الأستاذة الدكتورة أوتي بوهماير - صورة العربي في الأدب العبري المعاصر.. ترجمة أ.د. عادل الأسطة

عكفت على ترجمة هذه الدراسة إلى العربية لأسباب عديدة هي:
أولأ: لم تأت الدراسات العربية التي تناولت صورة العربي في الأدب العبري، الصادرة في كتب هنا في الأرض المحتلة، سوى على كاتبين ممن درستهم صاحبة الدراسة، وأغفلت-أي الدراسـات العربية-روايات (يورامكانيوك) و (دافيد غروسمان) و (انطون شماس)، على الرغم من أن بعض هذه الروايات صدرت قبل صدور الكتب التي منها كتاب غانم مزعل (عكا 1985) وكتاب عمر غرة (القدس1991).
ثانياً: لكي يرى القارىء الفرق في المنهج لدى الدارسين، المنهج الذي بدا في دراسة مزعل الأسوأ لأنه قام على تجزيء النص وتقطيع أوصاله، وعلى نسبة الأقوال الصادرة عن الشخصيات القصصية، في الغالب إلى المؤلف لأن الكاتب لم يلم بمصطلحات نقد الرواية، وبالتالي فنادراً ما ميز بين المؤلف والراوي والشخصية القصصية، وهو ما تلافاه، إلى حد ما، غرة.
ثالثاً: لكي يفيد بعض الدارسين المهتمين بهذا اللون من الدراسات "صورة كذا في أدب كذا" من المنهج الذي يدرس النص جملة دراسة فنية ودراسة موضوع في الوقت نفسه. وقد أوضحت هذا المنهج بتفصيل أكثر في مقدمة كتابي "صورة اليهود في الأدب الفلسطيني" (القدس1992)،وفيه لا يتتبع الدارس صورة الآخر وحدها، وإنما يتتبع صورة الذات التي تقدم هذا الآخر، وفي معرفة المتكلم معرفة حقيقية نستطيع تفسير الصورة التي قدمها للآخر، وبالتالي نصدر حكماً أكثر اتزاناً على حكمه.
وأشير فـي النهاية إلى نقص مـا، في دراسة الكاتبة، يكمن في عـدم اطلاعها على دراسة(Gila Ramras-Rauch) الصادرة عام 1989 في لندن تحت عنوان (The Arab in Israeli Literature ).
****
ماذا يفعل حضرتكم؟ " " شُئِلَ السيد ك. " عندما تحب إنساناً ؟" " أرسم له رسماً "، قال السيد ك. " واحرص أن يشبهه " من؟ " الرسم " " لا " قال السيد ك. " الإنسان ".

ما تركه " بريخت " في كتابه " قصص السيد كوينر " مفتوحاً، يصلح بحدة للكاتب عندما يوجه الكاتب نفسه للإنسان الحقيقي، وأيضاً عندما تطور الأشكال الأدبية حياتها الخاصة، فإنها تصدر، في النهاية، بالطبع، عن رسم الكاتب، ويتضمن هذا الرسم، إلى جانب الأفكار المعروفة والقصد، النفور والمحبة أيضاً، الشخصية مثل الجماعية. ويؤثر هذا الرسم على آخرين، على رسومات القارئ، وإذا تعلق الأمر في الأشكال الأدبية بواحدة تلتحق بمجموعة، فإنها لا تستقبل فقط من حيث هي فرد، بل تستقبل أيضاً من حيث هي مثال. وهكذا تصبح الشخصية الأدبية لعربي صورة للعرب، ويرتد تأثيرها بالتالي من الأدب إلى الواقع.
لقد شاهد رواد موجات الهجرة الأولى العرب، قبل كل شيء، عمالاً، وتصوروهم رومانتيكيين – قاصرين، مثل " موشيه سميلانسكي " و " يهودا بورلا " وشعر هؤلاء الكتاب، من حيث هم مثقفون ودون معرفة الثقافة العربية ودون الاتصال مع مثقفين عرب، شعروا بأنهم متفوقون ومكلفون وقد أسقطوا، في الوقت نفسه، بسبب الثورات العربية عامي 1920 و 1921، صورة ملاحقـي الشــتات " من الأوروبيين " علـى العرب، ويبدو هذا في كتابات " برينر " و " يوسف أريخا " وآخرين. لقد تشابه " في نظر اليهود " العربي والأرض: غريب ومخيف، وحشي وعدو. وقد أعاقت المواجهات اليهودية العربية، في العشرينات والثلاثينات، تجارب وتصورات أدبية تشكل الجانب الآخر للصورة النمطية. لقد عبّر الأدب العبري، في تلك السنوات عن مشاكل المستوطنين والمهاجرين، وصوّر، في النهاية، الذات ورسم لها صورة اليهود الجدد. ونادراً ما أشار إلى رغبة – تقريباً لدى حركة الكنعانيين منذ 1940 – في تصوير العرب كأقوياء وأصليين.
ولم يكن الكفاح سوياً ضد الانتداب البريطاني ممكناً. وقد أوجبت آمال اليهود، المتطلعة نحو دولة خاصة، عليهم أن يبتعدوا عن المواطنين العرب في منطقة الانتداب فلسطين. لقد احتفل أدب الأربعينيات بـ " الصابرا " الذي ولد في فلسطين، باليهودي العامل والمقيم في الأرض، بمحارب " البلماخ " الذي يريد أن يحرر نفسه من البريطانيين ويفرض دولة إسرائيل. ونادراً ما ظهر العربي في أدب عام 1948، أدب مرحلة تأسيس الدولة وحرب الاستقلال(؟) لقد أشغل الأدب نفسه بتجربة الحرب ذاتها، وأينما ظهر العربي بدا حرجاً وإنساناً مغلوباً يعاني من قدر اليهودي " سابقاً "، ويصبح العربي لليهودي في دوره الجديد، مقاتلاً، حجر محك لأخلاقه وإنسانيته.وما يبدو أندر من تصوير العلاقة مع العرب تصوير العربي.


عاموس عوز:
كتب " عاموس عوز " عام 1963 قصة " البدو والأفعى ". وفيها تسمح السلطات العسكرية الإسرائيلية للبدو، بسبب فترة الجفاف، أن ينتقلوا من النقب إلى الشمال. يقص أنا – القاص، من أحد الكيبوتسات، عن غربتهم، عن الضرر وعن أفعال الثأر لأعضاء الكيبوتس. ولكي يمنع أفعالاً أخرى، يدعو سكرتير الكيبوتس إلى اجتماع، ويطلب من " غيئولا " ابنة التاسعة والعشرين، كما هي العادة، أن تَصْنَعَ قهوة للجميع. المساء خانق و " غيئولا " ممتلئة غضباً لا هدف له. وتقابل في البستان شاباً بدوياً تغلظ له في القول مراراً دون إرادة منها، وتسيء فهم مسالمته، وفجأة تشعر بغضبه، وتنتابها بعد اختفائه حالة غضب وهيجان جسدي وتريد أن تطلب في الاجتماع معاقبته بسبب محاولة اغتصاب مزعومة. وتتداعى بالطبع وتلدغ من أفعى، وتتحقق لها نهاية سعيدة بينما شباب الكيبوتس، ومن ضمنهم أنا القاص، ينطلقون لمهاجمة البدو.
عاموس عوز هو من عائلة صهيونية برجوازية متعلمة، وقد ذهب وعمره خمسة عشر عاماً إلى الكيبوتس. وهو هنا يجمع تصورات كليشيهية لهذين العالمين المختلفين، ويقص من خلال صيغة أنا المتكلم ليغري قارئه، ابتداءً، بالتعاطف، ومن ثم ليكون أقدر على المواجهة مع آرائه المسبقة ومع نموذج الشرح المنغرس.
ولأن الصراع القديم، في أول الأمر، هو بين رعاة ومزارعين، مستوطنين وبدو، فإنه يورّث من العهد القديم. ومن الآن فصاعداً " سيظهر " البدو على أنهم مظلومون وحفاة وذوو رائحة كريهة، وهم في جانبهم المظلم والطبيعة مرتبطان وتقف حيواناتهم نفسها خارج الرعاية البيطرية، وبالتالي خارج الحضارة، إنها بدائية وذليلة مثل الرعاة، ويظهر هؤلاء " ذوي وجه فقط " منزوعي الملامح الفردية، إنهم جمع مجرد. وإذا ما فاجأ المرء واحداً وحده،وقت الظهيرة، بدا ودوداً شاكراً ومتعلقاً بمزاج المستوطن " وتخون ضحكته الطويلة جداً المجردة من المضمون دونيته " وغضبه، ويكون الأمر ليلاً خلاف ذلك: تنقلب التصرفات وتجعل الأغاني الوحشية وطبل البدو قلوب المستوطنين تدق، كما يجعل عواء كلاب البدو وكلاب الكيبوتس مجنونة. وللتو يرمي المستوطنون البدو بالطاعون البقري والسرقة والإضرار. وبالطبع يكفي الرأي المسبق هذا، حين لا يُمسك أحد، إلى تحويل الذنب والعقاب، من خلال سرقة الحيوانات، محاولة الرجم بالحجارة وفعل الثأر الوحشي ضد راع. ويُبرر هذا بتعبير وجهه الماكر الغاضب وبوجهه ذي العين الواحدة، ويسمح لمرتكبي الثأر، حتى أن تمارسه واحدة بأن تضربه منحنياً.

ولا تُحضر الشرطة مع كلاب الأثر الخاصة بها دلائل ضد البدو، ولا يحضرها أيضاً هجوم أعضاء الكيبوتس المفاجئ، ولا يستطيع أن يخفف شيئاً. يربك كبير القبيلة أهل الكيبوتس، وذلك حين يظهر بوقار كامل ويبرهن على الصدق والإدراك، وحين يتفوه بلغة عبرية احتفالية متوازنة. ويتلعثم أمام هذا العربي المتعلم الذي يناقض الصورة النمطية، يتلعثم سكرتير الكيبوتس عبارات من العربية عن أخوة الشعوب وزيارات المودة، ويبدو كما لو أنه يتبادل، مع رجل دولة، عبارات طنانة. ولا يريد شباب الكيبوتس أن يأخذوا بجدية الوضع القانوني أو تهذيب العرب، أنهم يريدون أن يعطوا " الوحوش " تعاليم قبضة قوية " في لغة مفهومة لهم " أنهم لا يريدون أن يتفاوضوا، فهم عمي البصيرة.
تُسقط أيضاُ الفتاة " غيئولا " لا العداء بل الرغبات الجنسية. وهي بفضل ذكائها وتعليمها ومقدرتها النقدية الأدبية، مدانة بالتنازل عن رغباتها الجنسية. لقد أصبحت قاسية. قوتها مشتهاة، وتبقى مع شهوانيتها وحيدة، وتستطيع، على الأكثر، تصعيد تلك الشهوانية. و " غيئولا " عندما يقابلها الراعي ذو العين الواحدة ليست عمياء لآرائها المسبقة بل من " وجدانها الشاعري.
وهكذا تستقبل لغته العبرية على أنها رقيقة، وتستقبله هو على أنه ذو جمال منفر. وتقودها حيرة مشاعرها المتغيرة إلى الإغلاظ في القول وإلى التقرب اللعوب. ولا تلحظ في النهاية الوضع الحقيقي أكثر، ينفجر غضبها وتترك. وبينما هي تصنع القهوة العربية نوعاً ما، " تجبرها بطريقة استبدالية بإرادتها " تتجه القوة الجنسية للتدمير وتنشأ لدى " غيئولا " من خيبتها إزاء سوء الفهم الجنسي المشروط ثقافياً، مخيلة ثأرية، تخدم لذلك النمط من الصداقة والضعف الواضح، البدوي المتخلف طبعاً في الواقع، ذلك الوحشي الذي يجب على المرء أن يقاومه بالقوة، لكي يحول بينه وبين فعالية العنف. وموازياً لهذا يقرر اجتماع أعضاء الكيبوتس أن يتجهوا للبدوي، قبل أن يرتكب عملاً سيئاً مثل الاغتصاب. يريد المرء أن يسبق عدوان الآخر من خلال عدوانه هو.
لا تنسى " غيئولا " التي يعني اسمها الإنقاذ " " الخلاص "، وهي تحت الدوش، في حمام شعائره دنيوية، لا تنسى وجه العربي. تغرق في ثوران جسدي في الطبيعة، ثوران متصالح متفهم بأن الوحشي الذي هو بلا ملامح فردية قد أجبرها، وأخذ المرأة المنحدرة من ثقافة إليه هو في الطبيعة. وتشبهه الأفعى، مرتبطة به مثل الأرض والشعائر، في الجمال واسترخاء الجسد، وتحول الأفعى الرغبة الجنسية إلى الموت.
إن الراعي ذا العين الواحدة الذي يغوي، مع الولاعة المذهبة، في البستان، هو ذلك الطفل، ابن الطبيعة، الخاضع المبتسم مع تلك الولاعة. إنه الذي يقابله القاص، بداية، وهو أيضاً الضحية مع الوجه المخيف، البدو – يسمون في بداية القصة – يظهرون فقط ممتلكين لوجه واحد، الوجه الذي يريد المرء دائماً أن يراه، أنه لكل واحد ذلك الذي يحتاجه ليسقط عليه ولكي ينفس عن ذاته من خلاله.
تبدو القصة تقريباً على أنها تتنازل عن ذلك " الموتيف " العام القديم " المتمثل " في التهديد الجنسي من الرجال " المنتمين " لثقافة عالية في التنافس مع آخرين " ينتمون " لثقافة أقل. وبالكاد يخاف المستوطنون، كمجموعة، من منافسة البدو هذه. إن المجتمع الرجولي الإسرائيلي متأكد من امتلاك نسائه له. ويقدم " عاموس عوز " من ناحية أخرى التكون الجنسي للصراع تماماً في المرأة. إنها مدينة بسبب نقص الحب والجنس عندها، ولديها فن الاستبدال الجنسي. وتربك رغبتها التي لا هدف لها العربي التقي. إنها تسيء الفهم بسبب المشاعر المرتبكة، وهي تهدد من خلال الإغراء، وتفجر الغضب وتريد الثأر، وهي أيضاً سعيدة لفعل القوة حتى عندما يكون تخيليا فقط. وسيثأر فقدان الشعور، من مخيلة المرأة، من جعل العربي موضوع جنس، وموتيف التنافس الجنسي لرجال ثقافتين مختلفتين موجود، وقد حاصره المؤلف وجعله قاصراً على المرأة.
وتبرهن " غيئولا " في " البدو والأفعى " تشابهاً من حيث العمر مع " حنا " في رواية " ميخائيلي " الصادرة عام 1968، والجارية أحداثها في الخمسينات في تفاصيل كثيرة، كلتاهما خائبتان من الحياة ومن الرجل، كلتاهما مدفوعتان في أدوار غير مريحة إلى تنازل لا إرادي، وكلتاهما ترفض الخضوع للرجل، قسمة دور النساء الإسرائيليات، وصلات كلتيهما للجنس الآخر متميزة بقوة الصراع، وكلتاهما تقود إحباطات جنسية ورغبة قوة إزاء العرب، وما هو لدى " غيئولا " راع مشوه، بدوي طبيعة يهرب من أمامها، تتخيله مغتصباً لها، هو لدى " حنا " التوأم الجميل ابنا العائلة العربية البرجوازية اللذان لعبت معهما يوم كانت طفلة، اللذان تحلم بهما الآن بطلين وتخضع لهما. ويجسد العرب لكلا المرأتين الحيوية والتمرد الرومانتيكي والتوق لحياة أخرى. تربط " غيئولا " نفسها مع الأفعى حالمة على أن الأفعى جالبة للموت وأنها ممثلة للعربية وترسل " حنا " في الحلم، التوأم العربي ممثلاً على أنه جالبٌ للموت، التدمير والتدمير الذاتي للمرأتين هو نتيجة هذه الروابط.
ويطالب الرجال الإسرائيليون لدى " عوز " دائماً بالعقل ويصدرون عن موقف مستلطف، كما يطالبون أيضاً في " البدو والأفعى " من السلبي. ويأمل المؤلف نفسه كما ينص كتابه " في أرض إسرائيل " الصادر عام 1983، وهو مجموعة مقالات، بضرورة معرفة الإنسان في العدو، وهو يأمل بتجربة مجسدة بدلاً من الرسوم.

وبالكاد استخدم الإسرائيليون الإمكانية لتجربة مجسدة، للاتصال وتبادل الأفكار مع العرب، بعد رفع الإدارة العسكرية، في المناطق الإسرائيلية المسكونة غالباً من العرب، في عام 1966، وقد كانت الإرادة الجيدة لمؤلفين كثيرين، خلال الغضب الحقيقي، مثل المواقف الصادرة غير الحقيقية، كانت مضرة ولقد ذهبت معاينة ( مناحيم ريجف ) لأدب الأطفال الإسرائيليي عام 1968 إلى أن لا أحد من المؤلفين، لدى تصويرهم للعرب، اعتمد على تجربة شخصية، بل استخرجها – أي صورة العرب – كلهم من حقل فولكلوري.

أ.ب. يهوشع:
إبراهام.ب. يهوشع المولود في القدس عام 1936، هو من عائلة سفاردية مقيمة " في فلسطين " منذ أجيال. وهو، خلافاً لعاموس عوز الأصغر منه بثلاث سنوات فقط دون اتصال مباشر مع إرث المنفى والصهيونية، كما أنه أكثر اقتراباً من العالم العربي. وقد ظهرت روايته الأولى " العاشق " التي تجرى أحداثها في سنة حرب يوم الغفران، عام 1977.
هيأ آدم، وهو إنسان عملي، وأصبح إسرائيلياً دون استشارته، هيأ لزوجته بقصد إحياء الزواج ثانية، عاشقاً هو شاب صغير غير مستقر عاد من المنفى لأجل نصف إرث مأمول، ويصبح كل شخوص الرواية عاشقاً بطريقة مختلفة، بمن فيهم نعيم بن الخامسة عشرة هذا العربي القادم من قرية بعيدة.
لقد وظف آدم منذ بداية الخمسينات العامل العربي الأول في ورشة تصليح السيارات التي يمتلكها، ووثق به، واسمه حميد، وأعطاه مفتاح الورشة فوراً، ويفكر آدم تفكيراً واقعياً ويترك مسافة، ويغضب حول معرفته المتواضعة لمعارفه:
" ماذا تعرفون عنهم؟ يعمل لديّ ثلاثون عربياً وكل يوم أعرف عنهم أقل، تستطيعون أن تثقوا بي ولكن هذا عربي آخر. مختلف عمن؟ أغضب أقف، لا أدرك لماذا أصبحت فجأة غاضباً … إنهم متعلقون بك، أمامك يتملكهم الخوف. كيف توصلتم لهذا؟ ماذا تتكلمون هناك؟ ولكن كيف ينبغي أن أشرح ذلك " (159). ويكرر ما يقوله الآخرون عن حميد:
" ماهر في عمله لدرجة عالية … خيالي، أيد ذهبية وصبرٌ لا حدود له " (160) ويرى أن حميداً مؤمنٌ بواجبه ومخلص، وبالطبع هو في ذاته له غير ثقة. وتتحدد علاقتهما من جانب آدم بأنها علاقة عمل مجردة. ومن هنا لا يتجنب حميد فقط الأسئلة الشخصية، فآدم أيضاً لا يريد أن يتعرف إليه من قرب، فهذا لا يقود لشيء، في النهاية ينمو لديهم شيء في الرأس فقط.

ويختفي خلف استعداده لاحترام غربة العربي وعدم رسم صورة له، غضب التماس وعدم الثقة، ويقلل فعل إرهابي من إدراكه بأن عرب إسرائيل يعيشون في واقعين، ( و) على نزوات إجمالية مفاجئة.
" اليوم " يعمل لدي في الورشة تقي ونشيط مبتسم ومخلص. وغداً يصبح حيواناً قاسياً. الإنسان نفسه حقيقة، أو أخوه، ابن عمه، التربية نفسها، القرية نفسها، الوالدان نفسهما ". (192) والفهم الذاتي الواضح وهما يعملان معاً النهار كله هو شفوي، ولا يجهد أي من الطرفين نفسه، في العالم كله، من أجل تفاهم إنساني وسياسي، وما يربطهما على الأكثر أل ( مورس ) المصنوعة عام 1947، بقية البريطانيين التي يعمل عليها آدم، وحميد معاً.
ومن ثم يلتصق آدم بنعيم أحد أولئك الخدم الصغار الذين يجمعهم العرب حولهم بسرور ويأمرونهم لأنّ هذا يمنحهم احتراماً وثقة (162)، وتبعث نظرة نعيم في آدم ابنه الميت في حادث. ويسأل آدم نفسه، وهو ممسوس، عن هذا الصغير وكيف يحيا، وتطغى عليه بالطبع من جديد حالة عاطفية. وخلافاً له يبدو نعيم هذا الذي يبدو من خلال الاتصال كما لو أنه منوم ويعرف في الوقت نفسه بأن آدم لا يستطيع فهم هذا، وينقل آدم حبه لابنه الميت إلى نعيم الذي يريد أن يعرف، وكلاهما يصبح عاشقاً للتو، ويعطي آدم لنعيم، كما أعطى ذات مرة لحميد، مفتاح الورشة، يعطيه للتو مفتاح منزله، ويغرم نعيم فوراً بابنة آدم، ويصنع مفتاحاً ثانياً له " سلاحاً، ليكون مدخلاً إلى حياة آدم الخاصة وابنته.
في هذه الرواية التي تقص فيها الشخصيات الخمسة الرئيسية بالتناوب ( وبشكل متقطع ) يكون لنعيم صوت مكافئ ( للشخصيات اليهودية الأخرى ) ولا يترك المؤلف العرب يوصفون من اليهود فقط، بل أيضاً يترك العربي الصغير هذا يصف اليهود، ونعيم مراقب ذكي ولماح، فهو يفهم دور حميد فوراً:
يحرص حميد على ألا يثير أي عربي مشكلة ما، وعلى أن ينجز كل ما ينتظره اليهود وألا يغفل أحد مهمته، فاليهود، من ثم، يحملونه المسؤولية كلها.
ولهذا يشعر نعيم أن اليهود يعتبرون العرب ظلاً فقط، ويعطونهم أوامر بطريقة ميكانيكية.
لقد علّم والد نعيم ابنه الأدب، وانتزعه، خلافاً لإرادة نعيم، من المدرسـة، وقد حدث شـيء مشـابه لهذا، ذات مرة، لآدم. وليس ثم ما هو غريب أسـاساً لنعيم. وما يشعره بالغربة ملصق الفتيات الجميلات في الورشة وذلك الطعام في بيت آدم. وبالطبع أيضاً بالنظر إلى هذه الهوية الثقافية الأساسية، النساء والمطبخ، يصبح وسيطاً بين عالمين، يحب نعيم قصائد (بياليك) و (الترمان) ويترك نفسه يصغى للسور القرآنية. إنه مسحور بحياة اليهود، ويجد الأجمل بالطبع مسـاءً في العودة إلى فلسطين(158) يدرك نعيم أن اليهود لا يعرفون شـيئاً عن العرب، بينما يتعلم العرب كثيراً عن اليهود، وهكذا يعتقد " بأن الصهيونيين كلهم قدموا من بولندا "(203) ويعرف أن على العرب أن يؤثروا من خلال نشاطهم لكي لا يثيروا أي ريبة، ويشعر بأن شخصاً ارتاب به وخدعه، ويغضب لأن اليهود يشكون من قدرهم باستمرار، ولأنهم لا يفكرون إطلاقاً بالعرب الذين ليسوا مسؤولين عن (Schtetl )(وضعهم).
نعيم نفسه يوزع على ثلاثة أجيال تعبر كلها عن وجهات المجتمع الإسرائيلي: آدم وزوجته اللذان يمكن أن يكونا له والدين، على الرغم من أنهما يعرفان العربي، على ما يبدو كخاضع، وابنتهما التي تقع في حبه، وجدة العاشق المختفي التي يترك آدم نعيماً يقيم عندها. وتبدو الجدة هذه المولودة عام 1881، لأقربائها ميتة منذ عام 1948، وبالطبع تحيا هي عكس التوقع، مثل صهيونية زمن ما قبل الدولة. إنها تعرف العربي، زعماً، من الرائحة، وهي تتكلم العربية مع نعيم، وتراه بدائياً وتنبهه إلى ( ضرورة ) النظافة والصحة. وهي بسبب الآراء المسبقة لمئات السنين، ليست متأكدة فيما إذا لم يكن نعيم، مثل بقية العرب، يريد قتل اليهود كلهم، وتصبح للتو فرصة لأنه لا يخاف منها، ولأنه يقاوم، وتبقى مدعية بأنه يخدم نفسه كرجل. وهما بالطبع يحترمان بعضهما، يستخدمان ( المنزل ) ويحتاجان( إلى بعضهما ) ويعجبان ببعضهما مثلما كان المثال الصهيوني المبكر قابلاً للحب فقط بتوازن خال من الغضب. ويحلم نعيم: " لو كنت يهودياً " (289)، ويعني هذا في الصحو أيضاً أن يكون عربياً واعياً لذاته.
لا يلاحظ اليهود الغرباء أن نعيماً عربي، بينما يلاحظ هو أن الفلسطينيين الحقيقيين محتارون بأمره. (308)، وتميز الجدة بين نعيم والآخرين الذين هم خطرون " لأن المرء نسيهم " وتتابع في الوقت نفسه بمرارة كيف عاش العربي جيداً في بيتها، وهو بيت عربي قديم، وكيف ثبت. وتُثبّتْ الصلاتُ الإنسانيةُ الحقيقيةُ تعاطفها الذاتي اليهودي ووضعها العرقي المركزي، وابتداء، عندما تنشأ استحقاقات القوة لكلا الجانبين، تثبت ( المعيشة معاً ) كمتدهورة – كما كان الوضع عليه في الماضي اليهودي العربي.
ينتمي نعيم لعالمين يتحدان مرة واحدة معاً فقط، وذلك عندما ينام مع ابنة آدم، دون أن يعرف بأنها تحقق بهذا رغباته ويوضح هذا. يقرر آدم، على الرغم من كل التفهم، يقرر حالاً إبعاد العربي الغريب (419)، مع أن هذا يؤلمه. ويجب عليه أن يبدأ، من جديد، بالبحث عن مقابل مبهج. إنه يستطيع أن يعمل مع العرب ولكنه لا يستطيع أن يعيش معهم بعد، ويخفق عندما يدور الأمر حول ابنته وامتلاك زوجته، وهنا لا يقيم المؤلف أي جسر.
يرى نعيم أن الإسرائيلي ثابت فهو يعرف أن آدم رجل جيد يعيده إلى الصواب، لا إلى قريته، بل – تعبيريا – إلى المدرسة وعليه – أي على نعيم – أن يصبح نداً. كلاهما يحتاج إلى زمن. لقد تعلم نعيم، بالطبع، أن يساعد اليهود. إنه يستطيع أن يحبهم أو يؤلمهم، ولهذا يذهب، وهو الذي جاء بلا أمل، مليئاً بالأمل (443) لقد خبر اليهود من ناحية تصورهم، وبهذا أيضاً ( عرف نفسه شخصياً ).
نعيم هذا المنتمي لعالمين، المبشر بالتفاؤل، ليس بالطبع العربي الوحيد في رواية يهوشع. أبوه على سبيل المثال يتجسس منذ خمسة وعشرين عاماً لليهود، ولا يفهم مع ذلك لماذا لا يحصل ابنه الأوسط عدنان على مقعد دراسة، ويجب على نعيم القادر على التعلم، وهو الصغير، أن يكسب المال لأن أخاه الأكبر يدرس منذ عشر سنوات في انجلترا، ولأن عدنان يريد أن يدرس على الرغم من أن شهادته لا تكفي. والأب ممزق، وهو يفكر تفكيراً تقليدياً ويتصرف بلا حرية. عدنان، هذا الطموح-لعطش المعرفة تقريباً-يوجه نفسه تماماً نحو أهداف غريبة، إنه مجرد من جذوره.
ويعبئه هذا بالكراهية، بخاصة إزاء اليهود الذين حسب رأيه جعلوه يسقط قصداً. هذه الكراهية اللاعقلانية تحميه إزاء معرفة الذات، ويجب أن تنمو مع الخطر المتنامي لفقدان الوهم، إنه يرتكب فعلاً إرهابياً يقود أخاه نعيماً، المتأرجح بين الإعجاب والخجل، وحده إلى كرامته المريضة. يذيع راديو دمشق كذبة متعجرفة حول العملية، فيما يقول رجال المخابرات الإسرائيلية للعائلة الحقيقة عن " القسوة، الشجاعة، الجنون" (196).

وينفجر الأب باللعنات، بقسم الولاء والشكوى، ويعتبر جميع الإرهابيين مجانين، ولكن نعيم يرى "إنهم لا يصدقوننا: لا يصدقون بأننا نؤمن بما نقول، لكنهم غير مستعدين لسماع أقوال أخرى عنا "(169). ويستطيع المرء أن يضيف أن لدى هؤلاء الإسرائيليين تصورات لا يمتلك العربي أية فرصة إزاءها، وإزاءها لا تصل الحقيقة.
وربما ذهب أبرهام يهوشع نفسه، وهو واحد من فناني النتوءات الأدبية والنفسية، أيضاً، لتصوير الحدث عندما جعل الإرهاب بما فيه لا عقلانيا وفكرة صبيانية، ويمكن أن يكون الإحتقار رد الفعل الطبيعي للإرهاب، ولكن للتو لأنه يشق عليه، أن يضع نفسه في الإرهاب، لكانت المحاولة ممكنة -على الأقل في الأدب.

يورامكانيوك:
صدر في عام 1984 في تل أبيب، إبتداءً، كتابٌ ليورامكانيوك تحت اسم مستعار لأنا-قاص، عنوانه "عربي جيد " وتتكرم الرواية لتكون مساهمة سياسية ومحاولة يكتبها إسرائيلي من وجهة نظره، إسرائيلي عاش تمييزاً لأن أمه يهودية وأباه عربي.
وأنا-القاص يوسف مطلوب من الإسرائيليين ومن جهاز مخابرات عربي، وهو يعيش في باريس تحت اسم مستعار، وهناك يكتب سيرته الذاتية، وكانت السلطات الإسرائيلية قبل بضع سنوات قد رفضت إلحاقة في الخدمة العسكرية. وفي الدورة إساءة نرجسية، وقد جعله هذا منقبضاً، ويكون تدوين سيرته الذاتية محاولة متأخرة لإعادة إنتاج هويته الشخصية والقومية.

لقد شعر يوسف دائماً على أنه سليل جدين من ألمانيا، الرجل أستاذ طب جامعي محب للفن، والمرأة امرأة غنية، وهي ابنة صاحب بنك مصابة بمرض القلب. لقد اصبح الجد منذ عام 1917 في فلسطين، من حيث هو ضابط ألماني، وكان مكروهاً من الأتراك والعرب واليهود الذين كانوا واقعين، إلى حد بعيد، تحت تأثير التقاليد اليهودية الشرقية، وكان بالطبع مجذوباً من عائلة عربية كأنها أرستقراطية تقيم في عكا لها بناية ساحرة ذات حديقة خيالية أبرز فيها الأمير الأسطوري الصغير عازوري، والد يوسف، أشكالاً هندسية. وكان هناك ثمة حب، من النظرة الأولى، بين الجد وعازوري يلهج بالنرجسية والمثلية. ويتزوج الجد بقصد إتمام هذا الحب، في برلين، الصورة العاكسة لعازوري هذه التي تعشق فيما بعد عازوري. ويخاطب العربي عازوري عام 1936، حين لم يكن ثمة معسكر اعتقال ليوسف-أولكانيوك-، وإن أُعطي النجمة الصفراء، يخاطب الزوجين بمن فيهم البنت، من اجل الهجرة إلى فلسطين، وتصبح هذه البنت في (حرب الإستقلال)(؟) مسحورة "بالطقوس الساحرة للموت " (98)، ومتجهة نحو البطولة، بينما يدرج عازوري نفسه، مع خمسة خريجين جامعيين على انه شيوعي، وذلك من أجل الأخوة، ولأن أقرباءه مثل العرب جميعاً ضعفاء يصرخون فقط. ويحب عازوري والبطلة، عام 1950، بعضهما، ويتزوجان ويفران بسبب الغضب اليهودي، عبر ال(Mischahe) إلى باريس، وهناك يولد يوسف، وفيما بعد يصبح يوسف في اسرائيل شاباً يهودياً جيداً ينسجم مع عائلة الأم لا مع عازوري الأب المضطهد، ويكتشف وهو في الثانية عشرة من عمره، العربي فيه، وتحديداً شهوانيته، ويرى في الثالثة عشرة من عمره، أي عام 1964، أنه "يهودي اليهود"(201). إنه لا يمتلك جمال عازوري الذي يعود إلى مجد الفروسية، إلى بحر الشمال والحروب الصليبية، ويخضع بالطبع للفتاة من خلال الاعتداء الجنسي والجنس العدواني ويشعر أنه ينتمي إلى " عنصر ملاحق "(125) وبذلك يضبط عازوري لأن دمه دم عربي كامل، ولأنه " حر من الدم اليهودي الملعون" (159)، و"تلاحظ صديقته " طبعاً، " مفتاح جيناته الآخر" وتجعله، في النهاية، لدمه العربي مع أحلامه العربية، مجنوناً "(200)، ويتمنى عام 1967 أن ينتصر العرب ثأراً لعدم السماح له بخوض الحرب، ولدى زيارته الضفة الغربية يصطدم بواقع أولئك العرب الآخرين الذين بدوا له بلا أمل مثل أولئك الفاتحين، ويريد أن يكره الجانبين، ويترك نفسه يُطلب من جهازي مخابرات الطرفين.
يعرف يوسف من هو المسؤول عن هذا كله: " هؤلاء اللاجئون الذين تسلموا الدولة "، الملاحقون مرة الذين يثأرون الآن للضعف (125)، فاقدو الإحساس من خلال الشتات ومجازر النازية، هؤلاء لا يملكون أخلاقاً، ويبدو لهم قدر العرب، بغض النظر عن قدرهم هم، بلا معنى(199)، ويصلح بعد عام 1977 على أنه عربي. ويقدمه هذا على أنه مسالم، جبان، مخنث، قابل للاحتكار، ثرثار، حالم بعبث الوحدة العربية ويقول له المرء: ان العرب جميعاً بياعون وأن القلة الواعية منهم هي لدى فتح. ويشعر هنا بأنه مدان بكليشهات من القسوة، بأنه العربي البدائي مع خنجر بين الأسنان ".(211).
وتفتقد محبوبته العربية فيه الرومانسية اليهودية، يضربها فتدرك أنه عربي وترفض ازدواجية أخلاق الرجال العرب، وتريد مثل كل عربية متمدنة، زعماً، عاشقاً يهودياً فقط. ومن حيث هو يهودي يعرف يوسف العكس: إن العرب يسرقون النساء اليهوديات أو يعيبونهن كإبدال عدواني، وطبعاً لكي يتزوجوا من ثم عربيات.
يدين يوسف بوجهات النظر التاريخية لأبيه وعمه . أبوه عازوري مؤرخ عالمي معتبر، يوضح:" كان ينبغي علينا أن نخاطب قيادتنا، لكي يقبلوا خطة تقسيم الأمم المتحدة، ولكننا لم نفعل هذا، لقد أراد اللاجئون مع جراحهم الدامية دولتهم الخاصة، وقد أسقط هذا من حسابي، لأن شعبي لم يمتلك وعياً كافياً، ليأخذ الفرصة التاريخية بعين الاعتبار. لم يدركوا أن المرء قدم لهم الاستقلال. لقد أرادوا الكتلة كلها، والآن لا يملكون شيئاً(103). أما العم في بيروت فيأمل بالإنقاذ من خلال إسرائيل: " لقد تركت عما قبل أربعين عاماً، أنا لبناني مسيحي. عندما رحلت من عكا لم يكن هناك بَعْدُ فلسطيني، لقد كان اليهود الذين لغبائهم أنشأوا وطناً لعازوري، في ذلك الوقت كان هناك فقط قوة انتداب بريطاني والحلم القومي العربي في سوريا الكبرى، الآن نرقص جميعاً وراء مزمار السوريين، والكل يقتل باسم الله والأرض المقدسة المحتلة. هنا الجميع مرتش ومتعفن حتى العظم. ليس هنا ثمة جنود، بل مستخدم غادر لخائب عربي. لا، أنا لست فلسطينياً".(234).
ويوضح يوسف أن المخابرات العربية غير متخصصة، وأن مقاتلي الحرية يجرون، في مطعم ليلي ببنادقهم ذات الحربة، وراء فتاة عارية. وقد أعلن ذات مرة:"ثمة أيضاً بعض يهود أغبياء عاطفيين، وبعض عرب مفكرين وحصيفين"(25). وطبعاً تقدم الرواية صورة شوهاء للعرب، وتجعل منهم سبباً لتشوههم. وتتركهم يبررون وضع الإسرائيليين.
ولكن ما يختفي وراء الاضطرابات اليهودية العربية كلها صراع نفسي شخصي: لا يكره يوسف أي شخص كرهاً كبيراً مثل شخصية الأب الاسرائيلية، أحد الرواد(الأوائل)، صبي الطبيعة، أب العائلة، الضابط الأسبق الذي يريد هنا أن يعيقه،بدل موته في الحرب على الأقل أن يصبغ قطعة صحراء دماً أحمر. يوسف الأوديبي المزعج جداً مع خياله الرباني يرغب في موت الأب، لأن الأم تحبه، ولأنها ميتة منذ زمن فإنه يستخدم زي محبوبته اليهودية لفعل استبدالي:" أنا أرغب في أن أضاجع زي أمي، لكي أقتل أبي "(160)، وهذا يمس تصور الأب الإسرائيلي الذي يصبح أباً عربياً ليستخدمه فقط كبش فداء.

"العربي الميت فقط هو العربي الجيد" يوضح يوسف أخيراً، ولا يعني عنوان الرواية القاص يوسف، بل الأمير العربي الأسطوري والمثقف عازوري، الذي يجعله يوسف طيباً ليقتله فيه.

وتستخدم الرواية، ذات الأفكار الطائرة، محضرة التأثير، المتفاخرة، العدوانية وغير العاكسة، تستخدم العربي والصراع اليهودي العربي لإسقاط شخصي. أنها يمكن أن تستخدم كمادة لعلاج مرضي، ولا تقدم أية معرفة حول القيمة المنفعية لعصاب العربي. هذه الميلودراما السياسية المدعية ليست فقط مجرد تهافت (انحدار) داخل الإنتاج الأدبي للمؤلف، أنها تقذف يورامكانيوك نفسه الذي يدرج نفسه، منذ سنوات، من اجل تفاهم إسرائيلي عربي.

ديفيد غروسمان:
تعتبر رواية غروسمان"ابتسامة الجدي" الصادرة عام 1983 رمية أدبية موفقة، وهي أيضاً كتاب سياسي مثير للاهتمام. يقص غروسمان من خلال اربع شخصيات محورية متبعاً أسلوب وجهات النظر: الحاكم العسكري كاتسمان والضابط المدني اوري وزوجته، وقاص الحكايات العربية حلمي الذي يقيم في قرية من قرى الضفة الغربية المحتلة1967.

يبلغ اوري حلمي بأن ابنه يزدي قد قتل في هجوم شنه رجال فتح. وعلى الرغم من –أو بسبب-رابطتهما العاطفية القوية يحتجز حلمي اوري رهينة، وذلك لكي يضغط من أجل انسحاب القوات الإسرائيلية. ويريد كاتسمان أن يحرر اوري وحده بدون قوة، ولكن حلمي يعدمه بدل اوري، ومن ثم ينهزم حلمي شخصياً.
وتعتبر الرواية أول عمل أدبي إسرائيلي يشغل نفسه بوضع المناطق المحتلة، بالصراع بين إسرائيل والفلسطينيين الحقيقيين غير المدجنين. ويظهر حلمي في هذه الرواية معتزلاً قريته اعتزالاً اختيارياً، مثله مثل شـخصية كانيوك التي تقص-أي شخصية يوسف الذي يعتزل المجتمع الإسـرائيلي اعتزالاً لا إرادياً. والسـبب الذي يرغب حلمي في الاعتزال يكمن في المأوى ومجال الحياة، ويُرسـم حلمي في الرواية في صورة شـكل تقليدي لـ " قاص " الأدب العربي، الأحمق العاقل، العاقل كبير قاص الحكايات " تؤخذ الحكمة من أفواه المجانين "، ومثلما تبدأ قصصه بعبارة "كان يا ما كان"، فإنه هو نفسه "يوجد أو لا يوجد ".

وفي حين تبدو الشخصيات الأخرى ملتزمة بالواقع، يبدو حلمي معبراً بين الحقيقة والخيال. وأمه هي تبدو جوهر المرأة العربية الحيوانية اللاأخلاقية، وليس زوجها الزوج الضعيف فقط، بل هو جوهر صياد اسطوري.. ونمو حلمي نمو طفل وحشي، ويدخل في "طور" الثقافة عندما يبدأ يتكلم بخصوص محاولة انتحار ذلك الأب الضعيف. ويقتل حلمي أباه ليجد له مخرجاً من الحقارة " هذه التي تقتلنا جميعاً، التي تلقينا أرضاً وتسحقنا منذ قرون حتى ندعوها قسمتنا، وهي التي تحول رجالاً في الثلاثين من العمر إلى عجائز، وتمنع شباباً من الحلم بما ينبغي للناس في كل مكان أن يحلموا به "(29). ويرجع حلمي الحلم بالحرية وحكم الذات إلى فترة سابقة تعود إلى بداية الحكم التركي منذ 1517. وعندما يقتل حلمي، الذي هو نتاج القمع، أباه الحقير، يوجد له حالاً أباً بديلاً أســطورياً هو " مخلصه وراعيه". وللأب هذا " يمكن " أن يخرج شخصياً من الحقارة، -أو لانفجار يدين لتجربة طيرانه الأولى التي هي التحاق كهنوتي- ويستطيع حلمي " ذو العين الواحدة، منذ ذلك الحين، أن يرى خلف الأشـياء وأن يعرف الحقيقة. وهكذا أيضاً يعرف " السذاجة، الابتسامة الحمقاء، ابتسامة الجدي "(23)، والبراءة الطفولية لوجه أوري. ويترك أوري الذي يحترق، مثل شخصيات الرواية الإسرائيلية، بحثاً عن معرفة الذات وصيرورة المعرفة، يترك نفسه تتسلل إلى عالم حلمي. يقول حلمي له، " بسعادة غامرة نادرة، " مثل مغرر حيي "، يقول له " بأنه يمكن أن يصير سيداً أحمق "(12)، تعويض ما لابنه الميت، وقد سرق هذا - أحد أطفال أصهاره الكثر مقابل الدفع - سرقه من أمه لكي يصبح شخصياً أماً: ولكي يؤكد له البراءة وامتلاك الأمومة فقد جعله مجنوناً.
ويغار أوري على هذا الابن، وينقل نفسه على حلمي، طبعاً، أمنية صورة الأم. ويسبب له نقل تصور الأم على حلمي، ذات مرة، الزواج، ولكنه لا يجد في زوجته الأم أو المحبوبة. ويجد حلمي في الصورة المتمناة لليلى الجميلة والذهبية والقذرة(128)، الأجمل والأقذر والأطمع من كل النساء، يجد حظه. ويتوقف أوري في انقسامه الفطري بين المرأة المبجلة والمحتقرة، الحماة الاشكنازية والعاهرة العربية، يتوق إلى تعايش الأم - الطفل. ويسمح له، لدى حلمي، أن يكون أميراً صغيراً، بوابة نظيفة دون مسؤولية ودون ذنب. وهكذا يقيم حلمي الذي يأكل يومياً التراب، القوة السحرية للأمومة، وتمكنه لعنة الواقع من أن يبقى، في كهفه، بعيداً. ويقف العربي إلى جانب الأمومة قطباً مناقضاً لمجتمع الرجال الإسرائيلي الذي يستهلك الآباء فيه أبناءهم، ويهددون أن يدمروا قيمهم العميقة ومراكز هؤلاء الرجال جميعاً الغائصة. إنهم حالمون مثل كاتسمان، يعذبون أنفسهم بين المثل والسياسة مثل صهر أوري، ويسعون متشككين وغاضبين غضباً كبيراً لمعرفة الذات والحقيقة. يعيش حلمي في الحقيقة، حقيقة تجربته السحرية وحقيقة عالمه الأسطوري. ويكرر قاص الحكايات - أي حلمي -حكاياته دائماً وأبداً، لكي يثبتها في الذاكرة، كما لو أنه يعيش في ثقافة غير مكتوبة. إنه يحارب الكذب بالكذب ويسحب نفسه من الأشياء في فهمها، ليجد مهرباً له من الواقع. وتهدد الكتابة هذا العالم الأسطوري للعربي الجيد، ويهدد ابنه متعلم الكتابة واقع الإسرائيليين. لقد أغرى بعض أعضاء فتح ابنه بالتعلم، هؤلاء الذين يحتقرهم حلمي لأنه يرى فيهم مجموعة ممثلين متجولة أو منظمة متشددة. ولا يرسل ابنه يزدي، من بيروت، للتو، إشارات أطلع عليها أباه حلمي، بل يرسل إشارات أخرى تبدو لحلمي نظام " إشارات غريباً " يقول عنها المعلم " الذي يقرأها لحلمي ": " الحبر على الورق مراق، وذوبانه سيوحي بالموت "(36) ويرجوه في الوقت نفسه " تعديل الأساس المذل، وإعادة طلب الشرف "(36).
وتريد فتح، أكثر من هذا الشرف طبعاً، تغرب الشاب العربي نفسه، إنها تملأه بالكراهية والشعارات " ليصبح مثل حيوان مهيج، وترسله في ملابس بهلوانية(37)، وتدرس الأحمق الجريمة. ويتأمل حلمي نهاية القصة(145)، إنها تعني بداية التاريخ. والعربي الذي يدخل إلى الواقع من التاريخ، من الأسطورة إلى التاريخ، يحضر القوة والموت، التدمير والتدمير الذاتي.
وعلى العموم فإن الشعب العربي بلا وعي، حيواني، يعتقد بأهميته، ويعوّد نفسه، بسرعة، على الظلم. يريد المختار، دائماً النفوذ فقط، ويستخدم عبارات داعرة، وهو يتصبب عرقاً إزاء الغضب. وتصرخ النسوة والأطفال مثل الحيوانات، ونادراً ما تؤثر انفجارات مشاعر الرجال تأثيراً حقيقياً. ويشعر العرب، فوراً، بالذل إزاء استقامة المحتلين الذين هم مختلفون عن الأتراك والإنجليز والملك حسين الذي ذبح جنوده ( الفلسطينيين ) بلا رحمة(183). إنهم يقرون، كما هو لدى كانيوك، بصورة الذات للإسرائيلي، ولا يتهمون الإسرئيليين، بأنهم غير فاعلين، بل يرمونهم فقط بالظلم المذل للمحتل.
يقف حلمي إلى جانب المقاومة السلبية، ويود أن يرفض حسنات الإسرائيليين مثل المال والأغذية والدواء والاستقامة، هذه التي هي أخطر من القهر والقوة. إنه يعرف أن " الغازي يغزى وأن الظلم يمتلك أيضاً أسناناً على الذيل(278)، يعني أن الضحية تعض مثل الجلاد. ويعرف أوري أن ظلم الاحتلال هو كوظيفة ذاتية، ويطلب احتجاج العرب. ولا يريد كاتسمان أن يبقى غازياً محتلاً، لكنه يخاف، طبعاً، من دولة فلسطينية تعيش فقط على كراهية الإسرائيليين. إنه يشك في حل عادل، ويرى في الطرفين رهينة سياستهم. إنها الإزاحة التي يحيلها على الذات: يجعل من ابتسامة أوري، في نهاية القصة، ابتسامة مهرج زجاجي، ابتسامة ذئب(372). عندما يثبت حلمي العربي الرومانسي، من خلال الخبر عن موت ابنه، من الأسطورة إلى القصة، لأوري لا يطلق النار على رهينته أوري، بل يطلقها على كاتسمان العارف والمسؤول الحقيقي. وهنا يصبح أوري الحمل الإسرائيلي ذئباً.
لقد تحمس أوري: " كم هو سـيد حلمي. لو قص عليّ امرؤ بأن ثمة إنساناً كهذا بينهم ( أي بين العرب ) لما صدقته. حقاً كم هي قليلة معرفتنا بهم "(159). وما يبقى جديراً بالسؤال يكمن فيما إذا كنا نحن القراء، حسب هذه الرواية، " بدأنا " نعرف العرب أفضل، ويصبح اهتمام غروسمان أكثر للجانب الإسرائيلي منه للعربي الذي وجب عليهم أن يبرزوه.
مقالات غروسمان " الزمن الأصفر " الصادرة عام 1987 كانت تحت عنوان فرعي آخر " التراجيديا الإسرائيلية الفلسطينية "، لقد سافر غروسمان خلال أسابيع كثيرة في المناطق المحتلة وتكلم مع الفلسطينيين قبل الآخرين، ولكنه تكلم أيضاً مع المستوطنين. لحظة زيارته الأولى لمخيم من مخيمات اللاجئين تؤكد ميوله ( ميلا ) لنقل " ما يرى ويسمع ". تذكره النسوة المسنات بجدته لأمه، البولونية الأصل، ودائماً أبداً يدعو إلى التطابق، فيقارن الفلسطينيين مع أقربائه - طبعاً شيء ممنوع، إذ عندما يريد أن يسحبهم على أقربائه، يجب عليه أن يقيسهم وفق ثقافته الخاصة، وفق المدنية الإسرائيلية.
وما يقدم للفهم أيضاً ولثمنٍ بأن الآخرين يجب أن يصبحوا مشابهين لهم " أي لليهود " هو مقارنة انسحاب الفلسطينيين من التاريخ مع الشتات اليهودي. وبمباشرة عمياء أمام إرادة حسنة يعمل غروسمان رسماً للفلسطيني في صورة ذاته، ويحرص للتو على أن يصبحوا مشابهين له، وهكذا يمكن أن ينشأ تعاطف ما، يمكن أن يمتد إلى ما لا يجعل الهوية الخاصة موضع سؤال، وهكذا يجب أن تحدد م.ت.ف أداة في أيدي أؤلئك الذين يصنعون مع الموت مصالحهم(26)، على حين تقبل منظمة الإرهاب الإسرائيلية(أرغون)، في زمن تأسيس الدولة، قوة عسكرية.
لا يسجل غروسمان بأن شعارات الكراهية (التي يحفظها) أطفال الروضة الفلسطينية تمرضه، ولهذا يقرر، من خلال أداة فاسدة: " الفضيلة هنا لا تراعى(30)، وبالكاد يقدم على أن ينقد أن الطاقات كلها (توجه) للتعصب لا لتحسين (العلاقة). ويترك الفلسطينيين، بضمير معذب، يقارنون مستوى حياتهم المعيشي مع الإسرائيليين، لا مع العالم العربي. ويمد الفلسطينيون فترة احتلالهم، كما هو الحال في روايته، إلى فترة حكم " المجرم حسين " حتى الأتراك. ويشهدون أيضاً، كما هو الحال في الرواية، للإسرائيليين بأنهم أذكياء ومستقيمون، على الرغم من أنهم-أي الإسرائيليون-بنوا نوعاً من السجن كبيراً ومتقدماً(12)، وسلبوا الأرض والتقاليد والشرف. وما يظهر من جديد هو التفكير بأن كلا الجانبين سجين الاحتلال، وأن الوحشية الإسرائيلية تترك المجال لنفسها، لتعقد على الخوف. ويشكو العرب، كما في الرواية، اهتمامهم السياسي. هـذه الخطوة فـي الحقيقة، هي طبعاً شرط لتقرير المصير، ولـكنه-أي تقرير المصير-لهم هـو سؤال الشرف لا سؤال السياسة.
ما يجري لدى تقارير غروسمان معقباً هو المشاعر لا الانعكاس، ويقتبس غروسمان لادراكات، صداقة إسرائيل مثل نقدها، التي تتطابق معه حرفياً، ولا تصور ادراكات أخرى، ولو مرة واحدة، بل ترد مخادعة(67). يتجنى غروسمان على طالب عربي بتفهم كامل. لقد أراد (الطالب) أن يؤثر على فتاة،وعندما رآها تسير في مظاهرة ضد الإسرائيليين"يخيب بلا حدود"(67). وهكذا يصور، من جديد، محاولة تطابقه التي يجب أن تخفق، أينما يتجاهل العربي مشروعاته، وأينما هي مختلفة، تبقى"للعربي" غريبة.
ويبدو الفلسطينيون، فيما بينهم، في نظر غروسمان، منقسمين،ويحتقرون عرب إسرائيل(؟)، ويثمنون أنفسهم، ويخافون، بعد انسحاب الإسرائيليين، من مجزرة ويجد غروسمان البيوت العربية، القائمة في الضفة الغربية، فاضحة، ويندهش، حول شروط الحياة غير الشرعية للعمال الفلسطينيين في إسرائيل، اندهاشاً بسيطاً. وتعني إسرائيل للفلسطينيين البناء وشروط الحياة" الجيدة". وفيما يتعلق بالإرهابيين فإنهم يرون"لهم" فقط السخرية والاحتقار. وما يظهر حدود غروسمان هو استئنافه للشعور مع عائلة أحد الإرهابيين المعاقبة، دون أن يترك هذا الشعور للقاريء: يريد غروسمان أن يكون جيداً، يريد أن يحني نفسه إلى اسفل نحو الفلسطيني ليرفعه إلى الأعلى، ليحب لهذا.
ويسأل غروسمان، ذات مرة، مستوطناً يهودياً عن الأسوأ في نظر العرب بخصوص الاحتلال. وعندما لا يحصل على جواب، يعطي الجواب الذي وجده لنفسه. هذا هو أساس معيار كتابه: بدلاً من الإصغاء إلى المقابل بصبر، يضع المؤلف رؤياه الخاصة للنقاش. وربما هذا هو الصفة الأساسية للمأساة الإسرائيلية الفلسطينية، بدلاً من الإصغاء للجهة الأخرى، يسير كل في تصور ذاته.
أنطون شماس:
موثوقاً به يبحث انطون شماس في روايته "عربسك" عن صورته الذاتية. والرواية التي صدرت عام 1986، الرواية السيرة الذاتية تجري جزئياً في شمال الجليل حيث ولد شماس عام 1950 مسيحياً عربياً، وجزئياً في أثناء لقاء المؤلفين في الولايات المتحدة الأمريكية. ويترك الزخرف المليء بالفن لتاريخ العائلة، العائد حتى القرن 19، المجال لنشوء عالمه الخاص تماماً. تدرج التقاليد والأساطير والمعتقدات الخاطئة طيلة النهار، ولا يعني هذا، طبعاً، وعياً أسطورياً غير حقيقي. ويخدم الجريان التاريخي، كتوجيه اطار قصة العائلة، الحاضر السياسي حتى منتصف الثمانينيات.
العائلة مهاجرة من سوريا ومن لبنان. ثمة مهاجرون من وراء البحار، وثمة مهاجرون بسبب الاضطرابات والهروب والملاحقة، ولم يقارن شماس، طبعاً، قدر أسلافه مع اليهود إطلاقاً. ووجب عليه أيضاً ألا يؤسلب، فهو لا يقص من"خلال" شخصيات تمثل دوراً، أو شخصيات حاملة أفكار، بل يقص من خلال شخصية إنسانية. ويصور العرب كما يصور اليهود في تعقد مشابه. ويخلق المتفوقون والمقموعون من خلال علاقات القوة، لا من خلال الثقافة الأخرى. ليس ثمة صدمة حضارة وليس ثمة اقتلاع روحي، وليس ثمة إهانة جماعية، ويمكن أن تندمج الهوية العربية تقاطعاً.
وبالطبع كما السيرة الذاتية تخدم هذه الرواية إنتاج هوية شخصية، وينشأ هذا نفسه من خلال التحديد والتلاعب. ينتج شماس من يهوشع وعوز وأخرين شخصية الكاتب الإسرائيلي(يهوشع بار-اون) مقابلا له (لشماس). ويتخيل هذا المؤلف الإسرائيلي الذي يبتدعه شخصية أدبية، ويعكس كلاهما هذا. أنه يترك بار-اون يسأل: من يطابق صورة العربي، يضع حدوداً لمن، من يمتلك شيئاً عالمياً، من لمن يفرض صورة أو صورة ذاتية، نعم حتى فيما عرف القارىء الحقيقة الإسرائيلية لعربي من حيث هو خيال"قصة" أو فيما إذا سيثبتها-أي صورته عن العربي-ويرمي نفسه بأنه إسرائيلي، إنه إسرائيلي ويرمي نفسه على أنه عربي. وبين المؤلفين في " أيوا " يجد شماس نفسه بين مؤلف إسرائيلي وفلسطيني، ويبقى بين التطابق والاختلاف "سؤال" اختبار الذات.

ويظهر، إلى جانب تلاعبات كثيرة على الأدب الإسرائيلي، تكرار لرواية "فيلا كاترسWilla Cathress " "My Antonio " الصادرة عام 1918، ولكن دون أن يمدح محتوى هذه. ويعتبر شماس نفسه هذه الرواية الأمريكية مرشداً له. إنه يتعامل مع صداقة حياة طويلة لقاص أهلي قديم في "أيوا" مع ابنه أحد الرواد الأوائل التي تصبح مشابهة دائماً لجدته كما تصبح له دائماً سارة.

وتناقش صورة العربي التي يرسمها شماس في "عربسك" الملاحظات المتبادلة الحلزونية. وتجرد كل الأفكار النمطية من سلاحها. ويريد شماس أن يوصف ببساطة على انه مثقف لا على أنه عربي متعلم، وهو يطلب المساواة ويطلب النظر إليه من حيث هو فرد لا من حيث هو يمثل مجموعة. وقد انتزع شماس للغته المتفوقة وإنتاجه الثقافي لروايته، انتزع شخصياً الأمرين كليهما.
وبالتأكيد فإن قلة تجربة المؤلفين الإسرائيليين مع العرب ما زالت سبباً للتصور النادر والمربك للعرب في الأدب الإسرائيلي وما برحت شعارات مثل التقاليد والشرف، لمحاولة التقرب من صورة العالم، تستبدل وعياً ومضموناً سياسياً. وتظهر دائماً، من جديد، مستويات مشابهة تبدو مبرهنة على برنامج مشترك، يستعملها يهوشع، على سبيل المثال، أقل، وكانيوك أكثر. ولقد وضع عاموس عوز الآراء المسبقة التقليدية موضع سؤال، وحاول أبراهام يهوشع أن يرفعها. ويترك كلاهما، بطريقته، " طريقاً " لتفاهم عربي يهودي، ويخفق على صعيد المرأة. ويستخدم ديفيد غروسمان العرب " للأم – الانتقال "، ويسيء كانيوك استخدامها لإسقاط أوديبي. ولا تبرز أية يوتوبيا لدى أي من هؤلاء، على الرغم من أنهم جميعاً، خارج الأدب، يعتبرون أنفسهم من دعاة التعايش السلمي مع العرب ( حيث يدعون إليه ).
وقد وجب على الإسرائيليين بخصوص تأسيس الدولة، أن يبنوا هوية قومية قوية. والتمييز الضروري الآن للهوية الجماعية في هويات شخصية، هو، للمجتمع، قضية مثيرة للغضب. وفي هذه القضية الجديدة يذهب اكتشاف الذات على الآخرين الذين قالوا إنه يميل إلى أن يجعل من الفرد العربي رومانسياً، وأن لا يسيسه، لأنه يريد أن يتصالح معه، ولأنه يريد أن يحبه.



المصادر التي اعتمدتها الدراسة:
- عاموس عوز: البدو والأفعى السامة " قصة في" Der Monat" 244/1969.
- عاموس عوز: " ميخائيل الذي يخصني " رواية دوسلردورف، 1979.
- عاموس عوز: " في أرض إسرائيل " فرانكفورت 1984.
- أبراهام ب. يهوشع: " العاشق "، رواية فرانكفورت 1982.
- يورامكانيوك: " معرفة عربي جديد " فرانكفورت 1988.
- ديفيد غروسمان: " ابتسامة الجدي " رواية، ميونخ، 1986.
- ديفيد غروسمان: " الريح الأصفر " المأساة الإسرائيلية الفلسطينية، ميونخ، 1988.
- أنطون شماس: " عربسك " رواية ميونخ، 1989.


ملاحظة:
نقل الكاتب حسن خضر رواية " غروسمان " " ابتسامة الجدي "، مؤخراً إلى العربية،وصدرت الترجمة عن اتحاد الكتاب في القدس، وكان محمد حمزة غنايم ترجم رواية أ.ب. يهوشع " العاشق " إلى العربية، عام 1986، وصدرت قصة عاموس عوز " الأفعى والبدو " بالعربية، ونشرت في مجلة " مشارف " (حيفا). كما نشر كتاب غروسمان " الريح الأصفر " بالعربية، ونقله إليها محمد حمزة غنايم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى