لطيفة زهرة المخلوفي - شذرات في نقد العنف الجندري

[HEADING=3]يعرف العنف ضد النساء بأنه كل ما يصدر عن الأفراد والمؤسسات ويؤثر على المرأة بشكل سلبي من خلال المساس بسلامتها النفسية والجسدية، وطبعا ينطلق مرتكب العنف من نظرة ذكورية تمنحه سلطة احتكار ممارسة العنف، بل والدفاع عن شرعية ذلك العنف بالرجوع الى طبيعة الوضع السائد والذي طبعا يتصالح مع هذا الفعل ويعتبره طبيعيا.[/HEADING]
في حديثنا عن العنف لا ننطلق من فرضية محاكمة الأفراد، بل من محاكمة الأساس الاقتصادي، السياسي والاجتماعي لرعاية العنف.
فالسلطة السياسية في المغرب نموذجا، تسهر على ديمومة العنف ضد النساء، مثال ذلك : مباشرة بعد مصادقة المجلس الحكومي يد على مشروع قانون (13-103) من أجل "حماية النساء من العنف"، قامت السلطة الحاكمة بقمع مسيرات نساء حراك الريف واعتقال ناشطات الحراك (سيليا الزياني )، وهذا ليس بالحادث المعزول، بل هو استمرار لتعبير السلطة السياسية الحالية عن طابعها، فتجارب تنكيلها بالنساء متعددة ( قمع انتفاضة نساء ايت باعمران بافني سنة 2008 - احتجاجات إقليم طاطا - النساء السلاليات - نساء ايمضير -ضحايا القروض الصغرى - المعطلات - نساء انتفاضة العطش -الأستاذات المتدربات - الأستاذات المفروض عليهن التعاقد والطرق المهينة لاعتقالهن وقمعهن ...الخ).
إن هذا العنف الذي نحاكم أسسه هو في الحقيقة ممارسة يومية تبدأ من أصغر بنية (الأسرة ) باعتبار هذه البنية هي أولى لبنات الضبط الاجتماعي لإعادة انتاج قيم وتقسيمات النظام الاقتصادي للدور الاجتماعي وللمكانة (العمل المنزلي _التبعية _الدونية )، لتمتد لباقي البنى.
كما أن أحداث الاغتصابات والعنف اليومي التي تعج بها مواقع التواصل الإجتماعي، تمس النساء من مختلف الأعمار والفئات وكذا المجالات الجغرافية (طعن الشابة اسماء بسكين بحي النرجس بفاس بسبب عدم تجاوبها مع متحرش _ الإغتصاب الجماعي لفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة لحافلة نقل عمومي بالدار البيضاء _ الإعتداء على الاستاذة رشيدة مكلوف من طرف أحد التلاميذ مما أدى إلى تشوه جزء من وجهها _ اغتصاب الطفلة اكرام بفم الحصن _اغتصاب حنان بشكل وحشي _ الجنس مقابل النقطة _وفاة ثورية البقالي وكريمة الرميلي بالمعبر الحدودي سبتة بسبب شروط عملهم القاسية والمهينة كنساء فرض عليهن تأدية دور البغال _ وفاة ايديا بسبب الاهمال الطبي _حوادث الموت اليومي للعاملات الزراعيات _الوفاة بسبب تبعات الحمل والولادة بالمناطق القروية المعزولة "أنيف نموذجا" _زواج القاصرات _الحرمان من متابعة الدراسة _الاغتصاب الزوجي _الجنس مقابل البقاء في العمل أو تمديد العقدة ......الخ)
إن المشترك بين كل هذه الأحداث هو احتضان المجتمع للعنف، هذا الأخير ليس حكرا على فئة اجتماعية دون غيرها، بل تتشبع به مختلف علاقات التنظيم الإجتماعي.
وفي سعينا الى بحث جذور هذا العنف، باعتباره ابنا شرعيا للرأسمالية والذكورية، نؤكد أنه يتم انتاج وإعادة انتاج العنف والتمييز في المكانة بمزيد من استغلال النساء، وهو ما تترجمه الترسانة الايديولوجية للأنظمة عبر المؤسسات الاجتماعية المستلبة والسالبة، فتكرس التسليع والتنميط وبالتالي تؤسس لظهور جميع اشكال العنف ضد النساء.
ي معرض حديثنا عن العنف الموجه ضد النساء ننطلق من ان هذا القهر متعدد وتتقاطع فيه كل أبعاد المسألة النسوية (الإجتماعي_ الطبقي _الثقافي_ الهوية _التوجه جنسي... ).
وبما أن العنف ليس ظاهرة معزولة يمكن القضاء عليها بالقوانين والتربية والتوعية (رغم ما لذلك من أهمية للحد منه وحماية ضحاياه)، فإنه بالضرورة متجذر في العلاقات الاجتماعية السائدة ولا يمكن القضاء عليه إلا بزوال هذه العلاقات وإعادة تنظيم المجتمع على قاعدة علاقات إجتماعية جديدة، قوامها المساواة والقضاء على مختلف تجليات التمييز والقهر الإجتماعي.
لكن، وفي سيرورة النضال لأجل تحقق هذا هناك مطالب ملحة لمكافحة العنف من جذوره، وعلى اعتبار ان العنف يخترق كل مناحي حياتنا فمن الضروري أن تنطلق بؤر المقاومة من كل هذا، لتنظيم النساء على اعتبار أن تحرر النساء من صنع النساء أنفسهن، ولأننا كنساء ندفع فواتير الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ويراكم الرأسمال الأرباح من انتاجنا واعادة انتاجنا، فلابد من تحفيز الانخراط الطلائعي للنساء في النضال الإجتماعي (الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية )، وهي قيم لا تحقق فعلي لها إلا بتأنيثها.
إن بقاء تنظيم النساء محصورا في اللجان الملحقة بالاحزاب او النقابات بشكل وظيفي وحتى الجمعيات غير كاف، لأن المطروح اليوم كما الأمس هو ديناميات وطنية تدافع عن حقوق النساء على قاعدة مطالب ملحة وواضحة.
وبما أن الاعلام الرسمي يشكل ترسانة منظمة تساهم في مسلسل تعنيف النساء، اما بتنميطهن أو تسلعيهن في الصحافة التجارية البورجوازية والتي تشغلهن عن التفكير في مدى عدالة الوضع السائد لينشغلن بمتابعة استهلاكية شرهة للمواد الاعلامية التي تخاطب اجسادهن وتنفي عقولهن.
من الضروري الاستفادة من التطور في وسائل التواصل والاتصال لفضح الإعلام التجاري البورجوازي ومواجهة مجلات المصنفة على أنها نسائية بأخرى بديلة، تضع على عاتقها مواكبة الأدب التحرري، وهن هنا وجب تحفيز الاجتهاد الفكري ومواكبة مستجدات النسوية على أرضية ما تطرحه منطقتنا من أسئلة (نقاش نسوية الجنوب والذي سبق المساواة أن بادرت لفتح النقاش حولها، كما دعت المهتمات/ين إلى توطيد أواصر التواصل للعمل المشترك).
ويعد أحد رهانات مجلة مساواة هو التأسيس لبديل اعلامي مناضل يواكب الحياة اليومية بجميع اكراهاتها الاقتصادية والذكورية. ويكون منبرا فعليا لمناهضة التنميط والتسليع.
إن الاعلام الذي نطمح هو اعلام بديل يقوم على رفض الاعلام القائم وفضح الترسانة الاعلامية والجهات التي تخدمها على حساب مصالح وحقوق النساء.
وانطلاقا من ما سبق فان النقاط التي اوردناها هي فقط محاولة لرسم بعض ملامح نضال الخط التحرري في سبيل غد خال من الهيمنة وكل أشكال الاستغلال.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى