عمر حليق - ورطة يهود اليمن في إسرائيل

ورطة يهود اليمن في إسرائيل

تواجه الدولة اليهودية اليوم مشكلة داخلية أولدتها هجرة يهود اليمن إلى إسرائيل. ونستعرض فيما يلي أوجه هذه المشكلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومصادر هذا التقرير عديدة توفرت لنا هنا من هيئة الأمم في نشرات وبحوث مختلفة، بعضها يهودي والبعض الآخر من تحريات المرسلين الأجانب

توطئة:

قامت دائرة الأبحاث الشرقية في الجامعة العبرية بالقدس بدراسة تاريخ اليهود في اليمن وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية إلى ما قبيل عملية الترحيل التي قامت بها القيادة الصهيونية العالمية - هذه العملية التي سميت بساط الريح نظراً للسرعة الفائقة التي تمكن بها أعوان الصهيونية في محمية عدن من نقل عشرات الألوف من يهود اليمن على متن القلاع الجوية الطائرة في مدة لا تتجاوز بضعة أسابيع

ونحن ننقل في هذه التوطئة ملخص هذه الدراسة على علاتها. تقول هذه الدراسة إن يهود اليمن كانوا يستوطنون بقعات مختلفة من البلاد بلغ عدد جالياتهم فيها حوالي 800 بين صغيرة وكبيرة ومتوسطة العدد

وكان جزء من يهود اليمن قد استقر هناك منذ الأجيال التاريخية القديمة، وكان الجزء الآخر - وهو الأقل عدداً - قد هاجر من الشواطئ الأفريقية أو نزح من أعالي بلاد الشام والعراق بقصد المتاجرة مع اليهود الأصليين في اليمن السعيد

ويعرف يهود اليمن بتعلقهم بمذهبهم على الطريقة التقليدية، وقد خالط يهوديتهم بعض الدخائل الوثنية ولكنهم مع ذلك بقوا من اشد الجاليات اليهودية تعلقاً بالعادات والتقاليد القديمة وكان يهود اليمن يتكلمون العربية طبعا، ولكن عربيتهم كانت تختلف إلى حد كبير عن العربية التي يتكلم بها يهود العراق مثلاً

حياة يهود اليمن الاقتصادية:

استعرضت المجلة الجغرافية الأمريكية في مجلد عام 1947 نصيب يهود اليمن من الح الاقتصادية هناك فقالت إن طبيعة المناخ الجبلي والسهول الخصبة في ربوع اليمن قد ساعدت على نشوء تجارة وصناعة محلية سيطرت عليها الجاليات اليهودية هناك سيطرة تامة وفرت لها بعض الرخاء على نحو ما كان متوفراً لأكثرية اليمنيين العرب. وقد شرح كاتب يهودي - كانت الجمعية الصهيونية العالمية قد أرسلته إلى اليمن قبل مأساة فلسطين بسنتين - الوضعية الاقتصادية ليهود اليمن في كتاب أسماه ابن سفير فقال - لا تخلو منطقة من المناطق اليمنية التجارية والزراعية من جالية يهودية تتحكم في الوضع الاقتصادي للمنطقة. فقد كانت معظم حوانيت البيع في يديهم. وفي يدهم تركزت صناعة الجواهر والسلع التجارية المحلية والخارجية. وكان يهود اليمن على اتصال مستمر مع يهود العالم الخارجي عن طريق محمية عدن مما ولهم توسيع نشاطهم التجاري بحيث شمل الداخل والخارج. ولم يقتصر تركز يهود اليمن الاقتصادي على التجارة والصناعة وأعمال المصارف (القروض والربا والرهن) وإنما شمل احتلال الأراضي الزراعية والسيطرة على مصادر المياه والتحكم في توزيعها على صغار المزارعين اليمنيين العرب في القرى والدساكر. ومع ذلك لم تنشأ في اليمن أزمة يهودية كما نشأت في بلدان أوربا مثلاً. وسبب ذلك سماحة الإسلام وما طبع عليه المسلمون من إكرام للغرباء والصبر على المكاره. ولم يكن ملاك اليهود في اليمن قائمين على الزراعة بأنفسهم، وإنما كانوا يؤجرون الأرض للمزارع اليمنى وينالون من أتعابه نصيباً كبيراً مما سعاد على تركز جزء كبير من الثروة الزراعية والنفوذ الاقتصادي في أيديهم

وفي عام 1946 اليمن مبعوث أرسلته لجنة التوزيع اليهودية الأمريكية المشتركة (وبعث بتقرير إلى مرءوسيه في نيويورك قال فيه): إن يهود اليمن بالرغم من العزلة الجغرافية التي كانت تحيط بهم استطاعوا توحيد جهودهم وتنظيم وحدتهم المذهبية والطائفية وتبادل التجارة والمنفعة الاقتصادية في أسلوب لم يثر حفيظة اليمنيين العرب، وذلك لأن هذا النظام والتكاتف كان محاطاً بالسرية الدقيقة، وكان يلاقي معونة مادية وأدبية من المنظمات اليهودية العالمية في بريطانيا وأمريكا والعراق ومصر وغيرها من الأمصار التي كانت للجاليات اليهودية فيها نفوذ وقوة عالية وسياسية بالغة)

وكانت حلقة الاتصال بين يهود اليمن وبين هذه المؤسسات اليهودية الخارجية وكر يهودي اتخذ مدينة عدن مركزاً. وكان هذا الوكر معروفاً للحاكم البريطاني في عدن الذي كان يرعاه ويحنو عليه ولا بدافع العطف فحسبن بل بدافع المنفعة المادية التي كان هذا الوكر يفرقها بسخاء على الموظفين البريطانيين في جنوبي شبه جزيرة العرب

ولقد كان هذا الرخاء الاقتصادي وهذا التنظيم الداخلي، وهذه المعونة الخارجية (اليهودية البريطانية) التي توفرت ليهود اليمن - كان هذا كله من أهم العوامل التي حفظت ليهود اليمن كيانهم سالماً لن يتأثر مطلقاً في ناحيته السياسية أو المالية أو الدينية. ولذل حرص اليهود على السكنى متجاورين معاملة بعضهم مع بعض وستر اجتماعاتهم وإخفاء تدابيرهم عن أعين اليمنيين المسلمين. وهذا هو السر الذي حقق لليهودية العالمية سرعة نقل يهود اليمن إلى فلسطين في دقة فائقة، إذ أن هذه السرعة كانت مسبوقة باستبعاد داخلي وتنظيم دقيق مستتر عن طريق الوكر اليهودي المنظم في محمية عدن

وقد كان من ألوان هذه المخادعة التي ستر بها يهود اليمن خططهم للرحيل إلى فلسطين تفاديهم الظهور بمظهر الباذخ المثري، فقد كان أغنياؤهم حريصين على أبسط الثياب والسكنى في بيوت ظاهرها لا تأخذه العين وإنما تتجمع في داخلها ثروات من المال والجواهر والسلع الغالية الثمن. ولم يكن في اليمن ما يدفع اليهود إلى هذا اللون من الخداع إلى ما كانوا يضمرونه من خطط لمستقبل، فلم تكن الحكومة اليمنية متعسفة في معاملتهم ولم يسبق لمسلمي اليمن أن اعتدوا على يهودي بغير حق

كتب أحد عملاء الصهيونية الذين زاروا اليمن قبيل هجرة اليهود منها في مجلة (كومانتري) الأمريكية اليهودية في عدد يوليو سن 1951 ما يلي:

(لم أسمع من يهودي اليمن في مساورتي لهم سوى المديح لجيرانهم المسلمين. فلم يحدث في تاريخ اليمن أن احرق كنيس يهودي أو انتهكت له حرمة. وكانت معابد اليهود تضاء وتحلى بألوان الزينة تحت أعين اليمنيين المسلمين وأبصارهم. وكان هؤلاء المسلمون يقدرون عنصر التوحيد في الديانة اليهودية حق تقديره، ولم تنشأ في حاضر اليمن أو قديمها أي حركة توخت الحد من الحرية الدينية والاجتماعية للجاليات اليهودية هناك. وكان حاخاميو اليمن يلقون بعض العون المادي من حكومة جلالة الإمام اليماني. ومن الأدلة على سماحة المسلمين في هذه الأيام أن الجاليات اليهودية هناك كانت تحتفظ بنسخ من التوراة يرجع عهدها إلى مئات السنين في حين أن مثل هذا الرث الدينين قد أعدم مراراً في أوربا الشرقية والغربية خلال القرون الوسطى وفي التاريخ المعاصر)

(وكتب يهودي آخر في مجلة (كومنري) نفسها قال: (إن خلو حياة يهودي اليمن من الاضطهاد المحلي لم يمنعهم من الانقسام إلى طوائف متخاصمة. فقد كانت بعض الجاليات اليهودية لا ترضى بزعامة بعض الحاخاميين من الجاليات الأخرى، وهذا الأمر كثيراً ما أولد بينهم الشقاق ولطالما لجأت هذه الجاليات اليهودية إلى الحكومة اليمنية أو الأئمة المسلمين في اليمن بغية التوسط في وضع حد لمثل هذه الخلافات الطائفية بين اليهود أنفسهم. . ومع ذلك لم يكن هذا الشقاق ليحول دون تكاتفهم (يهود اليمن) على الخطط التي وضعتها لهم القيادة الصهيونية العالمية للرحيل عن اليمن السعيد والامتثال لتعليمات مبعوثي تلك القيادة الذين كانوا يتخذون وكر الصهيونية في محمية عدن مركزاً لهذه الخدعة الكبرى)

والآن وقد أنتجت هذه الخدعة الكبرى ثمارها وتم رحيل يهود اليمن عن هذا البلد الإسلامي إلى إسرائيل فلنلتفت إلى وضعية يهود اليمن في إسرائيل وما خلقوه لأنفسهم والدولة اليهودية من متاعب أصبحت تؤلف مشكلة داخلية من النوع العويص. ولا ريب أن هذه التدابير البعيدة التي اتخذتها القيادة الصهيونية العليا لنقل يهود اليمن إلى إسرائيل تتوخى أهدافاً سياسية واقتصادية معينة سنحاول أن نتعرف على داخلها من صميم المصادر اليهودية والأجنبية المتوفرة لدينا

(للكلام صلة)

نيويورك

****

2 - مشكلة يهود اليمن النازحين إلى إسرائيل

تقول النشرة الرسمية للمؤتمر اليهودي العالمي (ومركزه نيويورك) إن الدافع الرئيسي لهجرة يهود اليمن إلى فلسطين هو الاضطهاد الذي لحق بهم بعد حرب فلسطين، والمجاعة التي لحقت باليمن عامة ويهودها خاصة. أضف إلى لك النزعة الدينية القومية التي حفظها اليهود على مر الأجيال وهي (إن نسيتك يا أورشليم فلتشل يداي). هذا نوع من التضليل والدعاية المغرضة التي تشوب تصريحات أولي الأمر في اليهودية العالمية فقد استعرضنا في مستهل هذا البحث ما سجلته دائرة الأبحاث الشرقية في جامعة اليهود العبرية بالقدس وآراء مبعوثي الهيئات اليهودية إلى اليمن من حسن المعاملة التي لقيتها الطائفة اليهودية في اليمن قديما وحديثا. واضطهاد اليهود بدعة تتفنن القيادة اليهودية من أجلها شنت حملة غزو الأراضي المقدسة في فلسطين

والقول بأن في اليمن مجاعة ينفيه أن ما يعرف عن البلاد اليمنية من انتشار الرخاء فيها، فالبلاد اليمنية مزيج من الجبال الشماء والسهول الخصبة تتوف فيها المياه وتنتشر فيها الزراعة من أقدم العصور. وليس في سجل المعلومات عن اليمن أنها أصيبت بمجاعات

أما النزعة الدينية التي دفعت يهود اليمن إلى النزوح لإسرائيل فهي حقيقة لا تنكر. ولكن الذي أذكى نار الحماس اليهودي لغزو فلسطين هو ما أثارته الحركة الصهيونية العالمية في نفوس الجاليات اليهودية في الشرق والغرب من نار القومية اليهودية العنيفة

وليس أدل على لون الخداع والغش الذي يشوب أعمال الحركة الصهيونية من أن هجرة يهود اليمن إلى فلسطين لم تتحقق على هذا النحو من السرعة والإتقان إلا لأنهها كانت وليدة تدابير يرجع عهدها إلى سنين مضت قبل أن تدخل الدول العربية في حرب مع اليهود وقبل أن تولد الدولة اليهودية

وتشجيع الحركة الصهيونية ليهود اليمن على الهجرة غلى إسرائيل هو جزء من الخطوة التي ترمي غلى حشد أكبر عدد ممكن من يهو العالم في (أرض الميعاد) ليزدادوا قوة وعددا ويحققوا برامج بني إسرائيل في إقامة دولتهم في الحدود التي دونتها التوراة: (من ضفاف النيل إلى ضفاف دجلة والفرات. وم طرسوس إلى صحراء الجزيرة العربية) نستعرض هذه الناحية في قضية يهود اليمن أن نسجل أن عملية قد تمت بنجاح. فقد نقل اليهود الجزء الأكبر من أموالهم (ما خف حملة وغلا ثمنه) ويقول كاتب يهودي زار عدن أثناء اليهود فيها لركوب الطائرات التي نقلتهم إلى إسرائيل - يقول هذا الكاتب (في مجلة كونتري عدد يوليو 1951) إن القوافل اليهودية التي اجتازت حدود اليمن إلى عدن لم تلق أذى أو صعوبة. فلا الحكومة اليمنية وضعت في وجه هذه القوافل العراقيل، ولا قبائل البادية عارضوها، وكل ما فعله المشرفون على هذه القبائل اليهودية أن رشوا بعض المشاغبين مع رؤساء القبائل على حدود اليمن - عدن، فسهل هؤلاء لهم المرور أضف إلى ذلك المساعدة الأوربية التي وفرها حاكم عدن البريطاني أعوانه لحماية هذه القوافل اليهودية في ظل ما له هناك من سلطة ونفوذ

وكانت حين تصل قافلة من هذه القوافل إلى حدود عدن يتلقاها جماعة من يهود أمريكا وبريطانيا كان حاكم عدن البريطاني قد سمح لهم بتنظيم عمليات المعونة والإسعاف والراحة من عناء السفر. ولم تكن هذه القوافل لتنتظر كثيرا قبل أن تجلس في مقاعد وثيرة وفي طائرات ضخمة حديثة من نوع القلاع الطائرة التي وفرتها السلطات الأمريكية الرسمية (للجنة التوزيع الأمريكية اليهودية المشتركة) التي قامت بنقل يهود اليمن إلى (أرض الميعاد). والمشرفون على هذه اللجنة يهود أمريكانيون كان في استطاعتهم التنقل في عدن والسودان والصومال وإرتريا لأنهم من رعايا أمريكا ومن حاملي جوازات سفرها. وقد كلفت عملية نقل يهود اليمن حوالي (65) مليون دولار وهي جزء من التبرعات التي يقدمها يهود أمريكا للحركة الصهيونية - تبرعات مخصومة من ضريبة الدخل الحكومية المفروضة على الرعايا الأمريكان وفي مثل هذه الظروف المواتية نزح يهود ايمن إلى إسرائيل ودفعوا إلى مراكز التجمع لليهود القادمين حديثاً إلى إسرائيل وتكاثر عددهم حتى بلغ عشرات الألوف، ومن هنا نشأت المشكلة (اليمنية) في إسرائيل

أسباب المشكلة:

رأينا من مقدمة هذا البحث أن يهود اليمن كانوا قبل رحيلهم عنها في بحبوحة من العيش والرخاء الاقتصادي، وانهم كانوا ملاكا للأراضي الزراعية وتجارا وصناعا وصيارفة. وبالرغم من أنهم نقلوا معظم أموالهم (الخفيفة الحل الغالية الثمن) معهم إلى إسرائيل لم تسمح لهم الحكومة اليهودية بالتعامل التجاري أو بامتلاك الأراضي والاشتغال بالزراعة أو التجارة على نحو ما كانوا يقومون به في اليمن

والواقع أن الحركة الصهيونية لم تخدع العالم فقط بل خدعت اليهود أنفسهم. . ومشكلة يهود اليمن مثال لذلك

فقد كانت الدعاية الصهيونية في الجاليات اليهودية في اليمن تزين لهم (أرض المعاد التي تدر لبنا وعسلا) والتي تقام فيها شعائر المذهب اليهودي بدقة تامة. ولقد رأينا أن إذكاء الحماس الديني بين يهود اليمن من أهم الدوافع التي مكنت للحركة الصهيونية وأعوانها في محمية عدن من تشجيع يهود اليمن على الرحيل إلى إسرائيل. وعندما استقرت هذه الألوف من اليهود اليمنيين في (أرض الميعاد) تبخرت أموالهم حين كشفت لهم القيادة الصهيونية عن رغبتها الحقيقية في نقلهم إلى إسرائيل - وهذه الرغبة تتوخى جعل يهود اليمن مصدرا للعمل الرخيص في المصانع والمزارع اليهودية في إسرائيل، إذ أن العامل اليهودي المهاجر من أوربا يصر على أن ينالوا أجرا مرتفعا، الأمر الذي لا يشجع سياسة التصنيع والإنتاج التي تبتغي الدولة اليهودية جعلها أساسا لحياتها الاقتصادية وسياستها التوسعية في الشرق العربي

وغضب يهود اليمن حين اكتشفوا ذلك وسقط في أيديهم لأن أولي الأمر في الدولة اليهودية أصروا على التقييد من حريتهم في التجارة والزراعة والصناعة. ولم تكتف بذلك بل أصرت حكومة تل أبيب - وهي حكومة إلحادية النزعة - على أن يطلق يهود اليمن عاداتهم الدينية، ومنعوا من تربية أولادهم تربية وأرغموا على البقاء في معسكرات اللاجئين وحيل بينهم وبين الدخول في ميدان التجارية والزراعية

ثم جاء دور السياسية الحزبية فزاد المشكلة تعقدا. فليس يهود اليمن وحدهم هم الذين غررت بهم الحركة الصهيونية على هذا النحو، بل إنهم ويهود العراق وشملي إفريقيا وإيران سواء في هذه الخدعة التي تحاول أن تقيد حريتهم في مزاولة التجارة والحرف الناجحة - التي أتقنوها على حساب عرب اليمن والعراق وشملي إفريقيا - لتجعل منهم ذخيرة من الأيدي العاملة الرخيصة النفقات لتسد حاجة المصانع والمزارع التي تديرها الحكومة اليهودية أو الشركات الكبرى التي تمولها رءوس أموال يهود أمريكا وبريطانيا ومصر وجنوبي أفريقيا. أو ليست الحركة الصهيونية مغامرة اقتصادية سترت بلون من (الروحانية) والقومية اليهودية العتيدة لتحقيق السيطرة على صميم الشرق الأوسط في ملتقى القارات الثلاث؟

قلنا إن السياسية الحزبية في إسرائيل تدخلت في مشكلة يهود اليمن ويهود العراق وشمالي إفريقيا فزادتها نقدا. فلقد كان لأفراد هذه الجاليات ضلع كبير في أعمال الإرهاب والتجسس الذي ساد فلسطين قبيل المأساة. . . وكان من السهل على يهود البلدان العربية المقيمين في فلسطين أن يتسربوا إلى صميم القطاعات العربية لأعمال الإرهاب والغدر. وقد سهل لهم ذلك تمكنهم من العربية ولون بشرتهم وملامحهم الشرقية، والمكر والمواربة التي اشتهر بها يهود الشرق بصورة خاصة. وقد ساء أن تعاملهم الحكومة اليهودية الحالية هذه المعاملة بعد أن أبلوا في سبيل الصهيونية بلاء حسنا. فأخذوا في تنظيم جموعهم والسعي لإزالة هذه القيود التي فرضتها عليهم الحكومة اليهودية واشتدت غطرستهم، وقوى نفوذهم بعد التكتل، وأخذت الأحزاب في سعيها لاستمالة أصواتهم في الانتخابات تشمل الضغينة والحقد فيهم ضد الحكومة القائمة

ويستفاد من الأنباء التي تسربت من نطاق الصهيونية الحديدي في إسرائيل أن يهود اليمن والعراق وشمالي إفريقيا قد ثاروا مرتين خلال هذا العام. . . وفي كل مرة كانوا يحتلون المنازل ودور الحكومة وأماكن الاستراحة الشعبية إعرابا عن استيائهم. وفي إحدى هذه الثورات رجموا البوليس وأصيبوا بعد قتلي وجرحي. ولم يكتفوا بذلك بل إنهم حملوا شيكاتهم إلى معاقل الصهيونية في أمريكا وبريطانيا، ولكن سعيهم ذهب سدى. فصهيونيو أمريكا وبريطانيا من أشد اليهود تفهما لحقيقة أهداف إسرائيل لأن في كيانها منفعة اقتصادية كبرى. . ولن يسعى صهاينة أمريكا وبريطانيا في عرقلة برامج التوسع الاقتصادي اليهودي رأفة بيهود اليمن، والعراق، وإيران، وشمالي إفريقيا أو ليسوا هؤلاء أقرب عناصر الصهيونية إلى العرب لونا وتكوينا؟ وحكماء صهيون الذين خدعوا طوال هذه الأجيال أمكر من أن يتركوا يهود اليمن يفلتون من قبضتهم ترى هل يذكر هؤلاء اليهود الذين وقعوا في أحضان العرب واصبحوا في بحبوحة العيش وحسن الجوار ما قاله المثل العربي (على نفسها جنت براقش.) عمر حليق

نيويورك

عمر حليق


---------------------------
1- مجلة الرسالة - العدد 944/بتاريخ: 06 - 08 - 1951
2- مجلة الرسالة - العدد 945/بتاريخ: 13 - 08 - 1951

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى