رسالة من مرزاق بقطاش إلى مخلوف عامر

إلى أخي الأديب، مخلوف عامر،

تحية طيبة لك ولجميع الذين يلقون ببعض الخشبات في الموقد لكي ينتشلونا من الزمهرير الفكري الذي نعيشه في بعض الأحيان، وليس دائما.

قرأت مقالتك الظريفة اللطيفة، وأنا أحييك على تواضعك الجم.

غضبتك المضرية في محلها، وحق لك أن تقيم الدنيا وتقعدها كلما تعلق الأمر بالفكر وبالأدب، وكلما تجنى أحدهم على غيره في هذا المضمار.

صدقني، يا أخي مخلوف، لا يسوءني أبدا أن ينالني متطاول بالنقد وبالتجريح، فالذي ينهج هذا النهج في حياته، إما أن يكون صاحب عقل لا يحسن توظيفه، مثلما قلت، وإما أن تكون به لوثة،- وذلك أمر آخر-، نسأل الله له الشفاء منها.

مرة، ونحن في منتزه "الحبانية" شمالي بغداد، قال لي الشاعر الفلسطيني حسيب جعفر القاضي: أكتب، يا مرزاق، يكفيك فخرا أن يقرأك قارىء واحد! وأخذت بنصحه منذ ذلك الحين، أي منذ أفريل 1974. وبمرور الزمن، اكتفيت بيني وبين نفسي بأن يقول عني هذا أو ذاك، سواء أكان من المتأدبين أم من المتنطعين على حد سواء: فلان الفلاني يحب القراءة والكتابة! وأنا أعتبر ذلك دكتوراه فخرية.

ضحكت خلال الأيام الأخيرة حين قرأت على صفحات الانترنت أن هناك من وصفني بأنني "كلاسيكي". الله أكبر! مثل هذا النعت يدل على أن الذي أطلقه علي لا يعرف معنى الكلاسيكية أصلا. هل أكون همنغواي، وهو كلاسيكي؟ أم نجيب محفوظ، وهو كلاسيكي أيضا؟ أم المتنبي وغونتر غراس وفوكنر وتولستوي وتشيخوف وغوركي وفادييف وإفتشنكو، وكلهم كلاسيكيون عظماء؟ أترى كيف أن مثل هذا الذي قصد إلى التجريح، رفعني ، من حيث لا يدري ولا يشعر، إلى مصاف أولئك العظماء؟ أعتقد جازما أنه لا يفرق بين الكلاسيكية والحداثة والخرافة. ألا ما أحكم صديقي الشاعر الراحل مصطفى تالتومي حين قال في قصيدته الشعبية الشهيرة "سبحان الله يا لطيف" : يحسبو كل شي أخطيف، غير آجي وازدم!

أخي مخلوف، لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب! بل أكتب، واكتب، ثم اكتب. ويكيفيك فخرا أنك في كل مرة تلقي بخشبة في موقدنا الفكري والأدبي لكي تبعث الدفء في جوانحنا. أما الغثاء الأحوى، وأنت تعرف ذلك حق المعرفة، فإنه لا يمكث لا في الأرض ولا في وجدان القارىء وعقله.

ولك مني ألف تحية!

من أخيك مرزاق بقطاش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى