حسن البطل - شعر عربي بالعبرية!

زمان، لعب الإسرائيلي السلامي الراحل، أوري أفنيري، على اللغة. قال: عربي - عبري، تقديم حرف على آخر. قال: هذا لغو في اللغة.
في منتصف خمسينيات القرن المنصرم لعب رئيس أركان الجيش السوري، عفيف البزري، وهو شيوعي على لغو سياسي في اللغة. قال: روسيا - سورية، تقديم حرف على آخر؟
أظن أن «أبو التاريخ» المدون، هيرودوت الإغريقي هو من قال: كل عربي شاعر، وربما من قال: كل عربي تاجر، لعله كان يقصد المعلقات السبع المكتوبة بماء الذهب، أو كان يقصد «رحلة الشتاء والصيف» لقبائل الجزيرة العربية.
حسناً، اكتشف العرب «شعراء الأرض المحتلة» بعد هزيمة حزيران، في وقت لاحق، ربما بعد الانتفاضة الأولى، اكتشف الإسرائيليون رواية «أرابسك» لانطون شماس، وكانت الأولى له بالعبرية، فقال نقاد الأدب الإسرائيليون إنه أضاف إلى العبرية جماليات العربية، لكنها لم تكن «تقديم حرف على حرف» بل كانت اشتباكاً ثقافياً وسياسياً في الرواية والشعر والأدب!
لما قرأ شارون ترجمة عبرية لقصائد ما لمحمود درويش، نوّه إلى عمق مكانة «الأرض» فيها، وارتباط درويش بقضية شعبه!
طيب، بعد أن نشرت صحيفة «هآرتس» صور الأطفال القتلى في غزة على صفحتها الأولى، في جولة الحرب الأخيرة، نشرت في ملحقها الأدبي، يوم ٤ حزيران الجاري، قصيدتين بالعبرية للشاعر الفلسطيني الطيب غنايم، نجل الراحل الشاعر والمترجم والصحافي، محمد حمزة غنايم.
الأولى بعنوان: «شتات فلسطيني، وأقدار صاعقة»، والثانية بعنوان: «وصف كلمات مترادفة وجندي غير عنيف..»!
الشاعر الشاب الطيب صديقي على الفيسبوك، وسألته ترجمتها للعربية بنية نشرها في هذا العمود، قال إن ترجمتها للعربية ليست سهلة عليه فهي موجهة للإسرائيلي، مع أن له شعراً بلغته العربية الأم.
كنت أعرف أن «أرابيسك» أثارت سجالا أدبياً - سياسياً - ثقافياً لدى أدباء ومثقفين إسرائيليين، وبالذات نقاشاً عاصفاً بين شماس والأديب ابراهام بولي يهوشواع، الذي يوقع: «أ.ب. يهوشواع»، وفي خلاصته قال الأخير: إذهب من هنا إلى قومك؟
يقول الشاعر الطيب غنايم إن شماس كان مدرسة في الأدب العبري، فهو نجح في اختراق اللغة العبرية وسبكها، وكان واعيا لفعله هذا وتأثيره داخل الحقل الثقافي الإسرائيلي.
في حوارهما: شماس ويهوشواع، في مجلة بولوتيكا، قال له الأخير إن مكانه ليس هنا، بل عليه أن يغادر إسرائيل شرقا .. فغادر شماس إلى أميركا!
لأسباب ما، تبدو وجهة نظر مقبولة لأنطون شماس، رفض أن يترجم روايته بالعبرية إلى العربية التي يجيدها بالطبع، لأنه فكر فيها بالعربية وكتبها بالعبرية! ربما لأن «الترجمة» ضرب من الخيانة» كما يقال .. والشاعر لا يخون قصيدته وشعره، فلا يترجمه!
علمت من الشاعر الطيب ما لم أكن اعرفه، وهو أن شماس كان رائداً في كتابة الشعر بالعبرية، فله مجموعتان: الأولى «غلاف مقوّى» والثانية «مساحة حرام»، وبعد أن لفظه الوسط الثقافي العبري، هاجر شماس إلى الولايات المتحدة، فقد توقع انتفاضة للشعب الفلسطيني في إسرائيل، ودوراً له فيها!.
لماذا رفض شماس ترجمة «أرابيسك» إلى لغته الأم؟ يعتقد ثاني شاعر فلسطيني يكتب شعراً بالعبرية، إن ذلك يعود لأسباب هوياتية، فهو عربي فلسطيني وليس اسرائيلياً يهودياً.
في الواقع، لا أعرف أن شاعراً اسرائيليا بالعبرية، كتب شعراً بالعربية، لكن قرأت قصائد مترجمة للشاعر إسحاق لاؤور، وهو سفاردي كما يبدو في صورته، كذلك قصيدة واحدة للشاعرة الرحلة داليا رابيكوفتس عنوانها: «الأولاد .. الأولاد» عن دورهم في الانتفاضة الأولى (المستمرة في الانتفاضات التالية)!
لدينا محمود درويش وعبد الرحيم محمود، وما لا يحصى من الشعراء مثل سميح القاسم، ولدى الإسرائيليين شعراء كبار، مثل عفتون، وبيالك، ولأسفي لم أقرأ لهم تراجم بالعربية.
كان محمد حمزة غنايم، والد الطيب غنايم، مترجماً وصحافياً وشاعراً، وكان صديقي الأثير في المقلب الآخر من فلسطين، ونشرت له في عمود ما آخر ما كتبه من شعر في رثاء نفسه، وبعد أن أصيب بالسرطان، وتخيل نفسه يزور بيته بعد وفاته، ويناجي صورته على جدار بيته مجللة بالسواد.
بعد وفاة والده، عمل نجله في مجلة سياسية - أدبية هي: «إسرائيل الأخرى» ونشر لي مقابلة فيها مترجمة للعبرية، وضعت إدارة التحرير فيها عنواناً هو: «من البروباغندا إلى الصحافة»، لأنني قلت: نعم، قد أعود إلى البروباغندا أحياناً، لأنني صاحب قضية.
هنالك شعراء عالميون كتبوا شعراً بغير لغتهم، مثل رئيس السنغال الراحل ليوبولد سنغور، الذي كتب شعراً بالفرنسية، استحق عليه جائزة غونكور الفرنسية، لكن ليس للسنغال لغة عريقة، وهذا خلاف اللغة العربية العريقة في الشعر والأدب، منذ المعلقات بماء الذهب، إلى شعر درويش، وسميح القاسم وآخرين من الشعراء الفلسطينيين داخل وخارج فلسطين.
كان شاعرنا القومي، درويش، قد سئل فقال: معجزة إسرائيل هي، أولاً، في إحياء اللغة العبرية، وقد اقتحمها أنطون شماس أولاً، والطيب غنايم ثانياً وحديثاً في قصيدته.
في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لدينا حالة اشتباك متعددة في التاريخ والديانات، والثقافة، وبالطبع في الرواية والسياسة، تضاف لصراع في القصيدة بين العروبة والصهيونية وما يبدو الآن بين الإسلام واليهودية. وصراع وطني بين الهوية الفلسطينية والإسرائيلية، وربما يكفينا من هذا الصراع ما كتبه إميل حبيبي عن «سداسية الأيام الستة» الحزيرانية الممتدة في جولة أيار - حزيران من عامنا هذا.
إن لم يترجم الطيب قصيدته إلى لغته الأم، فأرجو من صبري جريس مثلاً أن يفعل، أو يفعل سواه، لأعيد نشرها في عمود فقد أشعر بنبضها أو جمالياتها، أو حالة اشتباك بين الثقافتين العربية والإسرائيلية، في الأدب وفي سواه .. ولعل ذلك موضوع يعالجه صاحبنا عادل الأسطة مثلاً.

حسن البطل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى