رسالة من عبد العزيز أمزيان الى أنيس الرافعي

أخي القاص أنيس الرافعي .
لا أعرف ما الذي يجعلني أخصص لك مجالا فسيحا في ركن من ذاكرتي ؟ لماذا أترك المرايا تركض وأترك ظلي يسبقني الى حرفك حيث تنهار كثير من يقينيات الكتابة وتتلاشى أيقوناتها في الريح وتصبح مجرد فقاعات في سديم الورق شبيهة بنقط عائمة في الظلام؟! هل أطوي صفحات الأيام وراء هندسة ما هو مرسوم على عيار الأسبوع والشهر وأفتح صفحة أخرى على نافذة البحر، أترك الموج يتسلق عناد النوارس والرذاذ يكابد محنة الزوال حيث يهرب من تحت الزوارق التي تتهادى في الأفق المفتوح على شعاع خيوط الشمس تماما كما مشهد لوحة زيتية تتراءى لك رسوماتها على شكل خطوط ضبابية ،لكنها عميقة تحدث زلزالا في نفسك دون أن تعرف على وجه الدقة هذا الذي غير في روحك معالم الحياة وقلب عليها سافلها في دهشة محيرة. أنزوي لأرى كيف تتأبط غيمك بكل هذه الفراهة؟ وكيف تصنع ذاكرة للسفر اللذيذ وكيف تدخل الى خرائط الوقت مديرا عقارب المرافق الى أبعد الحدود وأبعد الضوء. دعني أتعلم منك كيف ترسم خيامك على مرابض الخيول وتلمع أصدافك على صهوة المطر؟ كيف تستدعي أبطالك الى حلبة السباق باحترافية غير مسبوقة ؟ كيف تناجي عوالم الليل في خفقة عارية كما لو تكون تطلع من روح أزلية. دعني أتعلم كيف تنشد الخلاص من مراسم الريح وفصول الكمنجات التي تسحبها من عمق الحضارات وأرشيف الحرف. دعني أرشف قهوة المساء على ايقاع حكياك؟ التي تمتد من حوافر النجم العالي . عميقة كما مساءات شهر زاد وليالي العذارى المصلوبة على نار شهريار الذي أضحى لا تهدأ رياحه الهوجاء الا بعد أن يغمس دمه في الأجساد الطرية.
أخي أنيس. كم هي مدهشة هذه الحياة ! مدهشة لأنها في كل مرة تمنحك دما آخر . دم يفور ويغلي على جمر تقلباتها الكثيرة التي لا تستقر على حال. مدهشة أيضا لأنها تمنحك أصدقاء من طينة أخرى لم تكن تتصور يوما أن الزمن سيجود عليك بهم بكل هذا الثراء ،وبكل هذا الألق والبهاء والجمال .مدهشة لدواع جمة يضيق المجال لتعدادها .ويكفي أن أذكر ها هنا أنها منحتني صديقا من طينة أنيس الذي لا يعرف حدودا للتحليق ،ولا يعرف شكلا واحدا ووحيدا للعب في دائرة الحرف المفتوحة أبدا عنده على التجريب والاختبار والامتحان.
كم هو جميل أن تدهشنا الحياة كل مرة بشيء من بعض الأشياء التي ذكرت آنفا! كما تدهشنا قصصك كل مرة بالسفر البعيد نحو الأفاق والضفاف والجهات بروح جديدة وعيون مفتوحة أبدا على الجمال.
بقلم عبد العزيز أمزيان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى