د. إبراهيم سعد الدين - لَيْلَة في بَانْكُوكْ

ـ قَادِمٌ أنْتَ مِنْ زَمَنِ النَّفْطِ ..؟
قُلْتُ: أجَـلْ..!!
ـ مِنْ زَمَانِ التَّفَاهَةِ والقَحْطِ ..؟
قُلْتُ: أجَـلْ..!!
ـ قَادِمٌ أنْتَ مِنْ مُدُنِ الصَّمْتِ..؟
قُلْتُ: أجَـلْ..!!
ـ مُدُنٍ تَأكُلُ القَاتَ؛ تَقْتَاتُ بِالتُّرَّهَاتِ..؟
ـ أجَــلْ..!!
ـ أنْتَ ضَيْفِي ـ إذَنْ ـ سَيِّدِي،
أنْتَ فَارِسُ هَذَا الْجَسَدْ
لَيْلَةً وَاحِدَةْ
هَاكَ نَارِيَ مُوقَدَةٌ أبَداً
وَرَمَادُ الجَسَدْ
طَبَقُ المَائِدَةْ..!
(غَزَّنِي هَاجِسٌ كَالوجلْ
وَهْيَ تَكْشِِفُ عَنْ صَدْرِهَا
بَيْنَمَا اصْطَبَغَ الْوَجْهُ ـ وَجْهُ البَغِيِّ ـ
بِلَوْنِ الْخَجَـلْ..!!)
أنا عَنْتَرَةُ التَّتَريُّ
وحَنْظَلَةُ الغَجَريُّ
وجَنْكيزُخَانْ
أنا فَارِسُ هذا الزَّمانْ
طَالِعٌ من ظَلامِ العُصُورْ
قَادِمٌ من بطونِ الجهَالَةِ
مُنْبَعِثٌ من رُفَاتِ القُبورْ
حينَ جِئْتُ بِحَوْمَةِ هذا الجَسَدْ
لَمْ أدَعْ فيه شِبْراً لِقَبْر
يَرْجُفُ الجَسَدُ الإستوائيُّ في قَبضَتي
كَلِفَافَةِ تَبْغٍ
ومِنْديلِ يَدْ
وأنا مِثْلَ دودِ العَلَقْ
نَازِفٌ بالمَهَانَةِ والجُوعِ
مُمْتَلئٌ بالشَّبَقْ
يَرْجُفُ الجَسَدُ الإسْتِوائيُّ بين يَدَيَّ
فَأُحْكِمُ من حَوْلِهِ قَبْضَتي
وأشُدُّ الوَثَاقْ
وأنا ديْدَبَانُ الدَّرَكْ
(أرْضَعوني حَليبَ الهَوانِ
صَغِيراً
تَلَبَّسَني ـ في الصِّبَا ـ
ألْفُ جَانٍ
وجَانٍ
فلَمَّا بَلُغْتُ الحُلُمْ
شِبْتُ قَبْلَ الأوَانْ..!)
يَرْجُفُ الجَسَدُ الإسْتِوَائيُّ مُنْتَفِضاً
مِثْلَ طَيْرٍ هَوَى بالشَّرَكْ
وأنَا الدَّيْدَبانُ
أُمَارِسُ في سَاحَةِ العِشْقِ
كُلَّ طُقوسِ الغِوَايَةْ
وفُنونِ الطِّعَانِ
وأتْرُكُهُ مُثْخَناً بالجِرَاحِ
أُمَرِّغُ في عُرْيِهِ المُسْتَبَاحِ
عَبَاءَةَ شَيْخِ عَشيرَتِنَا المُسْتَبِدِّ
وجِبَّةَ عَرِّيفِنَا المُقْمِلَةْ
أتَقَيَّأُ في بَاحَةِ الغُرْفَةِ المُظْلِمَةْ
كُلَّ أوْزَارِ عُمْري المُضَيَّعْ
وأرْقُدُ مُمْتَلِئاً بالشَّبَعْ
أتَجَشَّأُ مُمْتَلِئاً بالشَّبَعْ
وأُقَهْقِهُ مُمْتَلِئاً بالشَّبَعْ
غَيْرَ أنَّ ابتسَامَتَها عندَ زَاويَةِ الفَمِ
تَنْسَلُّ في أعْظُمي نَبْضَةً من وَجَعْ:
ما الَّذي يُضْحِكُ الآنَ في جَسَدٍ جَائِعٍ
يَهَبُ الدِّفْءَ والقُوتَ
جِيفَتَكَ المُتْخَمَةْ..؟!


* (من ديوان: العِشْق في زَمَنِ المرايا ـ الصادر عام 2009)
أعلى