أمل الكردفاني- الكثافة الأدائية وسطح المنجز

القانون واجهة الدولة المعنوية، والتنظيم واجهتها الشكلية، وقيم الشارع واجهتها الإجتماعية، أما الفنون والعمارة فواجتها الثقافية.
أما في العمق؛ أي تحت هذه الواجهة فهناك العمق، أي الكثافة الأدائية لصناعة عظمة تلك الواجهة.
هنا يكمن الفرق...بين دول وأخرى..
دول فقيرة الواجهة والعمق مثل دولنا النامية
ودول غنية الواجهة والعمق كالدول العظمى والكبرى.

إن التغذية الجيدة هي التي تمنح البشرة نضارتها؛ وكذلك الدول، فغنى الواجهة يعكس غنى العمق. وغنى العمق يفضي إلى غنى الواجهة.
في عام ٢٠٠٢ التقيت بزميل في مرحلة الماجستير من دولة فقيرة، لم أكن أعرف شيئا عن تلك الدولة، لكنني بمجرد أن اطلعت على نظامها القانوني أدركت أنها دولة فقير العمق كفقر الواجهة المعنوية (القانون). فالقانون هو الواجهة المعنوية، أي تلك التي لا مادة لها ولكنها تمثل روح كاشفة لكل عناصر الدولة (إقليم، شعب، سلطة ذات سيادة)، وكل منتجاتها الحضارية. يمكننا أن نعرف الفرق بين حضارة بابل قبل الميلاد وحضارة أخرى في نفس الحقبة بمجرد الإطلاع على قوانينها. ستقف مدونة حمورابي لتحكي (بدون حاجة لشواهد مادية) عن عظمة بابل، كما ستحكي مدونة جوستنيان عن عظمة الامبراطورية البيزنطية. يكفي أن تطلع على القوانين الأمريكية والقوانين الأوروبية لتدرك البون الشاسع بين أمريكا واوروبا، رغم أن أوروبا هي الأقدم. ويكفي أن تطلع على القوانين السودانية وقوانين أي دولة لتعرف حجم الدولتين من بعضهما البعض.
ستعرف أن الكثافة الأدائية هي التي خلقت تلك الأنظمة القانونية العظيمة، وستعرف أن المنجز السطحي، يعكس كل خصائص المجتمع الهش، من قصور فكري، وانهيار مؤسسي، وهزال ثقافي.
إن بنية القانون الجنائي وحدها تغنيك عن البحث في بنى الدولة الأخرى. سترى كل شيء، من خلال قوانين التجارة لتعرف ضعف أو قوة النظام الإقتصادي والسياسي، دون حاجة لأن تصعد إلى الطائرة وتتوجه للدولة المستهدفة.
إن تلك الكثافة الأدائية ستراها في كل شأن قانوني Legal Affairs. ستجدها في الزخم القضائي، والفقهي والتشريعي. بما يمثل تجارب ثرية مرت بها تلك الدولة عبر التاريخ. وستعرف إن كان لهذه الدولة تاريخ حقيقي أم مجرد سرد متهافت للماضي ملؤه التضخيم الزائف للذات.
إن النظام القانوني للدولة هو واجهتها المعنوية، والتي تلخص تلك الدولة موضوعاً وشكلاً عبر الزمان.
وبما هو كذلك، فإن ذلك النظام القانوني هو ما سيمنحك القدرة على استشعار مستقبل تلك الدولة ومعرفة أيلولتها الحتمية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى