رسالة من أحمد صالح العصار إلى الدكتور عبد العزيز المقالح

- رسالة من أحمد صالح العصار إلى الدكتور عبد العزيز المقالح



الأخ الدكتور/ عبدالعزيز المقالح الأكـــرم
رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني

تحية من القلب. وبعد:

إنني أُجِلُّ وأقدِّر، بل وأثمِّن، لكم دوركم الرائد والبارز في تأهيل الجيل الجديد بالعلم والفكر والمعرفة، وتغذية العقول والمشاعر والوجدان بعصارة فكركم المتميز، وإثراء الساحة الأدبية بالكثير من الجواهر الأدبية والثقافية والفكرية بشكل عام. وصدق من قال: مطالع العلوم ثلاثة: قلبٌ مفكر، ولسانٌ معبر، ولسان مصوّر.

وهذا ما ينطبق على أستاذ الجيل إن صح التعبير؛ ذلك أن دوركم رائد وبارز في مجالات متعددة. يدور في الخلد سؤال، وأظنه في خلد الكثير من تلاميذ الدكتور، والسؤال: الوجبة الشهية التي تقدمها لنا كل يوم ثلاثاء، هل يأتي اليوم الذي تُجمع فيه وتُقدم للجميع، تحت عنوان: «حديث... الثلاثاء»، على غرار ما فعله عميد الأدب العربي، طه حسين؟ يُعدُّ هذا حلماً يراود الكثير، وأنا أولهم، فهل يتحقق!؟

يقوم الكثير من المؤسسات الصحفية في مختلف دول العالم بجمع وطبع أهم كتابات كُتَّابها، وإصدارها في كتب، فهل تفعل مؤسساتنا الصحفية؟ هذا حلم، فهل يتحقق أيضاً؟ لم تأت هذه الفكرة من فراغ، وإنما جاءت نتيجة أن كل صحفنا تفتقر إلى مؤسسات التوزيع التي تدرك أهمية التوزيع للصحافة. وغالباً ما نجد صحفنا مكدسة وتباع لفافات. ولذلك فالمؤسسات الصحفية في بلادنا تعتقد أن دورها ينتهي بمجرد الطباعة، حتى وإن لم تخرج من المطبعة، وهذا جُرْم.

البؤساء

أعتقد أن الأدباء والكتَّاب، بل وحملة الأقلام الصحفية، في بلادنا خاصة، يشكلون داخل المجتمع شريحة البؤساء، بل والتعساء. ويمكن للمرء أن يميزهم من غيرهم، مع أن المفترض أن يكونوا في قائمة السعداء. فمتى ينال المبدع مكانته التي يستحقها؟ فإن كان بعد ذهابه إلى الحياة الأبدية الخالدة فهو في غنى عنها، والشواهد كثيرة ومتعددة تؤكد ذلك.

ويخطئ من يلوم شاعراً أو كاتباً قبل أن يتعرف على واقعه ومحيطه وظروفه الخاصة؛ فربما كان ضحية واقع لا يمكن احتماله! وأكثر الحقائق تضيع بين كاذب ومبالغ ومنافق. وهي عند الأخير عملة زائفة، وإن راجت زمناً طويلاً. والوفاء هو السمة البارزة لعظماء الرجال. والفائز في معركة الحياة والصراع معها هو الغني بالأخلاق والمبادئ والقيم، رغم واقعه أحياناً وابتعاد أحبته وأصدقائه والمقرَّبين منه وعنه!

الباحث مع أربعة رجال

أراد باحث أن يعرف ماذا يدور داخل رؤوس أربعة من الرجال: رجلٌ بطل، رجلٌ حاسد، رجلٌ عاشق، ورجلٌ فيلسوف. وبعد البحث وجد داخل رأس الرجل البطل ثوراً ينطح، وداخل رأس الحاسد أفعى تلدغ، وداخل رأس العاشق شمعة تحترق، وأخيراً وجد بداخل رأس الفيلسوف رجلاً يزرع وآخر يحصد... أليست هذه الحقيقة، لحملة الأقلام؟

"قصيدة النثر " ... أسئلة أدبية تبحث عن أجوبة

هذه الأسئلة وجدتها ضمن أوراقي، ولا أعلم من صاغها، بل ولمن وكيف جاءت:

في كثير من الأحاديث التي يدلي بها الشعراء حول قصيدة النثر يصرّون على أن أهم أعمدتها: الموسيقى الداخلية. هل لكم أن تسهموا في إيضاح هذا المصطلح؟ وإلى أي حد يمكن الوصول معه إلى مقياس فني ثابت؟

هناك زعم بأن النقاد يتجنبون تناول قصيدة النثر لأنهم لا يملكون أدوات القياس بالنسبة لها، أو لأنه لم يترسخ بعد من المواصفات الفنية ما يجعلها قابلة للدخول في شروط التناول النقدي، مما يجعل من اقتراب الناقد منها نوعاً من مواجهته لعجزه؛ كيف ترون هذا الزعم؟

هناك من يقول إن قصيدة النثر تطور نوعي للقصيدة الحديثة، بينما يرى آخرون أنها امتداد للنثر العربي القديم وكتابات الصوفيين؛ فأين تقف قصيدة النثر على خارطة الأجناس الأدبية الحديثة؟

هل يمكن اعتبار قصيدة النثر علامة على وجود أزمة في الشعر؛ بحكم ما تمثله من محاولة للقفز فوق الحاجز الذي اصطدمت به القصيدة الحديثة في منعطفها الذي خرجت به عن عمود الشعر؟ هل ترون أنها استطاعت أن تحمل حساسية شعرية جديدة، على صعيد الشكل بالذات، وأن ساحتها هي أنسب الساحات للتجريب والخروج من الأزمة؟

كذبة أبريل

ونترك الساحة الأدبية والأدباء، ونأتي إلى ما هو أوسع، في دردشة خفيفة مع الأمة، نعم، مع أمتنا العربية، يا أستاذ الجيل، وأطرح سؤالاً واحداً: تُرى ماذا أصاب أمتنا العربية؟! بل وماذا حدث لها؟ وأين ذهبت العقول والأفكار؟ وأين ضميرها؟ أين العزّة والكرامة والنخوة والشهامة...؟ أين مجدها وأمجادها؟ وأين ذهب جهادها؟ وهل مات النضال والكفاح عن هذه الأمة التي عُرفت بكل هذه المزايا عبر جميع مراحل العصور والأزمان منذ فجر التاريخ؟ هل ماتت هذه الأمة أم هي نائمة؟ أين مبدأ الحرية؛ نعم، الحرية التي كانت مشاعلها تضيء ما بين الشرق والغرب وتحرق كل من يريد أن ينال منها ومن أبنائها؟ وهل لا نزال نذكر أو نتذكَّر صرخة المرأة العربية: «وامعتصماه!»، وها نحن اليوم نسمع الملايين من النساء والشيوخ والأطفال وهم يصرخون بأعلى أصواتهم وعلى مسمع ومرأى من مئات الملايين، وهم ينادون: «واأمتاه! النجدة يا عرب، يا مسلمون!»، ولا من يجيب؟ من زرع الخنجر المسموم في جسد هذه الأمة؟! أليسوا من نطلب منهم أن ينقذوا الأشقاء في فلسطين؟! يا للعار! ويا للخزي! لقد تحوّلت الجيوش العربية والقيادات العربية من الدفاع عن الأمة إلى حماية ودفاع عمَّن يذبح الأمة ويهتك أعراضها...! يا ليتنا متنا قبل أن نرى ما نراه!

أستاذ الجيل:

قد تلاحظ أني في حالة هذيان؛ ذلك أن القلم في يدي قد أصبح عبارة عن «ريموت كنترول» يدوِّن ما يمليه عليه القلب، وهي خلاصة لنبضات القلب الذي بين الضلوع. فلا تؤاخذني، ذلك أنه الواقع الذي نعيشه اليوم!. قد نفقد الذاكرة، فلم نعد نعرف ما الذي يحدث!

وهنا لا بد أن نشهد الله سبحانه وتعالى على أمتنا أولاً، وثانياً على قوى البغي والاستكبار العالمي، وعلى رأسها الشيطان الأكبر: الإدارة الأميركية، نعم إدارة أميركا وليس الشعب الأميركي الصديق، فهو ضحية مثلنا، بل وقبلنا، للصهيونية؛ ذلك أن قيادة الولايات المتحدة الأميركية في تل أبيب، ولا أستبعد أن تكون القدس هي عاصمة الإدارة الأميركية إذا ما ظلت أمتنا نائمة أو ميتة. وأملنا في رب العزة والجلال أن يخلِّص الكون من الصهاينة والإدارة الأميركية.

أصل إلى الخلاصة، بعد أن وجدت نفسي في أحلام اليقظة. وأكرر تقديري ومحبتي لكم. ومعذرة عن هذياني. ودمتم بخير.

تلميذكم/ أحمد صالح العصار
ذمار 22/ 3/ 2004


.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى