رسالة من جان كوكتو الى أمه

فال-أندريه. 30 أغسطس 1906

أمي حبيبتي

ضوء الشمعة يهتز. والبحر يدندن. كل شيء هاديء... أبدأ بأن أقبّلك ألف قُبلة. ثم أحكي عن رحلتي.

في العربة التي أجلس بها، يجلس أمامي سيد مرتب جداً، يتلذذ بقراءة "فاسدو شيكاغو" . يشرق وجهه بالراحة ويبدو عليه الشعور بمتعة كبيرة بما يقرأ في هذه اللحظة، تركته لأغرق في "4 s" ، فيما تمر منحدرات علي اليمين وعلي اليسار! كان لدي الوقت لأقرأ!

لم يحدث شيء بعينه حتي موعد الغذاء، وجعلني جورنفلو و شيكو أنسي الوقت.

أذهب إلي العربة حيث المطعم، وفي التصاقي بجدران العربات محاكاة تامة لحركة بندول الساعة. آكل بشراهة. والسيد المرتب جداً يجلس أمامي، قدموا لنا سجق، ولكنه رفض! من الحماقة قراءة مثل تلك الكتب حين نستقل القطار! سأتركه وأغيّر مكاني أمام راكب آخر. وهناك... تنساب سهول من كل جانب، ورائحة نفّاذة لغذاء مُعَدّ، تختلط مع روائح باهتة من الاغتسال بماء الكولونيا. وتفوح من دورات المياه روائح التبغ الإنجليزي وتشكل تلك الأبخرة مزيج مُكَدّر للقلب.

وبين بين يَفِل القطار، والشمس تقذف أشعتها، ودرجة الحرارة غير محتملة، والعربة تقفز قفزات مفاجئة رهيبة. وتنطلق عن السيد المرتب جداً شهقات قلقة... وفجأة، إختفي. لا أشعر أنني بخير... هل أعاني من القلب؟ أو من ضربة عُنُق! ها هي محطة، القطار سيتوقف! لقد نجوت، هلم إلي بالأكسجين، أخذت أضُخّه بجنون وأؤدي هذا التدريب التنفسي بدأب حتي اوقفت الإرتجاج الغاضب لمعدتي المنحرفة. الآن، أشعر بتحسن، يمكنني القراءة بهدوء. كان السيد المرتب جداً يشترك في محادثة بصوت عال للغاية، نصفها لي ونصفها له. كان متعطشاً لإظهار أنه قام برحلات عديدة، وأخذ يذكر مواعيد الوصول، وأسماء المحطات، إلخ. تراجع إعجابي كثيراً بسبب هذا السيل الذي قطع قراءتي.

أخذت أغراضي... ماذا سأجد يا تري...؟ إن قلبي ينقبض بشكل موجع، ربما أنه شعور أبله ولكنه موجع أيضاً.

ما من أحد... وبدلاً من أن أشعر بالضيق، أطلقت تنهيدة رضا، وأمامي ساعتان أخرتان كي أجهز نفسي!

رأيت هناك عالم مختلف تماماً عن هنا. النساء الناعمات ذوات التسريحات المميزة منتشرات في كل مكان! والرجال يرتدون ملابس قصيرة زرقاء. ما من طريقة لأحمل حقائبي. وأخيراً وجدت عربتان... سأستقل الثانية... كنت وحدي في البداية، ثم لحقت بي سيدتان سمينتان يتصبب منهما العرق، ويحملان عدد هائل من العبوات

سرنا في طريق أبيض، يكاد يكون طباشيري من الأتربة. علي يميني حاجز يخفي عني الطريق، وكذلك أمامي وخلفي... كانت أراضي شاسعة وقبيحة. وتتبعنا سحب رمادية، تبرق بأشعة الشمس الذهبية وتميز مسارنا علي الطريق طوال تقدمنا... طويلاً، سرنا طويلاً علي هذا الطريق... ثم هاجمني هذا الألم اللعين في صدري مرة أخري. هل هي إشارة لأننا إقتربنا؟ سألت واحدة من السيدتين، وأجابتني أنني سأصل في غضون نصف الساعة!... كنت أود لو أجيبها أنه مع هذه الهزات كانت عشر دقائق تكفي، ولكنها لم تكن لتفهم... وأنا عدت لأستغرق في نفسي. أصبح المشهد تصويري عن ذي قبل... فرأينا السماء تمتزج بالأفق من كل جانب، أزرق فوقنا، ورمادي هناك، وهذا الرمادي يمتزج بلون بنفسجي يطفو كبُخار خفيف، والغروب يَنخُر في كل شيئ أمامي... وطاحونتان باديتان بأجنحتهما البيضاء التي تدور وتدور........

هاهي بيوت، وشاليهات... وصخور! لقد وصلنا! وفتاة صغيرة تدفع أمامها بقرة... وصدغاي يهتزان حتي انهما يصدران أصواتاً..........

منذ هذا المساء وأنا أعمل باللاتينية- عجباً إنه لا يضيع وقته! إنني مخبول ومشتت تماماً. يا إلهي كم أشعر أنني وحيد! أتمني أن يَرُدّني الليل ثانية. والآن أنهي خطابي كي أنام.

أعشقك يا أمي الحبيبة. أقولها وأنا أغرق في دموعي الحارة لأنك لست معي وأغمُرك بقبلاتي.

جون

(اكتب لي خطابات طويلة كي أكون أكثر قرباً! )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى