لمياء عصام مرسي - مُلخص لتاريخ الأدب العبري الحديث ومراحل تطوره

البداية "فترة الهسكالاه"
نشأ الأدب العبري الحديث من خلال "أزمة دينية" اجتاحت الحياة اليهودية، بدءًا من عام 1750م، حيث لم يعد الأدب العبري يتحدث عن "قيم مطلقة" في الفكر اليهودي، بل تناول القيم اليهودية الموروثة على أنها قيم غير مطلقة ويجب إعادة النظر فيها. ومن هنا ظهرت حركة "الهسكالاة" تحت تأثير حركة التنوير الأوروبية، التي نادت بفصل الدين عن المجتمع؛ فنادت الهسكالاة أيضًا بفصل الدين عن المجتمع اليهودي، وجعله قاصرًا على أمور العبادة دون الأمور الحياتية اليومية، وأصبح شعارها "كُن يهوديًا في بيتك، إنسانًا خارجه" للأديب "يهودا ليف جوردون".
وبالتالي لم يعد هذا الأدب يهتم بعلاقة الإنسان اليهودي بالسماء، وحل محله الاهتمام بحياته على الأرض. (مما أدى إلى حدوث أزمة اغتراب في هذا الأدب، بل وصارت سمة رئيسية فيه).

أبرز أدباء الهسكالاة
الأديب "موشيه حاييم لوتساتو" (1707-1747م) في إيطاليا. الفيلسوف "موشيه مندلسون" (1729-1786م) في ألمانيا، وهو يعتبر الأب الروحي لهذه الحركة، الأديب "نفتالي هيرتس فيزل" (1725-1805م) وهو أديب التنوير في ألمانيا. وفي روسيا ظهر كل من: الشاعر "آدم هاكوهين ليفنسون" (1794-1878م)، و"ميخا يوسف ليفنسون" (1828-1852م)، وأبرز شعراء هذه الفترة، بل ربما أشهر شعراء العبرية عبر التاريخ "يهودا ليف جوردون" (1831-1892م). و تعتبر رواية "محبة صهيون" (1853م) لـ"أفراهام مابو" (1808-1867م) هي أول رواية في الأدب العبري الحديث.

فترة الإحياء القومي "الصهيوني"
ومن الملاحظ أن الأدب العبري لم ينمو من داخل الحياة اليهودية ذاتها، بل إن توجهاته جاءت تقليدًا واضحًا وصريحًا للصورة التي كانت عليها الآداب الأوروبية. بدءًا من عام 1880م، نشأ ما يُسمى بـ"القوميات الأوروبية" المنفصلة، فنشأ ما يمكن أن نُطلق عليه المد القومي اليهودي، متمثلًا في "الحركة الصهيونية". وبالتالي يمكن القول إن ظهور الفكر القومي اليهودي والحركة الصهيونية الممثلة له إنما جاء كرد فعل وليس فعلًا مستقلًا.

أبرز أدباء الإحياء القومي
في مجال الشعر برز كل من الشاعر "حاييم نحمان بياليك" (1873-1934م)، الذي لقبه اليهود بأمير الشعراء، والشاعر "شاؤول تشرنحوفسكي" (1875-1944م). ومن أشهر كتاب القصة والمقال الأديب "ميخا يوسف برديشفيسكي" (1865-1921م). ظهر أيضًا "أشير جينزبرج" (1856-1927م)، الذي اشتهر أدبيًا باسم "أحد هاعام"، ليبلور هذا الأدب في القرن العشرين بتوجهاته الصهيونية، وهو فيلسوف "الصهيونية الروحية". كما ظهر في ذلك الوقت "اليعازر بن يهودا" (1858-1923م) الذي يعتبر رائد إحياء اللغة العبرية.

المرحلة الفلسطينية
في عام 1924م انتقل مركز الأدب العبري إلى فلسطين، مع هجرة الأديب "حاييم نحمان بياليك". وحينما انتقل إليها لم ينتقل إليها على أنه استمرار للأدب العبري في أوروبا، بل انتقل على أنه تحوُّل في الصورة والمضمون، بعد أن تم الإجهاز تمامًا على الموروث الديني، وتمشيًا مع الخط الصهيوني-السياسي، حيث لم تعد هناك حاجة لطرح الموضوعات التقليدية التي تناولها هذا الأدب حتى ذلك الوقت، بل حتمت عليه الحاجة أن يبحث عن موضوعات جديدة وصور تتلائم مع الوضع الجديد الذي تسعى الصهيونية إلى تحقيقه.

ويمكن تقسيم أجيال الأدب العبري في فلسطين إلى أربعة أجيال رئيسية، هي:

1-الجيل الأول
هو جيل الهجرة اليهودية الأولى (1881-1901م) والاستيطان القديم في فلسطين. وُلد أغلب أدباء هذا الجيل في منتصف القرن التاسع عشر، بعضهم في فلسطين والبعض الآخر جاء مع موجة الهجرة الأولى.
أهم شخصيات هذا الجيل: "إليعازر بن يهودا" و"يهوشوع إيزنشتات".

2-الجيل الثاني
وهو مكون أغلبه من مهاجري الهجرة الثانية (1904-1914م) الذين جلبوا إلى فلسطين تقاليد أدبية من دول شرق أوروبا. وظهرت في هذا الجيل أول أديبة يهودية "ديبورا بارون" (1887-1956م).
أهم شخصيات هذا الجيل: "يوسف حاييم برنر" (1881-1921م) الذي يعتبر الأب الروحي للأدب العبري في فلسطين. وأيضًا الأديب "شموئيل يوسف عجنون" (1887-1970م)، الحائز على جائزة نوبل للآداب. وهناك أيضًا الأدباء اليهود الشرقيون، الذين ولدوا في فلسطين، مثل: "يهودا بورلا" (1886-1970م)، و"إسحاق شامي" (1888-1949م).
وقد أُصيب أبناء هاتين الهجرتين الأولى والثانية بخيبة أمل عندما أدركوا أنهم تعلقوا بآمال واهية. فأدى هذا التناقض بين الآمال الصهيونية وبين الواقع النفسي للمهاجرين إلى خلق أدب مركب؛ تأرجح بين الاعتمالات النفسية للمهاجرين والواقع المرير الذي اصطدموا به.

3-الجيل الثالث
وهو مكون أغلبه من مهاجري الموجة الثالثة للهجرة، ومن المعروف أن أدباء الهجرتين الثانية والثالثة هم الذين شكلوا وجه الأدب العبري في فلسطين كما أنهم أيضًا الوجه الأدبي للصهيونية السياسية.
أهم شخصيات هذا الجيل: "دافيد شمعوني" (1891-1956م)، والشاعرة "راحيل بلوفستين" (1890-1931م)، و"يتسحاق لمدان" (1899-1954م)، و"أوري تسفي جرينبرج" (1896-1981م)، و"أفراهام شلونسكي" (1900-1973م)، و"يهودا كرني" (1884-1949م).

4-الجيل الرابع
هو جيل الأدباء "الصباريون" الذي دخل الصورة الأدبية في الأربعينيات من القرن العشرين، وقادهم الأديب "ساميخ يزهار" (1916-2006م) وهو يتميز بين أدباء جيله بنثره الشاعري المتأثر بتيار الوعي. ولقد كتب أغلب أدباء هذا الجيل بأسلوب واقعي.
في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي، أي بعد قيام إسرائيل، غيّر الأدب العبري وجهته؛ وتمثل ذلك في اللغة والأسلوب وكذلك في المضامين والأفكار الجديدة التي شقت طريقها في هذا الأدب، وعكست واقعًا جديدًا.
بدأ هذا الانقلاب الأدبي في الشعر، وتبلور ذلك حول دورية "لكرات" (صوب) التي صدرت عام 1952م، والتي أبدع بها الأدباء شعرًا تمحور حول الذات الفردية والتجربة الخاصة، ومشاكل وجود الإنسان، كإنسان مجرد، وليس كترس في آلة الصهيونية. ولكن هذا الانقلاب كان بطيئًا في النثر ولم يبلغ أنقى تجلياته إلا في الستينيات.
وفي خلال العقود الستة الأولى لقيام إسرائيل نلاحظ وجود خمس أجيال أدبية سنتحدث عنهم بالتفصيل في مقال آخر.


المقال تلخيص لما ورد في كتاب "اغتراب الشخصية اليهودية في الأدب العبري الحديث" للدكتور أحمد حماد.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى