الكلام عن صاحب ثلاثية "مهجة"، و"الرقم المعلوم".. رفقة الرّوائي المغربي محمد مباركي - حاوره : ميمون حرش

محمد مباركي أستاذ متقاعد من مواليد 06 ماي 1959 بمدينة "سيدي بلعباس" ب"الجزائر". عاد رفقة أسرته الصغيرة إلى وطنه المغرب في خريف 1968. تابع دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية ب"وجدة". حاصل على البكالوريا سنة 1980 تخصّص آداب عصرية، تخرج من المركز التربوي الجهوي ب"وجدة" كأستاذ لمادة الاجتماعيات سنة 1982، تخرج من المدرسة العليا للأساتذة ب"فاس" سنة 1992.
من إصداراته:
* في القصّة القصيرة:
1- "وطن الخبز الأسود" مجموعة قصصية (2010). (مكتبة جسور / وجدة)
2- "الرّقم المعلوم" مجموعة قصصية (2012). (منشورات ديهيا / مكتبة جسور / وجدة)
3- "ونطق الحذاء" مجموعة قصصية (2015). (مكتبة سلمى / تطوان)
4- "غيبوبة على منظر ساقط" مجموعة قصصية 2015 (الموكب الأدبي/ وجدة)
5- "قال رفيقي في الجنون" مجموعة قصصية 2018 عن Edition Plus (منشورات السلام / المحمدية).
* في الرواية:
1- "جدار"، رواية (2011). (مكتبة جسور / وجدة)
2- "رائحة التّراب المبلّل" رواية (2014). (دار أفريقيا الشرق / الدار البيضاء)
3- ثلاثية: "مُهجة" 2016 (الرباط نت). "شروق شمسين" 2017 (مكتبة جسور / وجدة). "هذا الرّطيب" 2018 (مكتبة سلمى / تطوان).
شارك المؤلف في مجموعة من الملتقيات الوطنية للقصّة والرّواية كالملتقى الوطني للقصّة القصيرة جدّا ب"خنيفرة" و"النّاظور" و"أبركان" و"أصيلة" و"مولاي إدريس زرهون" و"الصويرة" (دورة محمد مباركي).
نشر نصوصه في مجلات وطنية وعربية ودولية.


مرحباً بك مبدعنا الكبير سي محمد في هذه الفسحة ..
س- ورطة، دُبرت لك عمداً، أو نسجتها الأيام لك، وكيف تخلصت منها؟
"قصة امتحان الدّخول إلى مركز المفتّشين بالرباط "
ج- يمكن أن تدبّر ورطة ولا تكون أنت المقصود بها من طرف من دبّرها، لكن حين تمسّ الهدف الذي صرفتَ له وَكْدَكَ وأوقفتَ عليه جهدك يسود لديك يقين بأنّ تلك الورطة قد دُبّرت لك.
أكبر ورطة اعتبرتها قد دبّرت لي - وسأكون مبالغًا في ذلك - هو حين أتممتُ خمس سنوات في إطار أستاذ التّعليم التّأهيلي، فأصبح من حقّي اجتياز امتحان الدّخول إلى مركز المفتّشين بالرباط، لكنّني تفاجأتُ بعد تحضير لذلك الامتحان دام كلّ تلك المدّة بمذكّرة تعلن إغلاق المركز سنة 1997 إلى أمد غير محدود، أصبتُ بإحباط تامّ كاد يرمي بي إلى أزمة نفسيّة خطيرة خرجتُ منها سالمًا بفضل الله تعالى.

س- هل حصل أن استيقظت، صباح يوم ما، وأنت تنظر في المرآة، فمددت لنفسك لسانك ساخر من خطأ ارتكبته؟
"إذا عملتَ برأي غيري فأين أضع رأيي؟".
ج- أكبر خطأ أسخر من نفسي متى ارتكبته هو حين أكرّر الخطأ نفسه. والخطأ هنا أخي سي ميمون هو حين أعمل برأي غيري ولا أعمل برأيي. والعامّة تقول: "إذا عملتَ برأي غيري فأين أضع رأيي؟". أنساق أحيانًا مع الرّأي الجمعي فأرتكبتُ الخطأ نفسه الذي أكون قد آليتُ على نفسي أن لا أرتكبه مرّة أخرى، فأستصغر نفسي حينها.

س- أسوأ تعليق طالك في مجال تخصصك ( الرواية والقصة) أو رأي غريب وطريف، عن نشاطك الأدبي، سواء سمعته مباشرة أو كُتب عنك في تدوينة، أو مقال، أوحوار؟
" قصة "صناعة الأحلام"
آمنتُ دومًا بأنّ القصّة القصيرة وردة يجب كتابة تَائِهَا مبسوطة خلافًا للقاعدة الإملائية كي يتحرّر شذا عطرها وينتشر في الأجواء، فيشمّه العباد فيسعدون. كلّما أعدتُ قراءة قصّة عنونتها ب"صناعة الأحلام" إلّا وتذكرتُ حادثة بسيطة في ظاهرها عميقة في باطنها. قرأتُ هذه القصّة في ملتقى وطنيّ حين كنتُ شغوفًا بالملتقيات أحضرها مشاركًا أو محبًا. تمحورت أحداث القصّة حول فكرة أنّي وُهبتُ ملكة أتمكّن من خلالها تحويل كلّ أمر إلى حلم إن شئت. قررتُ يومًا أن أصنع حلمًا أتحوّل فيه إلى سلطان عادل، فحلمتُ بأنّي تحوّلتُ إلى سلطان عادل بسيط يسكن بمنزل شاحط بحيّ شعبيّ. يحبّ شعبه وشعبه يحبّه، لكنّ وقائع الحلم انفلتت منّي حيث إنّ كبير العسكر قاد انقلابًا ضدّي وقد سهل عليه الأمر في غياب حرس خاصّ بي، فسجنني أنا وأسرتي وأطلق يد العسكر بالفساد في البلاد والعباد.
وقع مثل هذا أمر والكتابة فيه لا أظنّ أنّها جرّت على من كتب فيه أيّ تبعات لا في السّابق ولا في اللّاحق.
ما إن أنهيتُ قراءة قصّتي حتّى صفّق لي الجمهور الحاضر طويلًا وهنّأني بعضهم بكلمات طيّبات، لكن ما إن خرجنا إلى السّاحة بعد انتهاء القراءات بذلك المكان الجميل حتّى تقدّم منّي أحد المشاركين ونظر إليّ مِنْ طرف خفيّ وقال معلّقًا على قصّتي تعليقًا غريبًا. قال: "لو كتبتَ هذه القصّة في سبعينيات القرن الماضي وقرأتها أمام الجمهور لما كنتَ قد نجوت من المخزن". قال جملته وانصرف. قلّبتُ وجهي في السّماء ولم أجبه بكلمة واحدة (وَأَعْرِضْ) حين صغر حجمه فجأة في عيني وقد كنتُ قد سعدتُ بالتّعرّف عليه.
لم يكن هذا المشارك الذي أطلق الكلام على عواهنه يعلم بأنّ جيلي قد نال حقّه من سنوات الرّصاص الملعونة. أشفقتُ عليه في حقيقة الأمر لكونه كان برأس عصفور ولكونه نصب نفسه رقيبًا بأثر رجعي - كما يقول الإداريون- على عمل لن يتقاضى عليه أجرًا على كلّ حال. وددتُ لو أنّه ناقشني في محتوى القصّة أو الغرض من كتابتها. تأسّفتُ كثيرًا على سماعي مثل ذلك الكلام. سألتُ نفسي أيّ عُجْرٍ وبُجْرٍ جئتُ بهما في قصّتي؟ سألتُ نفسي أكثر من ذلك، هل كان لا بدّ أن أتواجد في مثل هذا الملتقى كي أشعر بأنّي مبدع؟ كم احترمتُ حينها بعض المبدعين الذين نأوا بأنفسهم عن الملتقيات إلّا لمامًا. قيل فيهم إنّهم يعانون من حالة مرضية وأنا أقول هو اختيار يجب احترامه.
ركبتُ سيّارتي وانقلبتُ إلى منزلي في ذلك اللّيل الأليل. طول الطّريق وأنا أرسّ الحديث في نفسي بصوت عال، ربّما كان الذي يراني على ذلك الحال يقول إنّ بي جنونًا.
تحوّل ذلك الملتقى في عيني إلى أرض عمهاء. تبدّل بإِنْسِهِ وحشًا، حتّى إنّني اعتبرته حسرة عليّ، فتأسّفتُ كثيرًا على مشاركتي فيه أصلًا، فقررتُ من يومها بيني وبين نفسي أن أبتعد عن الملتقيات لا أن أقاطعها، فبفضلها تعرّفتُ على وجوه مسفرة ضاحكة مستبشرة تملك أقلامًا ترقص على القراطيس.
ملحوظة: تمّ التّحفّظ على قصّتي "صناعة الأحلام" ضمن مجموعة قصصيّة وهي قيد الطّبع. وطُلب منّي استبدالها، فأشعرني ذلك بأنّناما زلنا نحمل رقيبًا مخزنيًّا في دواخلهم.

س- ما هو القرار الذي اتخذته بعد تفكير عميق، أو بعجالة، فندمت عليه ندماً شديداً؟
"أسخر من نفسي حين أتذكّر السّرعة التي اتّخذتُ بها بعض القرارات"
ج- ما أكثر الأخطاء التي استيقظتُ ساخرًا من نفسي على ارتكابها، بل إنّي أبيت اللّيالي ساخطًا على نفسي من ارتكابها لا يرقأ لي جفن، فيجثم الأرق بكللكه على صدري، أمّا إذا نمتُ واستيقظتُ فلا أرى سوى خطئي يتناسل تناسل الجراد، فأعيش طول يومي في تأنيب وتحقير وسخرية تكدّر صفو حياتي. أغلب الأخطاء التي ارتكبتها كانت مصيريّة في حياتي. أسخر من نفسي حين أتذكّر السّرعة التي اتّخذتُ فيها تلك القرارات المصيريّة، فكانت نتيجتها من جنسها. هناك خطأ لا أريد تذكّره، لكن إكرامًا لك صديقي سي ميمون سأذكره. إنّه قرار عودتي إلى جهة الشّرق بعد تخرّجي من المدرسة العليا للأساتذة بفاس من بين الطلبة الأساتذة الثّلاثة الأوائل بميزة وكان التّعيين حسب المعدّل، فكان بإمكاني البقاء ب"فاس" ومتابعة دراستي العليا في وقت كنتُ فيه شغوفًا بتعميق تخصّصي في التّاريخ.

س- سر قررت أن تميط اللثام عنه، لأول مرة؟
"لا أريد كشف أسراري"
ج- أعتذر منك أخي سي ميمون عن الإجابة عن هذا السّؤال؛ لأنّي لا أريد كشف أسراري.

س- كلمة استثنائية منك.
" الكتابة جواز سفر إلى قلوب الآخرين "
ج- قال لي معلّمي رحمه الله وقدّس روحه: "الكتابة جواز سفر إلى قلوب الآخرين، فدونك النّاطق الأبكم (القلم) واكتب". وأهداني كتابًا وقال لي: "اجعل منه كلّ شيء في حياتك يا بنيّ، اجعله وسادتك التي تنام عليها ولباسك الذي تلبسه وصحنك الذي تأكل فيه وكأسك الذي تشرب منه وسترى النّتيجة"، فكانت النّتيجة على ما قال.


سلسلة " كلمني عن" - الجزء الثاني -
حلقة الروائي محمد امباركي
29 ماي 2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى