خمس رسائل من إرنست همينجواي

1
عزيزي عيزرا:
هنا علي ارتفاع 900 متر في "نيفا دل مار" الواقعة في الجانب الألماني من جبال "البرانس"، مكان مثالي لمراقبة خراب مسيرتي المهنية المالية والأدبية. سحقا، لقد ظهرت في حلقة مصارعة الثيران في خمسة صباحات مختلفة- كانت "كوجيدا" ثلاث مرات-وأنجزت 4 فيرونيكا بشكل جيد وواحد عادي مع موليتا، الصباح الأخير تلقيت سحجات وكدمات في شاطيء بيكو وأماكن أخري، كنت ثملا مرتين، وشاهدت بيل ثملا مرتين.. ليس في حوزتنا حاليا ما يكفي من بيزيتات لسداد فاتورة الفندق، بيل وأنا لا ندري كيف سنخرج من هنا.
أصبحت أشكو ماليا وبطريقة أدبية لأصدقائي مغتنما شرفاً عظيماً بلا تفكير، بعد تحقيق انتصارات فورية بحلبة الثيران بمكافآتها المصحوبة بتصفيق حار، ويشار لي بالبنان في الشارع، وبالاحترام العام، وأمور أخري. علي رجال الأدب الانتظار حتي بلوغ الثامنة والتسعين للحصول علي مكافآتهم.
"البلازا" هو المكان الوحيد المتبقي، حيث الجرأة والفن يمكن أن يندمجا من أجل النجاح، في جميع الفنون الأخري الكثرة والغزارة هي المطلوب، "إل إي جويس" مثلا هو ألأكثر عظمة ونجاحًا في فنه.
ثم حين يكون هناك رجل مثلك، لديه القليل من الغرائز البشرية، ماذا يمكن أن يفعلوا معه؟ أتمني جحيما لو كنت في السادسة عشرة وأمتلك فنا وبسالة.
سأضطر لاعتزال الكتابة بسبب عدم إمتلاك أي مال، كما أنهم عبر الأطلنطي قضوا علي فرصتي في نشر كتاب في خريف هذا العام، وبحلول الربيع القادم يكون واحد من أولاد العاهرة قد نسخ كل شيء كتبته، وبكل بساطة سوف يعرفونني كأحد المقلدين له.
لن نحصل علي أي مال بعد الآن، وأنوي اعتزال الكتابة، لن يكون لي كتاب منشور إطلاقا، أشعر بسعادة فظيعة، هؤلاء الأوغاد لعنهم الله.
أراك حوالي السابع والعشرين من الشهر الحالي.
حبي لدروثي.
هيم

***

2

عزيزتي "دروثي":
أنت بالتأكيد ثابتة المبدأ.
خطابك الذي تتهمين فيه لويس، الذي كنت علي وشك الزواج منه، بالجبن والإزدواجية، يتفق تماما مع السخرية من أمك.
بالرغم من انني قبلتك، يا دروثي، إلا أنني لم أحبك أبدا، لكن كان لدي الاستعداد لبذل الجهد كي أحبك لأجل خاطر مقابلة لويس أحيانا، بذلت ذلك الجهد بنجاح عدد لا يحصي من المرات، أخيرا لم يعد ممكنا الاستمرار في ذلك، وهو ما كان مريحا إلي حد بعيد. مازلت مصرا علي تحمل المظاهر من أجل الحفاظ علي تماسك النسيج الاجتماعي الصعب.
فيما يتعلق بقول هادلي للويس انك كنت أنانية، أنا واثق انها كانت مخلصة تماما، وأصدق حرس الخاص في مثل تلك المناسبة، وهي أنك كنت عاهرة أنانية وأنها ستكون أفضل صفقة جيدة لدكتور فرنانديث بدلا من أن يتزوجك، هذه وجهة نظر لازلت متمسكا بها بشكل عام رغم ما تحتويه من مبالغة.
الآن أنت أفشلت تماما النسيج الاجتماعي، الذي سوف يوقرك كلما تقدمت في العمر، كضرورة لجعل الجماع البشري يمكن احتماله، وبرسالتك هذه أود أن تنالي الراحة والوضوح والإتساق مع الذات لتكوني غاية في السعادة، وسيحدث ذلك لو عرفت ما أعتقده حقا عنك.
دروثي، لن أخبرك بالحقيقة أبدا، لا أعرف ما أظنه عنك، ولم يراودني ذلك لبعض الوقت. لا تنقلي لريتز ردي علي رسالتك التي بعثتها إلي هادلي، أعلم أنها لم تكن مرسلة لي، أرد عليها لأنني أستمتع بكتابة خطاب ظريف، إنه مضحك أليس كذلك؟ ربما لا تعتقدين ذلك، ومع ذلك في كل مرة أعيد قراءته يثير ضحكي طويلا، في الحقيقة أنا أكره إرساله، لكن سوف أحتفظ بنسخه منه، ربما تصلك الأصلية، ولتكون النسخة أكثر قيمة، سأوقعها.
مودتي لك
إرنست هيمنجواي
هادلي تبلغك أسفها الشديد إذا حضر لويس إلي بيتنا دون إذن.

***

3

إلي جيرترود ستاين وأليس بي توكلاس
11 أكتوبر 1923

صديقاي الأعزاء:
وقت الفراغ الذي كنت أتخيله أمام الآلة الكاتبة غير موجود، لم يكن هناك أي وقت فراغ بأي صورة لأي شيء.
ولد جاليلو الصغير أمس في الثانية صباحا، دون أي مشاكل، استغرقت فقط ثلاث ساعات استخدم فيها الطبيب غاز الضحك، تقول هادلي أن جميع خطوات عملية الوضع تمت علي أكمل وجه، الوزن سبعة أرطال وخمس أوقيات، مما ساعد علي إتمام العملية بسهولة، علي حد إعتقادي. لقد أخبروني أنه غاية في الجمال، لكن علي المستوي الشخصي اكتشفوا تشابه غير عادي بينه وبين ملك أسبانيا، وحصل علي رعاية تامة، مع طبيب جيد، وهو أخصائي "لافيل" هنا، هادلي تعافت تماما وتبعث لكما خالص مودتها...
شعرت بالقلق والخوف لإضطرار هادلي الذهاب إلي العرض وحدها، كل شيء هنا نوع من الكابوس، أعمل في أي مكان من 12 إلي 19 ساعة يوميا، وينتابني تعب شديد في المساء لا يمكنني من النوم، لقد كانت العودة إلي هنا خطوة غير موفقة.
كيف حالكما، وأين انتما؟ خلافا لما ظننته، المطبخ هنا جيد، يجيدون التعامل مع الدجاج الصغير، كما عثرت أيضا علي بعض الأماكن الصينية. كلانا نشعر بحنين إلي الوطن باريس، لأول مرة استطعت فهم كيف يستطيع الرجال الإقدام علي الانتحار ببساطة بسبب تراكم أشياء كثيرة جدا متعلقة بالعمل فوق كاهلهم لا يستطيعون تخطيها.
إنها قيمة مشكوك فيها علينا اكتشافها.
مع كل الحب من هادلي وأنا.
هيمنجواي

***

4

هذه رسالة أرسبها همينجواي إلي أبويه ليصف لهما وضعه في باريس

4 نوفمبر 1923:
عزيزاي أبي وأمي:
آسف أنني لم أكتب لكما قبل هذا إلا أن "هادلي" تفعل ذلك وتكتب نيابة عن الأسرة.
الطفل في حالة جيدة إلا أنه دائم الصراخ، بلا شك سيصبح أكثر مرحا عند بلوغه ثلاث أو أربع سنوات.
ربما نعود إلي "باريس" في يناير، أسعي لاكتشاف طريقة ما لترتيب حضورنا جميعا إلي "أوك بارك" خلال الكريسماس، نتوق كثيرا لرؤيتكم وجميع أفراد العائلة، لكن ذلك يبدو أمر ميئوس منه من زاويتين، المصاريف، والسفر ذهابا وإيابا مع وجود طفل يحتاج رعاية.
أبذل جهدا مضاعفا في العمل مع القليل جدا من المتعة، ما أحصل عليه من مال لا يزيد عما كنت أحققه في "باريس" مع معدل إنفاق يبلغ حوالي ثمانية أضعاف.
لم أكتب لبوني وإيفرايت لترتيب أمر كتابي بينما لا زلنا في مرحلة التفاوض، قد يتحول الأمر ليصبح غاية في الإحراج لأنني ربما أستطيع الحصول علي صفقة أفضل بعيدا عن "كنوبت" أو"سيلتزر"، وسأحيطك علما فور حدوث مستجدات واضحة في هذا الشأن.
مع خالص حبي واعتزازي علي الدوام
إيرني

***

5

إلي "جيرترود ستاين" و"أليس بي توكلاس" في 15 أغسطس 1924

صديقي العزيزين
أشعر بسعادة بالغة للشروع في نشر كتابي مع حد أدني من القلق في الوقت الحالي، فقد كان صعبا للغاية التفكير في الإخفاق في نشر هذا الكتاب الطويل.
خطابكما كان رائعا، "جودي" في حالة جيدة ، ونبتت له سن علوية وأعتقد هناك أخري بجانبها في طريقها للظهور، إلا أنه جاف روحيا، مثل قطعة من الصلب الصلد، يسعد نفسه ذاتيا دون أي تأثير خارجي أو ما يحفز ذلك، وحالته تتدهور، كلما استمر في ابتعاده عن العالم، زادت فرصة ابتعاد العالم عنه، أقصي ما أتمناه بالنسبه لمستقبله ألا يقتل أبويه يوما ما بسبب احتياجه لخمسين سنتا.
انتهيت من كتابة قصتين قصيرتين، إحداهما قليلة الجودة، والثانية جيدة جدا، كما انتهيت من رواية طويلة، وأعكف علي مواصلة العمل قبل السفر لأسبانيا محاولا أن أفعل بها مثلما فعل "جيزان"، وأمضي جحيمًا من الوقت، أحيانا يكون قليلا، لكن أليست الكتابة مهمة صعبة، برغم ذلك؟ كان الأمر سهلا قبل أن التقي بك، بالتأكيد كنت سيئا، ياإلهي، أنا سييء بفظاعة الآن، لكنه سوء من نوع مختلف.
"هادلي" و"جودي" وأنا نبعث لكما حبنا.
لاتبعدا عنا طويلا.
إرنست هيمنجواي



"بول جيزان" (يناير 1839-اكتوبر1906) رسام فرنسي أحدث طفرة كبيرة في طريقة رسم اللوحات وهو أحد رواد التكعيبية، تأثر به العديد من الفنانين مثل "بيكاسو"، "وسيزان" وغيرهما.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى