محمد بشكار - الضَّامن الله!

الشَّعْب المغربي أذْكى من أن يَقَع تحْت طائلة الإكْراه، صحيح أنَّه مُسالِم ويَدْفع بالتي هي أحسن، ولكنَّه أيضاً مُقاومٌ عنيد بتاريخه المجيد، والويل لِمنْ يَلْوي ذراعه ولو من أجل دَقِّ إبر اللقاح، فما للبعض بعد أن تسلَّموا زمام السلطة، ظهروا على هيئة الذي شَطَح لأول مرة فنَطَح، ألا نذكر من هذا التاريخ المجيد، أنَّ المواطن المغربي الذي تُبَهْدلهُ السُّلطات اليوم بأساليب قمعية بائدة في الشوارع، حين نُودِي لتلبية نداء الوطن، أتى غفيراً من كل الرُّبوع ليصطفَّ في المسيرة الخضراء، أما ناداهُ في تاريخ أسبق جلالة المرحوم محمد الخامس من المنفى، فضحَّى بالروح من أجل عودة الملك ومعه استقلال البلاد، فما بالهم اليوم يُجازُونه على هذا التاريخ بأسْوء عذاب !
كما نُودِي المُواطِن المغْربي للتَّحرير والاستقلال ثُم بعد ذلك للمسيرة، نُودي مع أول قطرة لتلقِّي اللقاح، فهبَّ مُسْتبشراً ليس لِكسْب مناعته الشخصية، ولكن لأنَّه استشعر بما تربَّى عليه من تقاليد في نُكران الذات، أنَّ هذا النداء يتجاوزه كفرد إلى نداء الوطن، وأن تلقِّيه لجُرْعتين كفيلة بتحقيق مناعة جماعية تُعيد حركة البلاد إلى سابق ديناميتها الاجتماعية والاقتصادية، شرْطَ أن لا تُهانَ كرامة هذا المواطن، أو تُنْتفَ ريشةٌ من جناح حريته التي لا تقبل المُتحوِّرات والمُتحورين من البشر، والأدْهى أن يُصَادِر هذه الحرية مسؤولون هم أهْلُ بلده الذين يعرفون تاريخه المجيد في التَّضحية، ويُساوِمونه مُقابلها بتلقِّي جرعات أخرى جعلته يفطن بعد الإعلان عن الثالثة، أن ثمَّة من يضع الإنسان المغربي من حيث التَّجارب اللقاحية دون سرير، في نفس المرتبة مع الفئران !
الشَّعبُ المغربي أذْكى من أن يقع تحْت طائلة الإكراه، وأنْكَى في تحدِّيه حين يطرح السؤال ما الدَّاعي لاستباق اللقاح النهائي، بجرعات أولى وثانية وثالثة وربما عاشرة في الأفق ما أقام الوباء، أما كان الأجدر انتظار النتيجة المرجُوَّة بنفس مستوى اللقاحات القديمة بعد سنوات طويلة من التجارب، أمْ أنَّ ثمة منْ تُحرِّكه سلالة جديدة من السُّعار الرأسمالي الجشع، ولكن من أين لنا اليوم بعَالِم بنبوغ "باستور" ليخلِّص الناس من داء كلَبٍ جديد يعضُّ بأسنان أكثر من كلْب، بل إنَّ الذَّكاء المغربي ذهب بعيداً في السؤال، وثمَّة من اعتبره بهذا المذْهَب قد شطَّ عن سواء السبيل، خصوصاً حين شكَّك بعد نِداء تلقِّي الجرعة الثالثة في وطنية الخليَّة العلمية، وهو بذلك يُلْمح لعملية تجارية في شتَّى أصناف اللقاحات العالمية، كيف لا يقلق الناس على صِحَّتهم، وشكوكٌ بدأت تخيِّم على الأذهان، أنَّ اللقاح المُسْتوْرَد رغم مجانيَّته يهدف لتحقيق الثَّراء الفاحِش لِمن هم ليسوا مجَّانيين، وأنَّ الناس مُطالَبون بِدَقِّه في الوريد، دون أن يحصلوا على بيانات ضافية تؤكد نجاعته والضَّامن الله !
كان الأجْدَر بالجهة الوصية على مكافحة الوباء، أن تحترم الذكاء المغربي ولا تسْتَغبيه بقرارات تفْتَقِر لسندٍ قانوني، كان عليها أنْ لا تُقيِّدَ على حين غِرَّة سيْره الطبيعي في التنقُّل ودخول المرافق والإدارات، أنْ تجعله بالوضوح في قلب الصُّورة وليس مُجرَّد إطار قابل للتَّلْفيق والتَّعْليق على أكثر من مسمار، ألمْ يكُن هذا المُواطن منذ بدء كورونا إلى جانب الدولة في كل إجراءاتها الاحترازية يبتلع على مضضٍ بروتوكولاتها الدوائية، وما ذلك إلا لأنَّها كانت واضحة بنشراتها الإعلامية في التَّتبُّع اليومي صباح مساء لعدد المصابين والوفيات والمُتعافين، فما الذي أحجم اللجنة العلمية عن نهْجها وأخرس لسانها بعد إطلاق أول جرعة من اللقاح، أليس ثمة أعراضٌ جانبية، حالات شللٍ وأخرى لم يَحُل التلقيح دون إصابتها بكورونا من جديد، مُضاعفات أدَّتْ للوفاة، إصابات بتخثُّر في الدم، كان أجدر باللجنة العلمية المكلفة بالسهر على صحة المواطنين، الاستمرار في الوضوح مع الناس عبر بثِّ نشراتٍ إخبارية تُحذِّر من مكامن الخطر لتنجح العملية بسلاسة ودون فوضى، والقول إنَّ كل جرعة من اللقاح الذي لا أحد يعرف في سلسلته العدد الأخير، بمثابة معركة لن تخلو من معطوبين في حرب كورونا، هذا أفضل من تغييب العقل المغربي الذي أنجب أكبر المفكرين، فلا أحد يَقْبل أن يُسَاق كما تُساقُ البهائم لمصيرٍ مجهول، ومن حقِّ المُواطن أن يُطالب بضمانات قانونيةٍ تحْمِي حقوقَه المادِّية والمعنوية، مَنْ يدري ما قد يُسبِّبه لقاحٌ تجريبي من عاهاتٍ تُقعِدُ عن العمل وتشرِّد الأُسَر !
ما ذنبُ هذا المواطن إذا كانت جيناته المُتورَاثة في وطنيَّتها أباً عن جَد، تلْفظُ جينات مُعدَّلَة وراثياً تُخلخل مبادئه التي فُطِر على طبيعتها، هو فقط يُدافع عن هويته حين يتمسَّك ببطاقته الوطنية، هل يُعقَل أن تُزاحمها بطاقةٌ أخرى من حيث الإدْلاء ولو أسْمَتها وزارة الصحة جواز اللقاح، هل يُعْقَل أنْ تلغي الدولة البطاقة الوطنية وتُجيز الحركة في كل التعاملات الاجتماعية بأخرى صحِّية، على هذا الأساس فالوطن للأصحَّاء فقط بين قوسين أو إبرتين، أمَّا الإبرة العاشرة فربما في طريقها للعبور، ولا نعرف من يحمل لقاحها في الأشهر القادمة، هل عقربٌ أو دبُّور !

.............................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 28 أكتوبر 2021.


1635349554011.png



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى