رسالتان بين نجم والي ومالك المطلبي

إلى نجم والي
عزيزي نجم والي،
السلام عليكم إن كنتم تسألون عنا فلله الحمد سالمين. لقد تلقيت رسالتك التي لم تكن رسالة شخصية، أو هكذا كنت أراها وأنا أفرغ من قراءتها. ولهذا وجدت أنها من النوع العام، أو البريد المفتوح، فقررت، من غير استئذان منكم، واعتمادًا على «الميانة» الجنوبية، أن أجعل منها موضوعًا، متنازلا عن ملكيتي الخاصة لصالح الآخر المفترض، قارئنا المبجّل! كيف قـُدِّر لك أن تقابل ثائر سعيد حسون. ذلك الذي علمني أبوه (أستاذ سعيد) حسون ، أول درس في الصف الأول في مدرسة المشرح الابتدائية، فقد انهار بدخوله جبل الخوف الذي كان يجثم على صدورنا نحن الأجنة المترقبين! غنى وصفق ومثّل، وحين حاكيناه انفرجت الأزمة. سعيد حسون هو الصفعة التي تلقيتها كزلزال، عقوبة على توقفي عند باب المقهى بحثا عن وجه أخي القادم من بغداد! فما الذي كان سيحدث لو كنت خطوت داخل المقهى؟ سعيد حسون هو أول مخرج مسرحي تعليمي، ليس في الحلفاية، كما أظن، بل في الجنوب برمته، إن لم أقل في العراق، حين أخرج مسرحية «شعواط» ومثّل بطولتها في بعض أيام العرض، بعد أن انسحب الطالب بطل العرض، لمرض ألمَّ به. سعيد حسون شقيق مدير مدرستنا الأستاذ جمعة حسون، الذي كان يقع خارج تصوّراتنا، ومن سبب حادثة النطلون الأول التي كنت بطلها! يا للذاكرة!
أيها المبدع الرائع،
أنتظر وصول أعمالك بفارغ الصبر، ومن جهتي سأرسل إليك، مؤلـَّفين لي، وبعض المقالات التي أظن أنها تقع في نطاق اهتمامك.
شكرًا لك. لقد كتبتني موضوعًا عن أثر تحت ممحاة! اسلم لي
مالك المطلبي

========================

عزيزي الدكتور مالك المطلبي المحترم،
تحيات طيبات من شمال الكرة الأرضية،
لا تعرف كم أنا سعيد بحصولي على «إيميلك» البريدي وقدرتي على مراسلتك. آخر لقاء لنا كان سريعًا ومليئًا بالفكاهة في مقهى البرلمان قبل مغادرتي الجحيم العراقي بفترة. لكن من ترعرع شب (من الأفضل القول: شابّ من شيب) في العمارة العتيدة. لا يمكنه أن ينسى لحظة في حياته مهما كانت قصيرة، لكنها حميمة. أنت بنكاتك «السوداء» تستطيع أن تجعل كل جلسة خالدة للأبد. وواحد مثلي لم يستطع تهريب شيء من بلاده، شيء غير «الذاكرة»، لا يمكن أن يعيش بدون تذكر، على الأقل البعض من لحظات حياته الحميمية. اللحظات هذه هي التي جعلت البلاد التي نأت عنا ونأينا عنها، تصبح حاضرة في حياتنا، هنا في شمال الأرض، صباح مساء... أتابع أخبارك كلما وجدت لذلك منفذا. وضحكت جداً عندما قرأت حديثك عن المجد الذي حصلت عليه، عندما كنت أول من لبس بنطلوناً في الحلفاية (المشرح)، للمشاركة في فيلم «مغامرات عنتر بن شداد». أنت الآخر لا تنسى لحظة حميمية في حياتك. كل ألقاب العالم وجوائزه لا أعتقد انها تعادل تلك اللحظة التي رفعها بها زملاؤك الأطفال في مدرسة الحلفاية. أي مجد توجوك به؟ لا أدري بأي عينين ستقرأ أو تلتهم سطور روايتي الجديدة (ستصدر بعد شهرين على الأقل)، «ملائكة الجنوب: كتب عماريا»، عندما تجد قصة الفيلم وصلاح أبو سيف وقصصاً أخرى نشأت هناك على ضفاف دجلة، وعلى ضفاف الأنهر التي تفرعت منه، الكحلاء والمشرح، وزملاء آخرين لهما... قصص العمارة التي تُحَد من الماء إلى الماء... ماذا عن قصص بيت المطلبي؟ أين أصبحوا جميعاً؟ هل أعدهم؟ أي قصص خطوها في المدينة تلك... في كانون الثاني 2004 كنت هناك بعد 23 عاماً؟ في السوق قابلني فجأة «ثائر»، إنه ابن الأستاذ «سعيد»، إذا تذكرته، المعلم سعيد الذي لعب دورًا بارزًا في فيلم «خنيجير وانعيمة»، ربما هو من مواليد 1960 أو أقل، ثائر هذا حضنني وبكى، وقال لي، هل تعرف، لم تعد المدينة هناك، منذ أن غادرتموها أنتم، ، وهو يقصد أنتم كل الطبقة المتوسطة، المتعلمة، أو كما قال مُعرّفا أنتم بنفسه، كل طبقتها المتنورة. قصص العمارة لا تنتهي يا عزيزي... كان جدي والي، بستنجي المقبرة الإنكليزية (هل تتذكر المقبرة؟ في العدد الاخير من مجلة «الاديب الأسبوعي» هناك فصل من روايتي: زيارة المقبرة الإنكليزية). كان جدي يقول لي: «الطريق طويل للقصة يا جدي... »، نعم الطريق طويل للقصة، لكنه لا يعني شيئاً لمن يشعر بسعادة. بنشوة وهو يروي قصة ما... ذلك هو شعوري وأنا أكتب لك هذه الرسالة القصيرة التي أرجو أن تقرب المسافات بيننا، وتزودنا بلحظات حميمية جديدة.
محبتي
نجم والي


* ملاحظة: أكتب لي عنوانك لكي أرسل لك البعض من رواياتي. صحيح أنني أرسلت لك أصلاً نسخة من «صورة يوسف» على عنوان صديقنا الرائع محمد مزيد. لكنني أستطيع أن أرسل لك نسخة أخرى مع «تل اللحم» و«مكان اسمه كميت» و«الحرب في حي الطرب» على عنوانك مباشرة. في انتظار أن ترسل لي ما تختاره يدك من إبداعاتك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى