-
* رسالة كتبها أنطونان آرطو، حين كان مقيما بمستشفى الأمراض العقلية، بڤيلْ إڤرارْ، إلى الآنسة " ب" - كما يسميها - وهي طبيبة داخلية بذلك المستشفى :
( ترجمة: عبدالقادر وساط )
ڤيلْ إڤرارْ
1 يوليوز 1940
الآنسة "ب"
إني جائع. وإنه لَأمرٌ مستعجل - نظرا للحالة التي تعرفينني عليها - أن أتغذى بكيفية أفضل قليلا مما هو عليه الأمر في هذا المكان.
إنك تكذبين بشغف، في العمق، يا آنسة " ب"، في كل مرة توجدين فيها برفقتي.
وحدها تعاويذ " كليرامبو " (١)، الذي اشتغلتِ معه الليلة الماضية كمساعِدة، حين كان يمارس عليّ آخرَ تشويهاته، مَكّنَتْك هذا الصباح من عدم فقدان مكانتك بكيفية مطلقة.
إنك تغتالينني، ليلاً، وتتظاهرين بمعالجتي في النهار. ثم إنك تتركينني أتسمم منذ أسابيع عديدة. وقد كنتِ تعرفين هذا، لكنك نسيتِهِ هذا الصباح بطريقة سحرية!!!
إنني لا أنسى أنك أفْرَغْتِني، قبل ليلتين أو ثلاث، مما يشكل في نظرك آخر القوى الغيبية.
وإنني لا أشعر بأي أسف عليك.
فأنت في نظري، وفي نظر كل شخص عاقل، لست الآنسة " ب". ولكنك الروح الشريرة التي تسكنني منذ الأزل. وأنا لن أخرج أبدا من هناك. إن شخصيتك الراهنة تعادل في السوء جميعَ شخصياتك الأخرى، لأنها تشتمل عليها كلها، ولأنك لم تنجحي في إحداث القطيعة معها. إن الطريقة التي قمتِ بها هذه الليلة بنشر تعاويذ " كليرامبو" تبرهن على ذلك.
إن بداخلك روحا طيبة تمنعك من اقتراف المزيد من الأذى. بيد أنك عاجزة عن القيام بأعمال حسنة.. وستغادرك الروحُ الطيبة في هذه الساعة، لأنك لا تستحقينها. إنها هي التي نادت على البوهيميين.
ثم من أنتِ في الحقيقة ؟ لقد عرفتُ آنسة هي الآنسة " ب"، كانت تَدرس الطب، سنة 1922، و تتناول وجباتها بمطعم صغير يقع قبالة استوديو " الأورسولين ". وهي تلميذة للدكتور " گراني". ثم عرفتُ، في الفترة نفسها، آنسة " ب" أخرى، كانت في الثامنة من العمر. وعرفتُ ثالثة بالمكسيك ثم في " إلبيارْ" وفي " نيروياشيك" إلخ. وعرفتُ واحدةً " بالدومْ "، سنة 1934 ثم سنة 1937. وإنني أرى كل أولئك المستنيرات يعبرن حدائق ڤيل إڤرارْ، وسط مشاهد إجرامية لا يتعلق فيها الأمر سوى بقتلي وبإيداعي السجن إلى الأبد.
وها أنذا أصادف هنا، بداخل هذه المصلحة، آنسة " ب" أخرى، وهي طبيبة داخلية تنكر وجود السابقات، لأنه ليس بإمكانها أن تعرف أني لا أحسب نفسي مغفلا.
إن معزل" ڤيل إڤرارْ " قد صدّ في السابق عدة هجومات مسلحة بواسطة السحر. لكنه لن يصد الهجومات كلها. و ستلقين حتفك خلالها.
أنطونان آرطو
-------------------------------------------------------------------------------------------------
(١) كليرامبو: طبيب نفساني كان يحظى بشهرة واسعة في زمنه.
* ( نُشرت هذه الرسالة مترجمة إلى العربية مع رسائل أخرى لأنطونان آرطو بجريدة الاتحاد الاشتراكي سنة 1988.)
* رسالة كتبها أنطونان آرطو، حين كان مقيما بمستشفى الأمراض العقلية، بڤيلْ إڤرارْ، إلى الآنسة " ب" - كما يسميها - وهي طبيبة داخلية بذلك المستشفى :
( ترجمة: عبدالقادر وساط )
ڤيلْ إڤرارْ
1 يوليوز 1940
الآنسة "ب"
إني جائع. وإنه لَأمرٌ مستعجل - نظرا للحالة التي تعرفينني عليها - أن أتغذى بكيفية أفضل قليلا مما هو عليه الأمر في هذا المكان.
إنك تكذبين بشغف، في العمق، يا آنسة " ب"، في كل مرة توجدين فيها برفقتي.
وحدها تعاويذ " كليرامبو " (١)، الذي اشتغلتِ معه الليلة الماضية كمساعِدة، حين كان يمارس عليّ آخرَ تشويهاته، مَكّنَتْك هذا الصباح من عدم فقدان مكانتك بكيفية مطلقة.
إنك تغتالينني، ليلاً، وتتظاهرين بمعالجتي في النهار. ثم إنك تتركينني أتسمم منذ أسابيع عديدة. وقد كنتِ تعرفين هذا، لكنك نسيتِهِ هذا الصباح بطريقة سحرية!!!
إنني لا أنسى أنك أفْرَغْتِني، قبل ليلتين أو ثلاث، مما يشكل في نظرك آخر القوى الغيبية.
وإنني لا أشعر بأي أسف عليك.
فأنت في نظري، وفي نظر كل شخص عاقل، لست الآنسة " ب". ولكنك الروح الشريرة التي تسكنني منذ الأزل. وأنا لن أخرج أبدا من هناك. إن شخصيتك الراهنة تعادل في السوء جميعَ شخصياتك الأخرى، لأنها تشتمل عليها كلها، ولأنك لم تنجحي في إحداث القطيعة معها. إن الطريقة التي قمتِ بها هذه الليلة بنشر تعاويذ " كليرامبو" تبرهن على ذلك.
إن بداخلك روحا طيبة تمنعك من اقتراف المزيد من الأذى. بيد أنك عاجزة عن القيام بأعمال حسنة.. وستغادرك الروحُ الطيبة في هذه الساعة، لأنك لا تستحقينها. إنها هي التي نادت على البوهيميين.
ثم من أنتِ في الحقيقة ؟ لقد عرفتُ آنسة هي الآنسة " ب"، كانت تَدرس الطب، سنة 1922، و تتناول وجباتها بمطعم صغير يقع قبالة استوديو " الأورسولين ". وهي تلميذة للدكتور " گراني". ثم عرفتُ، في الفترة نفسها، آنسة " ب" أخرى، كانت في الثامنة من العمر. وعرفتُ ثالثة بالمكسيك ثم في " إلبيارْ" وفي " نيروياشيك" إلخ. وعرفتُ واحدةً " بالدومْ "، سنة 1934 ثم سنة 1937. وإنني أرى كل أولئك المستنيرات يعبرن حدائق ڤيل إڤرارْ، وسط مشاهد إجرامية لا يتعلق فيها الأمر سوى بقتلي وبإيداعي السجن إلى الأبد.
وها أنذا أصادف هنا، بداخل هذه المصلحة، آنسة " ب" أخرى، وهي طبيبة داخلية تنكر وجود السابقات، لأنه ليس بإمكانها أن تعرف أني لا أحسب نفسي مغفلا.
إن معزل" ڤيل إڤرارْ " قد صدّ في السابق عدة هجومات مسلحة بواسطة السحر. لكنه لن يصد الهجومات كلها. و ستلقين حتفك خلالها.
أنطونان آرطو
-------------------------------------------------------------------------------------------------
(١) كليرامبو: طبيب نفساني كان يحظى بشهرة واسعة في زمنه.
* ( نُشرت هذه الرسالة مترجمة إلى العربية مع رسائل أخرى لأنطونان آرطو بجريدة الاتحاد الاشتراكي سنة 1988.)
