المرهف والشفافية ما يمكنك من أن تقتحمين بعضا مني، وتكشفين جانبا من دهاليز نفسي، وأنا الذي كنت على الدوام أبحث عنها. فشكرا لك...
ما ذا أقول وكل الكلمات لا ولن تستطيع أن يتجملن ثقل إحساسي ومشاعري اتجاهك أيتها الوردة التي أينعت في دواخل قلب تسكنه الرمال، أيتها القطرة التي سقطت في بئر روحي التي لم تدق طعم الماء منذ عهود خلت، أيتها الورقاء التيغنت على عرش جسدي الذي تلتهمه الكهولة لحظة لحظة لتصعد الخصرة في أغصانه الهوينى.
ماذا أقول، وأنا الذي عندما ينظر إلى حروف قصيدتك يراها بلون أقواس قزح، تتراقص الكلمات في عيني فأرى الأحمر الغامق، والأزرق الآزوردي، والبنفسجي الشفاف، والأبيض الامع، والأخضر بلون الغاب، ألوان..ألوان وألوان..هو حرفك العزيزة مريم، ألوان الربيع والحدائق الغجرية، ألوان أزهار أعرفها ولا أعرفها...
ماذا أقول؟ وأنا عندما أترنم قصيدك أسمع حفيف الشجر في غابات حزني وفرحي، في سمفونية أنغام تناهت لصحوي وأرقي، وأنت البهية في كل شيئ..
أعترف أني حين عرفتك أنك أضفت أشياء كثيرة إلى مجراء مائي، وأثريت ضفافي بأشجار الصفصاف التي حجت إليها طيور السنونو الآتية من بعيد..
أعترف أني منذ عرفتك أيتها الصادقة أنك أضفت نجمة إلى سمائي المثقلة بالحلكة، وفيك ومنك وجدت بعض تيهي وتوهاني، وتعرفت على ملامح طريق مشيتها وما علمت قط إلأى أين تقودني...
وماذا يتبقى بعد أن نقول ما قلناه، ونمضي نحو أفق أزرق بعيد لن نرى فيه غير ظلالنا وبعضا من خيالاتنا وأوهامنا التي تركناها خلفنا في هذه الدنيا التافهة..
وماذا يتبقى أيتها الغالية مريم منا بعد كل اللقاءات التي جمعتنا، والإبتسامات التي تبادلناها، والمشاعر التي تقاسمناها والخبز التي تشاركناه، والحب الذي عشعش فينا، والكلام الراقي الذي "تسامعناه"...
وترى ماذا يتبقى من بعد كل هذا؟
أدرك حجم عواطفك النبيلة التي تتبدى في كل كتاباتك التي لامست جوانب منها سواء على المستوى السردي أو الشعري..
أدرك قدرتك، بل قدراتك على خلق جسر التواصل داخل الوطن أوخارجه، حدث ويحدث أن التقينا وسنلتقي، وما بين اللقاء ولحظة انتظار اللقاء لا أشك في الخيط الرفيع المرهف الذي يربط بيننا..هو خيط أسس ويؤسس لعلاقة صداقة تجمع بين الإبداعي والأسري والإجتماعي، وتؤتث لهذا الزمن الذي نعيشه والذي لن نعيشه إلى الأبد..هذا يقودني إلى القول الغالية مريم أنك ستبقين دائما في الذاكرة حتى ولو شاخت، وانت التي تملك من العقل والقلب ما إنسانة تفتحين أبوابا حتى ولو لم تطرقينها..
ولأن للقلب سطوته أقول:
يا أيتها الساكنة بين الورد والنهر
يا أيتها الناعسة في جفن لم يؤرق بعد
يا ساحرة الحرف والمعنى
لك أنا الباحث عن أناي
لك أنا الغائم في شرفات ليل ينورها البدر
لك أنا المتيم بصمت الحرف وضوضاءه
لك أنا الفينيق
لك أنا سيزيف المصلوب بدل المسيح
وأنت النجيع
تموز أنت وعشتار في الأفق البعيد
وأنت النسغ الطالع في شرايين الشجر
وأنت صوت البحر الأزلي..
وأنت وأنا بحث دائم عن خضرة سقطت من أناملنا
وأنا وأنت القمر الباهث في رحيق رجع ليل متيم
وأنا وأنت بسمة طفل في دوحه
وأنا وأنت مركب خوفو
معا نمتطي خوف النيل
نتأمل الطمي
نتأمل القمح
نتأمل ما يأتي من زمننا الآتي البعيد.
ومهما قلنا، سيبقى البوح فاصلة بين الذي كان الذي سيكون..وسيكون البوح ذاك الذي نقوله، ولربما لن نقوله..سيقال في أفق عالم جميل ننتظر قدومه إلينا أو نمضي إليه..
محبتي العزيزة مريم.
ولله الأمر من بعد
ولله الأمر من قبل.
ولكل امرئ ما نوى.
دامت أخوتنا، وصداقتنا ومحبتنا.

أخوك، وصديقك المصطفى فرحات
ابزو 17/01/2011.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى