رسالة من عبد العزيز أمزيان إلى لحسن أبوزيد

صديقي الزجال لحسن أبوزيد

لم أصدق أنك انزويت هناك في بقعة الضوء البعيدة عنا، كنت أخبرتنا في العام الفائت أنك ستتوقف عن العمل كمدرس للغة الفرنسية في مدرسة عمر الإدريسي الخصوصية القريبة من مقهى موريطانيا التي كانت تجمعنا كل صباح، بسبب الإرهاق الذي نخر الجسد، وربما بسبب التذمر الذي أصابك اثر تدهور مستوى التعليم في المدارس ،وانحدار القيم وتهالكها في بلاد ما عادت تراهن إلا على القيم المادية الصرفة المحضة.
بدا صباح اليوم الأول من موسم الدخول المدرسي بدونك باردا وحزينا، والسماء بدت غائمة كما لو كانت تعيش لحظة انكسار ما، كادت تمطر في فترة من فترات الصباح، غير أنها كبحت جماح هواها، وأحجمت عن الإمطار، متعمدة أن تحبس الفرحة بين أحشائها، هي لا تريد أن تبلل معاطف المدينة ، هي لا تريد أن يحضن ماؤها العشب الظامئ، هل كانت تعلم بأنك انزويت هناك، وأنك رحت تروض الحرف في جغرافية الجسر، وتمارس طقوس الابتهاج مع أصحابك في تلك الرقعة من الحياة، كما كان حالك هنا، على امتداد النهار تمسد كفك على الأشياء كي يكون لها نغمة الحياة وسحر الوجود الآسر الذي ترضاه العصبة منك.
الأزمي كان صلبا، لكنه لم يستطع أن يخفي حزنه، لذلك بدت ملامحه شبيهة بلون الغيوم، ونظراته تعبر عن حسرة ما، حسرة لا أستطيع أن أسميها، لكنها حسرة تنطوي على فجع الزمن ،وتقلبه الأليم،وغدره الآثم، هل كان يستطيع الأزمي أن يغير مجرى المياه، ويعرج على منعطفات الحياة، التي شاهدتها العيون، وعاشتها الأرواح باندماج وانصهار ؟ هل كان يمكن أن يضفي على المكان مسحة أخرى من الحزن تزيد الموقف حدة وتوثرا ؟ لم يكن بمقدوره ذلك، وهو رجل الحساب كما في علمك، الذي يروض الأرقام كما يروض الحزن..والعثماني كان عارما في ذلك الصباح، لكنه لم يستطع أن يضمر خيبة الزمن، بدا كما لو كان ينفض غبارا على ألبوم الحياة، كي تلمع الصورة التي في الذاكرة، وتحيا الذكريات التي ما تزال حية نابضة في الفؤاد.وراح لحظة يلتفت إلى ظلالك التي ما تزال ترتسم على الكرسي الذي ظل وحيدا ..
وأنا الذي جئت متأخرا قليلا في ذلك الصباح إلى مقهى موريطانيا ، تأثرت لغيابك عن العصبة، وعانقت غيمة كانت تنحدر نحوي، عانقتها روحي بكل شاعرية كادت تتأثر لها أوراق أشجار خضراء على جانبي الطريق الذي أسلكه إلى المقهى،رفت كما لو كانت ترفأ لحالي،وتشفق على ما يصيب المرء من انكسار الخاطر،وخيبة الروح..
أخي لحسن، ننتظر يوما طلتك، وفي انتظار أن تهب نسائمك،أدعو لك بالصحة والعافية وطول العمر،،
ابق بخير وسلام العصبة يصلك مع نفحات طيبة لطيفة، ترسم لك طيفا على جناح ملائكة تسبح دائما في بياض الغيم، وتعانق الريح منك في أرواحنا، وأرواح الذين حلقوا قريبا من صهاريج الصباح الباكر، وغمسوا أحلامهم في محبرة الفجر الناعم بالحياة والأمل الجميل..
محبة وعطر صديقي لحسن أبو زيد

عبد العزيز أمزيان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى