رسالة من حسن الرموتي الى عبدالله المتقي

الغالي المبدع عبد الله المتقي
سلام من نورس وحيد ربما نسيه قرصان في سيف غمده الخشبي .
أكتب لك من مقهى فرنسا، المقهى مازال هو هو، لا شيء تغير ، وربما الكراسي هي هي منذ جلس عليها الراحل محمد زفزاف وعمران المليح – رحمهما الله - وغيرهما من المبدعيين . السماء فوقي كئيبة كما قال أبو ماضي في قصيدته التي حفظناها صغاراً. الوقت وقت غروب، عندما أقبل النادل طلبت عصيرا، وكدت أقول قهوة سوداء فقد تخيلتك جالسا بجانبي وأنت تطالع الجريدة ، وتضع قبعتك الجميلة التي تذكرني بقبعة التوفيق الحكيم، بين الحين والآخر تتأمل العابرين ...
عزيزي عبدالله
هل أقول تُباً لهذا الزمن الداعر وهو يحرمنا من أدب الزمن الزميل، حين كنا نكتب رسائلنا بأنامل مرتعشة للأحبة، ولمن نحب ثم نسرع لكي نضعها في الظرف ونسرع لمكتب البريد .... ثم ننتظر أياما قد تطول ، ونحن نترقب ساعي البريد بدراجته المتهالكة، ومحفظته الصفراء وهو يدس الظرف في فتحة الباب ...نفتح الرسالة ونقرأها بفرح طفولي..
وعندما أقرأ اليوم رسائل جبران لمي زيادة أو رسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم أو بين محمد برادة و شكري ، أو حتى رسائل الشاعر الفرنسي رامبو أقول مع نفسي : الحمد لله أن هذه الرسائل كتبها أصحابها قبل هذا الانتشار المهول لوسائل الاتصال، لكنا حرمنا من هذا الابداع الجميل .
عزيزي عبد الله
أماسي الصويرة الجميلة والتي جمعتنا معا رفقة الرائع القاص والنحات محمد أبو ناصر صاحب "حديث النمل". تسكعنا بين دروب المدينة القديمة الضيقة حيث رطوبة المكان والنوافذ القديمة، وربما العيون التي تتلصص علينا، وربما تذكر أني كنت بمتابة مرشد سياحي لك، وحدثتك عن الأقواس وأسماء الدروب و المعبد اليهودي، بل إن النوارس التي تعشقها كان لها نصيب من الحديث ، وزاد إعجابك بها عندما أخبرتك أنها تحلق عكس الريح ،خوفَ أن يطوح بها إذا سارت في اتجاهه .وأنت تعرف أن للريح في الصويرة حكمة لا يعلمها سوى الخالق، ثم كيف كان حديثنا متواصلا عن الأدب والشعر والإصدارات الجديدة، ثم عن الشاعر الراحل عبد الله راجع وإقامته بمدينة الفقيه بنصالح ، لقد أعطى هذا الشاعر لهذه المدينة ما لم يقدمه السياسيون لها ، وكيف نورت فكري عن شخصية الشكدالي الرجل المعتوه الذي أرخه الشاعر في قصائده ، وكيف أنه لم يكن كما كنت أتصور ، بل كان حكيما .
أماسي الصيف التي جمعتنا في الصويرة ستظل عالقة في الذاكرة ، ثم لقاؤنا بالناقد والمبدع عبد الرزاق المصباحي، الذي أضاف على اللقاء نكهة لذيذة . واستمرت لقاءتنا ، وحديثنا لم ينته ، لأنه كان ذا شجون ، بعيدا عن اللغو والتلصص على الآخرين .
عزيزي عبد الله :
ما عساني أقول ، تذكرت هذه الأماسي التي جمعتنا ، كان الصدق والعفوية سمتك ، والإنصات المتواضع والحديث المفيد طبيعتك . فكيف أنسى ؟ . وأنا أعيد قراءة مجموعة قصصك القصيرة جدا – قليل من الملائكة – التي أهديتني إياها وبتوقيعك الباذخ ، لا أعرف كيف اتبعتها بجملة – وكثير من الشياطين – ابتسمت في داخلي لهذه المقارنة ، لكني أحسست في الوقت نفسه بغصة في حلقي بسبب هذا الزمان الداعر الذي ينهشنا وفي غفلة منا .
وأنا أتأمل نصوصك أدركت أنك تكتب ليس بقلمك فقط ، ولكن بكل جوارحك وبكل جسدك ، بل بكل أحلامك . الآن تحتشد الصور والذكريات ، تتزاحم في ذهني تريد أن تقفز أن تتحرر من سجنها منذ لقائنا ذات صيف بارد .
في الصيف الأخير الذي صادف شهر رمضان، انتظرناك طويلا ، انتظرنا قدومك ،أنا و المبدع أبو ناصر. كنت أعرف أن الصويرة فعلت فعلتها فيك ،وحقنت في دمك الكثير من الجمال والكثير من البساطة ، بساطة المبدع الأنيق المرهف كما أوحت لك برواية "جنة آدم " التي مازلت أترقب صدورها ... لكنك لم تأت . كما انتظر أن تصلني مجموعتك "مطعم هالة" .
هذا الصيف كان كئيبا ، حزينا ، مُرّاَ ، ثمة شيء ناقص ... لكن للغائب حجته .
لا يفوتني أن أخبرك بمقالي الأخير في مجلة "الرافد" الإماراتية بعنوان "النهايات" : أين يسير الفكر الإنساني – والذي تحدثت فيه عن موت الإله وموت الإنسان والمؤلف والقارئ ثم موت اللغة ، ها أنت عزيزي ترى كيف أن الموت يلاحق كل شيء .
العزيز عبد الله :
أمد إليك يدي أيها المبدع الجميل ، أيها المسكون بعشق الأدب ، وأقف احتراما لنبك وطيبوبتك. لك سلامي وسلام كل النوارس هنا ...


الصويرة صيف 2011

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى