رسائل من نجيب محفوظ الى ادهم رجب

عزيزي أدهم
عدو السينما والفن الصحيح، لو كنت في باريس، موطن الفن، بدل لندن، موطن الضباب والدخان لما سخرت في خطاباتك من الأساتذة شكوكو وعلي الكسار والكحلاوي، وهل كان موليير في زمنه إلا واحدا منهم؟ ولكن لا كرامة لنبي في وطنه، وتسألني عن العقاد: قل هو رجز من عمل الشيطان، وهو عضو شيوخ معين وصاحب سيارة وكاتب في أخبار اليوم ب150 جنيهاً في الشهر، وأظن الآن عرفت رأيه في المعاهدة، أما السياسة فأراك من المتفائلين بالمعاهدة بين الاستعمار البريطاني والعرش، فهل يضحى الاستعمار بالاستعمار، أو العرش بالعرش من أجل قوة اسمها الوفد، ونحن نعيش في الظلام، ومستقبلنا مظلم، فلقد مدت الاشتراكية البريطانية يدها لقوى الرجعية في الشرق، كما مد النقراشي يده للسراي، وأمامنا عهد جهاد مر، والسجون تكفي لاستقبال الأحرار.

ودمت للمخلص الذي يشوقه أن تعود إلى مصر لنسمر معا ما بين الأوبرا والفيشاوي.

المخلص
نجيب محفوظ كابرا
طرف تلحمي فيلم

***

عزيزي أدهم
أخبار الشيوعية غطت عندنا على المعاهدة نفسها، فضلا عن الأدب والسينما، فما ندري إلا والبوليس يطرق على البيوت، ويسوق الشابات والشبان إلى السجون، وكلهم من المثقفين ثقافة عالية، ثم صودرت الجرائد والمجلات التي تدافع عن العدالة الاجتماعية، وعلى رأسها “الوفد المصري''.. الخ، وقيل من ضمن ما قيل الآن أن الدكتور محمد مندور مقبوض عليه، طبعا واسطة بين النحاس باشا وروسيا، وأن الوفد متهم بالشيوعية، وقد جاوز المقبوض عليهم ال،300 ويخيل إليّ أن لهذا القبض صلة بالسياسة الداخلية، ويخيل إليّ أيضا أن مهمة إسماعيل صدقي باشا في الحكم هي القضاء على ما يسمونه باليسارية قبل كل شيء (هذا شيء يسرني لأنني في طريق الرأسمالية) وبعد فقد سرني ما سرك من اجتماع شملك واستقرار حياتك، وإنني لفي انتظار الكثير من كلامك المليان والفارغ والسلام.
المخلص..

نجيب محفوظ
طرف استوديو تلحمي مصر!

***

عزيزي أدهم

مده الله بالتفاؤل والطمأنينة، آمنت بقولك إننا نعيش في دائرتين متناقضتين من تفاؤل وتشاؤم، وأعجبني أنك مغرق الآن في البحث عن الحقيقة، فأعجب الآن لأنني أعاني شبعا من الحقائق وازورارا عنها جميعا.

إن حماسي الجنوني للقراءة يفتر، ويكفيني الآن أن أقرأ صفحة لأتأمل بقية الليل فيها، وفي ما تثيره في ذهني من أفكار ومواضيع.

كان في الماضي يعذبني الطموح إلى معرفة الأشياء جميعا، أما الآن فحسبي فكرة أو خاطرة لأعيش فيها، كيفما أشاء وظمئي للفن شديد، أريد أن أفنى في سماع الموسيقى وتأمل الصور الخالدة وقد خرجت إلى المكاتب لأبتاع ما يلزمني منها فصدني غلو ثمنها، لم أتصوره من قبل، حتى إني وجدت مجموعة لبيكاسو ثمنها 4 جنيهات، وعموما فإنني أفضل الحياة التي يحياها الناس وإلا لسمعت عن زواجي في الخطاب القادم. وفي الختام تقبل أزكى التحيات.

المخلص نجيب محفوظ
شركة أفلام الشرق الأدنى
م ألم تنجب أطفالا؟
ألم تلتقط لهم صورا فوتوغرافية فنية؟

***

عزيزي أدهم
عن أخبار الكنانة لا تسل، جمود سياسي، وضيق شامل، وأقلية في أفراح متواصلة، وشيوعية تطل برأسها في حذر، وطوائف تهدد وتنذر، وحسبك أن تعلم أني أكتب لك هذا الكتاب وضباط البوليس معتصمون بحديقة الأزبكية، والبلد معتبرة في حالة طوارئ، وتسلم الجيش زمام المحافظة على الأمن حتى تحل المشكلة، ومن ذلك تجدني في خوف على ثروتي، لأنني أحتفظ بها عادة في جيبي إذا لم تكن نسيت.

والأدب أخباره أحسن وقد اشتركت في مسابقة القصة بالمجمع اللغوي وأعلم أنك ستغضب لهذا الخبر، ولكنني كنت في حاجة ماسة للنقود، فقدمت “القاهرة الجديدة” و''خان الخليلي” و''زقاق المدق” ومنحني المجمع 150 جنيها مصريا، كانت عزائي على التقارير الجاهلة التي قرأتها عن القصص. والحق أنه لولا العقاد سئل عن القصاصين الثلاثة الأول فقال الحكيم وتيمور والعبد لله، وسألوا بيرم فوضعني في الأول، وكانت النتيجة أن توفيق الحكيم كتب مقالة في أخبار اليوم يهاجم القصة وما يسمونه أدب الحياة ويقول: إنه فن نسوان وأن الأدب الحقيقي هو الفكر، ومن ساعتها وكل أصدقائي ينادونني قائلين “يا مرة” وإني في انتظار رؤيتك على أشواق.

المخلص نجيب محفوظ

***

عزيزي أدهم
أيقنت وأنا أنتظر ردك أنك شغلت بالتحصيل فسررت رغم شوقي لقراءة نفحات من يراعك، وجاءني الرد متأخرا فصدق ظني وثبت لي منه أنك صرت كثير العلم قليل الأدب. وحمدت الله على أن بقي للسانك طوله المعهود، متعنا الله بحلاوة مرارته. أما لجنة السيناريو التي تهزأ به فقد انفضت لأن فؤاد نويرة سيسافر قريبا إلى أمريكا في بعثة للخدمة الاجتماعية، ولأن صلاح أبو سيف يجعلني مستشارا له في كتابة السيناريو الذي يتفق على إخراجه وهو شاب موهوب وممتاز واسع الثقافة ولا يبعد أن يكون مناط الأمل في السينما المصرية وهو إلى ذلك لا يخرج في السنة أكثر من فيلمين لحرصه على الإتقان، فلا يمكن والحال كذلك أن يغير على وقتي ومن ذلك ترى أني محق إذا طلبت إليك أن تخفف من حدة لسانك يا حضرة العلامة(...) أما عن المعاهدة فكان الإنجليز يسعون في ما مضى للاتفاق مع النحاس وهم اليوم يؤدون الاتفاق مع الملك والفائدة متبادلة، فهم سيفوزون بحماية موقّع عليها وهو سيفوز بالحكم والأمن وهذا ما يظنه، وقد ثبت مما نشر أخيرا أن أمين عثمان كلف بعرض مشروع المعاهدة على النحاس فرفضه وقال له: أنا لا أفرط في السودان من أجل الوزارة، القصة التي أكتبها الآن لك أفضل في السيناريو بتاعها وحين تقرأها في 1948 ستذكر كيف أخذت الموضوع أو نصفه منك.

تحيات الأشواق الحارة
نجيب محفوظ

***

عزيزي أدهم..

تحيات وأشواق لا حصر لها، وبعد فقد انتظرت كتابك بصبر نافد ولم أشأ أن ألحقه بجواب من عندي آخر لما قدرته من مشغوليات بالامتحان والعمل، كان الله في عونك.

وقرأت رأيك في “الفورسيت ساجا” ولا أخفي عليك أني كنت أنتظر حماسا أكثر وكأنك مغرم بالمقارنات وكثيرا ما تذهب آثار روائع ضحية لها، والواقع أن السيطرة على شخوص تعيش في أجيال أمر في الفن القصصي عسير شاق يحتاج لقدرة خارقة، بيد أنك زدت شوقي لجين كرستوف فاللهم هبني الوقت والمال، ومن جانب آخر يحثني الدكتور أنيس منير على قراءة همنجواي وغيره من المحدثين حتى بت في حيرة من أمر القراءة وكأني سأضع نفسي في النهاية بالقول السائر: “الناس فريقان، فريق يكتب ولا يقرأ، وفريق يقرأ ولا يكتب” ولا أخفي عليك أني بحاجة إلى التجارب وأني أشعر بالاختناق بين ميدان فاروق والأزهار.

وقد عرفت هذا الصيف أديبا شابا موهوبا ولطيفا معا ولهذا الأديب عوامة نقضي فيها نصف الليل ما بين “...”.

وانقلب أخوك شيئا آخر مدة الإجازة فقط طبعا، بل علمني البوكر سامحه الله فغدوت مقامرا وليس بيني وبين دكتور الأمراض التناسلية إلا خطوة، فانظر كيف يتدهور الأديب على آخر الزمن؟ وقد وفيت أخبار السياسة حقها لعنها الله، وكلامك فيها يقع من نفسي موقع الحق والهوى معا، وفي هذه اللحظة التي أكاتبك فيها يعثرون على القنابل في القاهرة كالتراب خصوصا بعد حادث سينما مترو، بل تصور أنه انفجرت منذ أسبوعين قنبلة في شارعنا وعلى بعد 20 مترا من بيتنا وكان من نتائج ذلك أن بطلت حفظ “...” في البيت استعدادا للتفتيش فليعش الملك المفرقع الأول.

المخلص: نجيب محفوظ

***

عزيزي أدهم الساذج..

تحيتي إليك في وحشتك الإسكندرانية التي أعتقد أنها وحشة “محلية” تقتصر على بيئتك لأن الإسكندرية سوق أدب كبيرة وهل أنسى أن مكاتبها طلبت رادوبيس مثنى وثلاث، ولكنك وقعت في جماعة متخصصة يصدق عليها المستعان على ما يصفون، ألم أقل لك شد الرحال إلى مصر وادخلها آمنا ولك فيها متاع إلى الأبد؟ لقد أنشأنا ندوة أدبية في قهوة عرابي تجتمع كل جمعة وتحتفل بأدباء لجنة النشر الجامعيين وغيرهم من أدباء الشباب ثم تدور المناقشات وتقرأ المؤلفات حتى لقد فات مأمون وهددنا أكثر من مرة بالضرب والطرد.

وسروري بشروعك في الكتابة لا يوصف وموضوعك جليل يتسع فيه المجال وياحبذا هو من موضوع أتوق لمثله لأني كما تعلم أجهل بالريف منك في الأدب، لا مؤاخذة لابد من مزاح ولعله يمكن أن يلهمني شيئا أكتبه عن الفاكهة المحرمة علي، اكتب وتوكل على الله فالأديب الحق في أوله عبارة عن سلة مهملات وإني بالاستقالة فمادمت تتصدى لموضوع اصطلاحي فينبغي أن يكون رائده الأمل لا اليأس أو فما الفائدة من كتابته كتابة الاجتماعيات غير الفن للفن؟

أم كلثوم أجهدت نفسها أمس لدرجة الإعجاز أنا الآن أكتب رواية ربما كانت الmaster piece بتاعي وأخشى ألا أكتب مثلها في المستقبل، وأرجو أن تكون أقوى قصة مصرية بغير استثناء وسوف ترى وهي عن المرحوم شكري ابن أختي، أرجو أن تكتب لي على ورق أبيض وبخط واضح وأن تبلغني نشاطك الأدبي أولا بأول، ومني لك القبل.

المخلص: نجيب محفوظ

***

عزيزي أدهم..
تحياتي وأشواقي، أرى أنك منشغل بغير شك بمذاكرتك حتى نسيتنا، وإني لمسرور جدا وأرجو أن تتم عملك على أكمل الوجوه، وقد جد جديد رأيت أن أبلغك به لأنه مما يهمك معرفته وإليك هو: استدعاني سكرتير اللجنة الأدبية بالمجمع اللغوي أنا والأستاذ عادل كامل وقال لنا: إن اللجنة قررت تأجيل البت في نتيجة مسابقة القصة وستعلن عنها من جديد وأدلى إلينا بالمعلومات الآتية:
1- قررت اللجنة أولا أن تختار قصتي وقصة عادل لتمنحهما الجائزتين على أن تنظر في جلسة أخرى في الترتيب.
2- في الجلسة الثانية قال العقاد، ولم يكن قرأ قصة عادل، إن قصة عادل شيوعية صريحة، وبعد مداولات تقرر إخراجها ومنحي الجائزة مع ثالث.
3- اعترض العقاد أيضا على قصة الآخر على اعتبار أنها ليست بقصة فنية ولم توافق اللجنة على أن أمنح الجائزة بمفردي، من ذلك ترى أن فن واحد وعدم فن الثاني ضيعا علي الجائزة وعليه ستعاد المسابقة، ثم قال السكرتير إن اللجنة تطلب:
أ - من عادل، أن يغير روح الرواية!
ب - مني، أن أصور فلسفة الخيانة في قصتي، أي لا يكفي أن أكتب عن خيانة زوجية من وجهة الرواية السيكولوجية وإنما ينبغي أن أحكم عليها من الوجهة الأخلاقية وليحي يوسف وهبي، وبطبيعة الحال قررت ألا أعود إلى شيء اسمه لجنة أو مسابقة فما رأيك؟ ألست معي بأني ظلمت وبأني أظلم كرامتي أكثر إذا تقدمت مرة أخرى؟

هذه هي أخباري وأرجو في الختام أن تبلغني نتفا من عملك لأتابعك ولو على البعد.
وختاما تقبل تحياتي
المخلص: نجيب محفوظ

***

الناقد الساذج..
لب الموضوع، تصورت الملك كما تخيلته: أحمق، طائشا، مستهترا، ولكنه شجاع نبيل لم يوهب الحكمة لكي يحكم ولكنه وجد الشجاعة التي بها يموت وفي الوقت نفسه لم أشوه زعيم الشعب فأجريت على لسانه مثالا من كلام الزعماء المخلصين.

كثرة الموتى جعلتك تقارن عملي بيوسف وهبي؟ الموت أو الانتحار ليسا بعيبين في أي عمل فني، فبعض روايات شكسبير يموت فيها سبعة من المنتحرين، إنما العيب الانتحار المفتعل المتكلف، فموت الملك حقيقة تاريخية فما فعلت إلا أن تخيلت حدوثها، انتحار ظاهر طبيعي جدا بل أتحداك أن تتصور له نهاية أخرى وهو مثال الرجل المخلص الذي زل الزلة الكبرى أما رادوبيس فهل كان من الممكن أن تعيش بعد ذلك؟

هل من المعقول أن تحب رادوبيس فرعون وتنسى رجالها من أجله؟ يا هوه!! غير معقول، وهذا نقدك الهش الرخو يا ناقد آخر الزمان وإنما مثلك في تعلقك بهذه الهنات مثل إنسان يتقدم إليه آخر حي جميل فيحصر عقله في منديله مثلا وهات يا تقبيح ثم يستنتج في النهاية بكل لباقة أن الرجل قبيح “....” وبعد فمتى نراك؟، أنت وحشتني ولابد من لقاء قريب نشفي فيه لواعج الشوق والسلام.

المخلص: نجيب محفوظ

***

عزيزي ناقد رادوبيس..
سألت نفسي: هل من الضروري أن أجعل من ردك موضعا للنقاش؟ والحق أني لا أتعرض لناقد برد وأن أستفيد من ملاحظات العالمين وأعرض عن سفه الجاهلية دون أن أحرك يدي بدفاع أو أن أضيع وقتي في مهاترة ولكنك صاحب مودة وعهد أو بمعنى آخر لك الشرف أن تكون صديقي وتلميذي فلا يجوز أن تعترض على ملاحظة لك والسلام.

وهكذا كان كتابك الأخير نصرا مبينا لي فقد اعترفت بما لرادوبيس من المزايا ولخصت ما تبقى لك من مآخذ عليها فإذا بها لا تجاوز: (أ) كثرة المصادفات (ب) خيانة طاهو، وأحب أن أسالك سؤالا: كيف تتخيل فرعون هذا وقد قال عنه التاريخ إنه حكم عاما وقتل في ثورة شعبية؟ تصورته أنا شابا طائشا ضعيفا شجاعا نبيلا.

فهل كنت تريد أن يشاركوا فرعون فراشه؟! ألم تقل إن رادوبيس “متهابة” وهي تستقبل بنامون، إنه يدخل القصر الذي حرم على أستاذه؟ ومع ذلك معلش المرة القادمة سأجعل فرعون ب”...” في “...”!!

لي اقتراح يا أدهم: أن تحترف الأدب ولا تحترف الطب فعلى الأقل في ذلك حسم للنزاع وفائدة محققة للطب على الأقل، وبعد فلم تقل كيف نراك ولا متى تأتي؟ وهل تهجر القاهرة إلى الأبد؟ وأرجو في الختام أن تقبل تحياتي الخالصة وبركاتي.

المخلص: نجيب محفوظ

***

عزيزي أدهم..
لماذا لم أكتب لك؟ طبعا كنت حيالك كالماشي على أطراف أصابعه، جنب نائم مجهد يخاف أن يوقظه فلم أكتب لك ولم أفكر فيك حتى لا أشغلك بطريق ما فأستحق لعناتك وإنك لسخي باللعنات وأخيرا كتبت أنت، أهلا وسهلا، ولكنك لم تذكر كلمة واحدة عن الحياة الجديدة وهذا عجيب وكان ينبغي أن تتفضل بكلمة تزكي بها عن عينك وعافيتك وتجود بها على أديب إن لم تدركه أنت وأمثالك أفلس ولم تنفعه صداقة (عبد الحميد جودة) السحار ولا صداقة (علي أحمد) باكثير.

هل قرأت كلمتي عن سيد قطب؟ الحق أني كتبت كما تفهم عن كيفية الكتابة فيها رسالة موجهة للمؤلف لا نقدا، ولكن صاحب مجلة الرسالة وضعها غير موضعها وفيها بطبيعة الحال ما تفهم لأني لا أكتب في النقد أو لا أنشر نقدا على الأصح ولكنها صدق يا أدهم، وأعتقد أنك لو قرأت الكتاب لأعجبت بذكاء الأستاذ سيد قطب كما أعجب، ففي الكتاب فصل هو أعجوبة حقا وإذا تأيدت المجاملة بالصدق فلا عيب ولن يتغير رأيي في سيد ولو ضربني في المستقبل بعصاه المعروفة فأنا رجل كما تعلم منصف وليس لي أعداء من جنسي.

سررت لظفرك بكتاب لتوماس مان وأنا أعلم أن الجبل السحري أحد كتبه الثلاثة المفضلة ولكنه كاتب ألماني لا تنس، أي أنك ستجد ميزته الأولى في العمق والجد لأنهم لا يعرفون الهزار وإني جد لمشوق لرأيك، فاقرأ واصبر فأنت الآن مع رجل قرأت أكثر من مرة أنه أعظم أديب في القرن العشرين وكان من حظي أن قرأت له مجموعة قصص منها أجمل أقصوصة قرأتها في حياتي وهي أقصوصة أو سيمفونية أو سحر ولكني لم أجد مثلها لغيره، فيا بختك ولقد قرأت له أيضا رواية “صاحب السمو” ولم تعجبني وأكثر من نصفها ملك خاص، ولكنه كما قلت وكما قال عنه بعض النقاد رجل ذو روايات ثلاث فاقرأ لي يا عزيزي، أما سَلاَّمة فهو كما يقول بحق أحسن فيلم مصري.

لا أكذبك أن الخاتمة التي لفقوها لها لم تعجبني وأن قصور مكة لم تقنعني وهي بقصور بغداد العباسية أشبه ولكنه فيلم إخراجه حي وموضوعه محبوك وتمثيله قوي وأغانيه آه من أغانيه وآه من زكريا، لكن أتعلم أن الإقبال محدود؟ الأغنام تزدحم بالكورسال وكوزمو، نصيب ثومة منها محدود ولا حول ولا قوة إلا بالله.

المؤلف: نجيب محفوظ

***

أخانا أدهم..
ركن المتزوجين وإمام الراغبين وأمان الخائفين. تتحدث عن الطبع والكتب ولا تدري أن وزارة التموين إذا صح ما بلغنا تنوي أن تحدد ما يطبع من أي كتاب بألف نسخة ومعنى هذا باختصار قتل نهضة التأليف والترجمة في مصر واجتثاثها من جذورها، فادع الله ألا ينزل بنا هذا الغضب الذي يذهب بلجنة النشر وغيرها إلى الجحيم، ولجنتنا كما تعلم لا بأس بها وهي تعد لعام 1946 برنامجا دقيقا نرجو أن توفق إلى نشر خير ما عند الجيل الجديد من ثمار كفاها الله شر غباء التموين.

والعجيب أن ما قرأته من الأدب الألماني أقنعني حتى الآن بأنه جد أكثر من اللازم وهذا ما يطلبه جمهورهم، حتى أن “مان” اعتذر في مقدمة “صاحب السمو”، لأنها ليست من النوع الجد الذي يحبه الجمهور الألماني، وقد قتلتني لأنها جد أكثر من اللازم فتصور.
أهم أخبارنا أن أخاك إسماعيل “استكرد” كاظم في ثلاثة قروش ولا حديث لنا إلا ذلك، كاظم لا ينساها ولا ينام الليل حتى كاد إسماعيل يلين ولكني قلت له بصريح العبارة إنك لم تظفر في حياتك بغير مفخرة واحدة وهي أنك “استكردت” أبو الكاظم فإذا تنازلت عن هذه فماذا يبقى لك؟ وهكذا وضع يده في جيبه مرة أخرى وجن جنون كاظم.

وعن حالي أنا الحمد الله ملتزم بالرجيم وهو معقول ولذيذ أيضا وكم أفادني امتناعي عن القهوة والشاي والصحة الجيدة أما البروستاتا “....” فما رأيك في كل هذا يا دكتور أم ليس لك إلا في الأدب والنقد؟!

يسرني جدا أن أسمع منك حديثك اللطيف عن الحياة الزوجية، فهذا يدل بصريح العبارة على أنك أنبغ حيوان عرفته الحياة وما كان كذلك الدكتور حسان؟ وبعد أينبغي أن أختم بإزجاء السلام وقد انتهى الفراغ.

المخلص: نجيب محفوظ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى