رسالة من البير كامي الى فرنسيس بونج

20 أيلول 1943
(...) لديّ الكثير لأقوله حول مسألة "الكاثوليكية" ولكن يبدو أننا لسنا متفقين حول الطريقة التي تنتقد أنت فيها الموضوع. فإذا كانت فلسفتها غير فلسفتي، وإذا كنتُ أجد نفسي قادراً على مناقشتها حول تفاصيل عديدة، إلاّ أنني لا أملك تجاهها مشاعر كراهية. وعند هذه النقطة بالذات، أظن أن الفلسفة المادية لم تخدمنا كما لم تعلمنا شيئاً. وإذا اعتبرنا أن العقيدة قد وضعت من أجل أن نصل الى استخدامها، فهذا يجعلنا نخلط في المشاريع أو المخططات التاريخية. لأنه بالتأكيد أنها قد وضعت من أجل استغلالها واستثمارها. ولكن هذا مصير كل عقيدة حين تُستخدم بأسلوب غير عادل وحين نبعد عن العدالة لا نعود ننظر الى الوسائل التي أوصلت الى ذلك. فأنا مثلاً لا أظن أن نظرية نيتشيه قد أصبحت نظرية مخجلة بمجرد أن هناك من استخدمها ليجعلها كذلك. وبشكل عام، إذا كنا نريد العدالة وذاك الجزء من الحقيقة الذي يخصّنا، فليس علينا أن نحكم على عقيدة نسبة الى الذين استهلكوها وجعلوها في الحضيض على طريقتهم بل علينا أن ننظر اليها في قمتها. ولا أظن مثلاً أن باسكال ونيومن وبرنانوس... حتى لا اسمي سوى الذين تذكرتهم الآن، لم يفكروا ويعانوا ويتحركوا من أجل الاستغلال والاستثمار لأفكارهم...
وأظن أن نظرتي الأخيرة حيال هذا الموضوع أن أفضل طريقة لنقاوم ضدّ العالم الخالد عبر الحقائق الإنسانية النسبية وأن نعمل عبر قلب الإنسان (وفي عمق قلبه) تلك العدالة حيث كل إبداع هو "أفكار" وما يقف أمام فكرة الله بالدرجة الأولى هو الاختراع الإنساني الذي سمّاه العدالة(...).
أرجوك، عزيزي بونج (فرانسيس) أن تسامحني على هذه الرسالة الطويلة والمتناقضة. ولولا عدم اتفاقنا على كل الأمور لكم كانت الأشياء مضجرة. ولكن في الواقع، نحن نتفق على قضايا كثيرة، ما عدا جزءاً صغيراً داخلياً أشعر بأنه لي وحدي ولا يدركه أحد ربما هو الجزء الذي لا أدركه أنا بنفسي تماماً والذي نقتله أحياناً.
إنه الجزء المتعلق بسوء التفاهم. وأتمنى أن أصل في يوم من الأيام وعبر إرادة صلبة الى حكمة عالية قادرة على أن تتلقى كل شيء وأن تهضمه بسهولة، حينها ستحبني أكثر. غير أنها مسألة وقت ولكننا جميعنا لسنا أكيدين من أننا سنحصل على الوقت الكافي(...) أشدّ على يدك.

.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى