لحسن أوزين - كورونا: الحكمة الشّيطانيّة

أنا أعرف بأنّي شرّ، لكنّي شرّ لا بدّ منه، ولست غريبا عنكم كما تزعمون ولا أهدف إلى تدميركم كما يجعلكم رهاب فزعكم الجنوني تتصوّرون. لست إلّا واحدا من الشّرور الّتي تصنعونها بأنفسكم وأنتم تلهثون وراء الخير العميم، ما كنت لأقوى على أن أكون مندسّا تحت ألسنتكم وفي أعمالكم وبين خطوات أفعالكم إلاّ بفضلكم نكرانا وقمعا ونفاقا، أو غفلة وتبلّدا كمن غُسلت ذاكرته وهو ينظر في وجهي كشرّ لعين، ولكنّه للأسف لا يرى، ومن ذا الّذي يستطيع أن يرى قفاه حين يدير ظهره لي بتجبّر واستعلاء أحمق أقرب إلى الغطرسة؟ أنا من طينتكم، من الوحل الّذي يترسّب في عمق قاعكم، وإن كنت دائما أسير بجانبكم في كلّ خطوة تقدمون عليها في السّلم والحرب، في إنتاج اقتصاد الاستهلاك والنّهب، في متخيّل الرّفاه والسّعادة الّتي تسعون إلى عيشها، وفي وهم جنّة الأرض أو السّماء الّتي تسكنكم كما تسكن الخفافيش المنازل المهجورة، ومن يمينكم إلى يساركم، من حراس المعبد إلى حرّاس المال في طوافهم السّبع على الدّولار، وكلّ وسخ الدّنيا كما يقول بدو مكّة في وضح النّهار، وهم ينهبون خيرات نفط أمّة أخرجت للاستعباد بين أيدي الاستبداد .

كنت ولا أزال شرّا لئيما في النّيوليبراليّة المتوحّشة، فمن أحشاء جشعها المحموم، و ما سبّبته من تعب قهر الإنسان والأرض بالتلوّث المشؤوم الخانق لروح الحياة، من كلّ هذا وغيره كثير توالد نسليّ، في كوارث ما تصنعه السّياسات الهمجيّة للشّركات المتعديّة الجنسيات، والعابرة للقارّات، وفي المصالح الاقتصاديّة والجيو سياسيّة…، ومن حرق الغابات وتهديد الجزر بالاختفاء، وإنهاك الأرض حتّى كادت أن ترحل بين زلازل تسونامي وهيجان الأعاصير، وفي الحروب والجرائم ضدّ الإنسانيّة، وتأييد الإبادات والقتل الجماعي والتّطهير العرقي …، وما شابه ذلك من هدر الإنسان والكرامة، ونهب الأرض بما فيها من خيرات ظاهرة وباطنة، واستغلال الإنسان أبشع استغلال، حيث لا همّ لكم سوى تكديس الأموال وسرقة عرق الشّعوب والفئات الاجتماعيات المعدمة، والمتوسّطة إلى درجة القذف بها على قارعة الطّريق، وهي تُسوّق أجسادها، وتمرغ كرامتها، وتبيع أعضاءها صلحا أو عنوة، كما لو أنّنا نعيش عصور الغزو الهمجيّ البربريّ البائد في تاريخ الشّعوب والحضارات. داخل كلّ هذه المستنقعات الآسنة كنت أصرخ وأظلّ أردّد معزوفتي على أنّه آن الأوان لتدمير كلّ هذا الخراب وإعادة الخلق من جديد، أي نشأة مستأنفة كما قال ابن خلدون، أو كما قال شاعر عراقي عظيم (مظفر النّواب) ” إنّ خرابا بالحقّ بناء للحقّ”.

لم يعد ممكنا التّعايش مع الخير الكاذب الّذي يتستّر بالقهر والخداع على وجودي الرّجيم بقلب الطّاولة وتمزيق الكتاب العتيق للفلسفات الرّفيعة والأفكار السّاحرة في عالم المال والجريمة كسياسات إستعماريّة وإمبرياليّة وإستبداديّة جنونيّة…

صحيح أنّ مرحلة ّأخرى كانت تعلن عن ولادتها، و وجودها، والآن حانت لحظة انفجارها الكبير.. لست غريبا عنكم كما قال لكم خبراء وعلماء الشّر، فبفضلكم ولدت وكنت أنمو في المناطق المعتمة الّتي كنتم حريصين على إحاطتها بكلّ أنوع تُهم الخزيّ والعار والفضيحة والبشاعة القيميّة في حقّ الأصوات الجريئة الّتي علا صوتها في الإعلاء من شأني كاعتراف إنسانيّ بي كشرّ محتوم محايث لكلّ خطواتكم المتحايلة والمخاتلة في عوالم القهر والهدر. لا شأن لي بالأخلاق الّتي تسجنونني داخلها بعنف نفسي خبيث، خوفا من بروز الوجه الآخر لروعة وجمال حقيقتكم الزّائفة. أشعر مثلكم بألم كلّ إنسان فقد عزيزا عليه، حيث كان صمتكم، الأناني في نيل السّعادة والكمال الاستهلاكي، توقيعا صريحا على ترخيص فقدان الكثير منكم، أو بصريح العبارة على الذّبح الحلال للأبرياء. أنا وجهكم الشّرير الّذي كنتم تحرصون على وضعه في الإقامات الجبريّة لظلالكم النّتنة، والحجر الأخلاقي لفضيلة التّقوى قوقعة لتعفّن الرّذيلة في أعماقكم، خوفا من الرّقابة المجتمعيّة من ظلّي الدّاعر في جوفكم الممسوخ . وأنا أرقص الآن على حبال خوفكم المسكون بعشرات الأسئلة حول استعصاء إيجاد لقاح أو علاج يخلصكم من جزء من ذاتكم المقموع عبر عشرات السّنين، دون أن تمتلكوا شجاعة الصّحو لقراءة ما خطّته الآن هنا بعض العقول النّيرة من المفكّرين أو الفلاسفة حول العظمة السّالبة للشّر المستور فيكم كاندفاع جنوني لإعادة البناء من جديد. أنا رفيقكم الأسفل، لا أعطي حكمتي الشّيطانيّة مجّانا، فهي أقرب إلى مفهوم السّلب في نخر الذّات والآخر والعالم. أعلن انتمائي إلى هذا التّركيب المعقّدة لحضارتكم الموبوءة في الإعلاء شكلا من قيمة الإنسان بمضامين وممارسات وآليات هدر الحياة، والحقّ الوجوديّ للإنسان…

والآن جاء دوري أن أزجّ بكم في الدّائرة المغلقة أيّها الحثالى، الجبناء وأنتم ترتعشون بذلّ، وخوف، وتبسطون أيديكم وأنتم تمدّون قلوبكم المرعوبة بخوف الموت قبل أن يأتي الرّدى، لتجّار المال والصّمت والدّين، في وقت يصنع فيه أهل العلم والطبّ المستحيل في هذا الجدل المرير بيني وبين الحياة، فهل أنا حقّا لعنة وباء أو لوثة الموت؟ فمما تخافون، أمن شرّ أنفسكم، قبح التّاريخ سعيكم..؟

أنا شركم الجميل وإلهكم الشّيطاني الرّجيم الّذي يعلن صراحة بداية تاريخ جديد لما بعد كورونا فهل أنتم جديرون بهذه القيم الجميلة الّتي تواطأتم مع السّراق ولصوص الحضارات ومجرمي سياسات الحروب على تدميرها وأنتم تحلمون في أنانيّة مفرطة بالرّخاء والرّفاه والسّعادة على حساب بعضكم أوّلا، وعلى حساب جيرانكم تحت يافطة الاتّحاد والشّراكة ثانيا، وعلى حساب باقي الشّعوب المقهورة بالاستغلال والظّلم والقتل والإبادة أخيرا وليس آخرا. انطلت عليكم حيلة صنع العدوّ كشرّ متخيّل في وقت كنت أنا وجهكم الآخر كشرّ صريح تعكسه مرآة حرب النّجوم وتكديس السّلاح ونشر الحروب التّقليديّة والكيماويّة، وحتّى الجرثوميّة…، وهدر الإنسان بشكل عامّ في حياته وأمنه وأمانه، في صحّته ولقمة عيشه، وفي يومه وأحلامه وفرح أطفاله…، خربتم كلّ شيء، وتركتم النّاس في العراء يلعنون القدر، وهم يكتشفون وجودهم كبضاعات في السّوق، كانت تعتقد أنّها مواطنة تقتحم عالم الحريّة والرّخاء.

أنا تلك الحكمة الشّيطانيّة الّتي عليها من لحظة تاريخيّة لأخرى أن تصعد من أسفل الأرض، وتعتلي منصة التّاريخ لأخلق القطائع والانفصالات الرّائعة في بعث الحياة في عنفوانها السّاحر الأخّاذ، وفي وجدانات شعوبها الثّائرة المتوهّجة على الطّغيان، فهل أنتم حقّا ثوّار مستعدون لعلاج الشّر والخروج المذلّ من جديد أم للاستثمار بكرامة في مجهول الشّر(البحث العلمي للاعتناء بالأرض والإنسان)؟ فكونوا جديرين بحكمة هذا الشّر الأنيق والنّظيف، في العناية بالذّات كمفهوم فلسفي جميل. صحيح أنّني وجهكم القبيح وشرّكم الملعون بكلّ اللّغات وصوتكم المقموع بقواعد وأوامر الأديان، وبالكثير من فكر فلسفات العصور الوسطى والحديثة الحداثيّة في عوالم الخيال الموبوء للإنسان الرّفيع الكامل نوعا وحقّا وفكرا…، الحالم بعرش الإله، في أن يكون في وضع ليس كمثله شيء، كإله جبّار يمشي في الأرض نهبا وفي سماء المال سطوا لجهد البؤساء، وهم غرقى في وهم كيطو أحلام الفوز والنّعيم المرتجى في جنّات عدن، أوفي رفاه وسعادة جنّة الأرض المثلى…

بيني وبينكم هؤلاء السّياسيون، فإن عادوا عدت بما لا تحميه عزلة البيوت.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى