رسالة من أدونيس الى شوقي بغدادي

عزيزي الأستاذ شوقي،

فاتتني، خلافاً للعادة، قراءة "الحياة"، عدد الاثنين، تاريخ 21 تموز /يوليو 2003 الذي ظهرت فيه مقالتك حول زيارتي الأخيرة سورية، بدعوة من المفوضية الأوروبية فيها. ولهذا تجيء هذه الرسالة متأخرة.

ذكّرني تأويلك لاسم "عليّ" الوارد في قصيدة لي بعنوان "هذا هو اسمي" نشرت منذ Bربعة وثلاثين عاماً، أوائل سنة 1969، بتأويل لاسم "مهيار" الوارد في عنوان مجموعتي الشعرية "أغاني مهيار الدمشقي" 1961، قامت به السيدة سلمى الخضراء الجيوسي، الشاعرة والناقدة، في دراسة لها باللغة الانكليزية عن الشعر العربي الحديث، قائلةً بأنه "مهيار الديلمي"، الشاعر العربي العباسي، المتحدر من أصول فارسية، مشيرة بذلك الى أنه كان "شعوبياً" والى اتهامها إياي، تبعاً لذلك، وبشكلٍ مداور، بهذه التهمة البائسة: "الشعوبية".

إن مثل هذا التأويل يؤكد ان السيدة الشاعرة الناقدة، إما أنها لم تقرأ هذه المجموعة - لأنها لو فعلت، لرأت أن مهيار الدمشقي لا علاقة له بمهيار الديلمي إلا بالاسم. وإما أنها تصدر هذا الحكم بتصميمٍ مسبقٍ، فتمارس هذا التأويل الفاسد، باسم النقد الأدبي - الشعري، تستراً وتمويهاً. هكذا يصبح مجرّد الاسم، في نظرها، أو مجرد الاشتراك في الاسم، إثماً.

أنا هنا أخاطبك أنتَ، شخصياً، شوقي بغدادي، لا شوقي - أحمد، ولا شوقي - عبد الأمير، ولا شوقي - شفيق، ولا أي شاعرٍ آخر يشاركك الاسم، أخاطبك سائلاً: كيف حدثَ أن تؤوّل اسم "علي" في القصيدة التي أشرتُ إليها بأنه "الإمام عليّ"؟ هكذا على نحوٍ قاطعٍ يدعو الى الاستغراب والدهشة. فمثل هذا التأويل لا تتيحه اللغة الشعرية في القصيدة، ولا يتيحه موضوعها هل قرأتها؟، ولا تتيحه أبعادها الفكرية - السياسية، أو سياقاتها التاريخية الاجتماعية. ولا تتيحه أخيراً المكانة العالية التي تشغلها شخصية الإمام علي في فكري، وفي رؤيتي للتاريخ الإسلامي - العربي، ثقافياً وإنسانياً.

ثم إنني عندما أكتب عن الإمام علي، أكتب من دون ترميزٍ أو تَكْنيةٍ أو تَوْريةٍ، كما كتبت مثلاً عن عمر بن الخطاب في أغاني مهيار الدمشقي، ذاتها، وعن الحسين في كتاب المسرح والمرايا، وعن عبدالرحمن الداخل في كتاب التحولات، وغيرهم من رجالات التاريخ العربي.

إن "علي" في هذه القصيدة، أيها الصديق العزيز وأدعوك الى قراءتها لترى مدى حضورها، ومدى بعدها عن الماضي ليس إلا رمزاً للمضطهدين، المقموعين - رمزاً مفتوحاً قد تمثله أنت، أو هو، أو أنا نفسي، صديقك عليّ. هل اسم أدونيس أنساك أنت كذلك اسم عليّ؟

سامحتك الصداقة وسامحك الشعر.

أما آراؤك في ما يتعلق بالدعوة ذاتها، فهي من حقك، وأنا أحترمها، وأصغي إليها، وإن كنت أختلف معك.

لك أطيب تحياتي.

باريس في 25 تموز/ يوليو 2003

صديقك

أدونيس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى