أدب السجون الأسير أمجد عواد - كوني مصيدة

غزة..

كم حربًا يحتاجونَ بعدْ كَيْ يقرؤوا فيكِ الصلابةَ وانعدام الانكسارْ.. يا مصيدةَ الموتِ ضمّدي فينا الجِراحْ، ولتستحيلي عدوى للعربْ، عَلِميّهم كَيفَ يأتيْ الحضورُ منْ بعدِ الغِيابْ..

عنقاؤنا أنثْى، أنثانا الجميلةُ فلتستريحْي هذا اليوم، مَنْ يدري علَّ القدَر رَتبَ لكِ موعدا في أحد الخنادقْ! فاستريحي..

اذَخِرِيْ بَنادقكِ القديمةَ، وتأكديْ مِنْ كُلَّ النوافذ، أُسكبْي رَملَكِ في كُلِ الزوايا والأمكنة، عُدّي صغارِكْ، غَسَّليهم، وَدّعيهمْ واقرئي عليهمْ ما تيسر مِنْ أشعارِ القيامةِ وأَجلبْي البحرَ وبعضًا مِنْ هَوائِه وعلى مخداتهم أنثريه.. ودّعيهْم كما يليقُ بمجزرةٍ قرِيبةْ..غنّي لَهُمْ "بلادُ العُربِ أوطانْي" ولا تبكي القصيدةْ.. لا تَبكْيهمْ، بَلْ قَبليَّهم داعبيهم لاعبيهم بما تَيَسَّر أو نجا من الدُمى المحروقة المبتورة الخيطان وأكذبي قصصًا تبشر بالجميل، اطعميهم لو أرادوا، وأركِبيهم ظَهرك لو أرادوا..

لاعبيهم كما يلعب الأطفال في كل مكان، كأن تُخبئي عُملةً أو هاتفًا أو قَلبَ حُبّ في أحد الزوايا.. خبئي لكلِ واحدٍ شيئاً، وليفز الجميع في هذه الليلة فالرحيلُ جماعيٌ غدًا..

واصنعي لهم كعكًا حقيقيًا، فليأكلواْ قدرَ ما أرادوا، وليوسخوا المقاعدَ والأسرةَ والشوارعَ والحيطانْ وصور الشهداء المعلقةِ في الهواء، وليصرخوا ويشتموا وليلبسوا سراويلهم لو أرادوا، ثم اجمعيهم وانشدي مرةً أخرى "بلاد العُرب أوطاني"..

ولتُفلّي شعرهم النظيف، عَطرّيهم وغني لهم ما تحفظين بصوتك، وقبلّيهم مرة أخيرة، وفي حضنك أجمعيهم، هُزَّي بهم حتى ترين الأحلام زائرةٌ على الأبوابْ، أوقفيها، فتشيها، وانتقي منها الجميل ووصها فرحًا مضاعفا، وإدخليها ثم اتركيهم للغياب..

واستعدي للحضور مجددًا، للقتال واستحيلي مِقْبَرةْ، وتَزفْري البارود ثوبًا، علميهم كيف الحروب تخاض، فلتمسحي كحل العيون، وأحمر الشفاه، ولترمي صوب البحر كعبكِ العالي، وثوبك المطرز، ولترتدي درع البقاء يا ربة الموت المبجل، دقي طبول المعركة، كوني قنبلة، وأعدّي لهم ما استطعت من الأكفان، وأرسليهم صوب الرب أشلاءٌ، لا ترحمي وتذكري مع كل لغمٍ ليلة الأمس القريب، لا ترحمي وتذكري صوت الصغار صوت الجياع، صوت البطالة والحصار.. يا ربة الموت لا ترحمي كوني قصيدة..

الأسير: أمجد عواد

سجن ريمون الصحراوي




المصدر / غزة-السجون-حنظلة




الاسير.jpeg




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى