السيد فرج الشقوير - موشّحات قاهريّة

لأنّ المصائب متوالية..
يطبُخها العملاءُ على عجل..
فتُنتجُ حزناً نيّئاً...
يَحبُو في طفولته.. بلا خبرة
فأنا أشعر بالبرد
رغم أنّ الصيف صار أطول عمراً..
ويرفض الموت في أوانه..
كالفاكهة التى ما عادت تموت
وكالفُصولِ التي تشعرُ بالتّشَوّش
واشترى كيراً إضافيّا ينفخ به القيظ في وجهي
كمعظم الأشياء من حولنا لا تشعر أنّها بخير
وأنا أيضاً...
جميعنا نكابر
كالطُّعوم التي تفقد الشعور بالطّعُوم
أنا الملح الذي يأكُلُ نفسَهُ...
فأجِدُنِي ماسخاً جدّاً
ويسخر منّي الطُّهاة....
عندما أطلبُ بعضاً منّي..
منّي أنا.. منّيَ القديم.. كي أسيغ اللقمة
أشعر بالبرد.. وبعض الميوعة في نكهتي
أعود القهقرى كلما كَبُرَ عامُ ..
وانضافتْ شعرةً كالثلج إلى فروته
وكَبَكَّاءٍ يعشقُ النّحيب..
أخاف أنْ أصحوَ ذات صباحٍ لنْ يُخلق أبداً على إبتسامة...
أخاف أنْ تعود بلاديَ قمحاً...
فتختفي طوابير الخبز الأزليّة الأبديّة
أوْ تعُودَ بلاديَ...
جنديّاً يبحثُ عنْ ذريعةٍ للسامريّ...
كي يضربهُ على قفاه..
أوْ أنْ يأخذ منه العجلَ إلى الصّاغةِ منْ جديد...
فيُرجعُونَهُ أساوراً وخلاخيلاً
ويقول للرّيح التي تُزَمّرُ في إستة...
لنْ نُؤْمَنَ لكِ حتى يَرجِعَ إلينا موسى...
فلا يأخُذُ بلحيتي ولا برأسي
أخاف ألَّا أعثُرَ على هزيمةٍ مُرّة
فأفقدُ أسباب شِعري....
شِعري الذي يقتاتُ منْ إنتكاساتٍ الوطن
ويُزهرُ عند البنيَةِ التّحتيّة المَشنوقة
رغم الهزائمِ الأَمَرّ على مدارِ الدقيقة..
و ازدحام الثانية الواحدة بالخيبات..
هذه الخيبات التي لمْ يحوزها منهزمٌ قبلنا
فصيّرتني بليداً لا يُجيدُ العويل
ربّما منْ فرط الخيبات...
لا يأخذ الحزن فرصَتَهُ في النّضوج
كُلّما استفحل الصّقيع أعودُ فوراً لدفتر الدّموع
ولأنّهُ بكاءٌ أوْلَى من بكاء...
أغربِلٌ الصدمات جيداً
وأسقطُ منها الشَّلُّوتَ الأوّل...
الذي منحتني إياهُ ثُريّا
(والخرشمة) في حاجبي الأيسر
تقول أمّي أنني وقعتُ فوق حلّةِ النحاس..
أمي لا تعلم أنً نوالاً أيضاً (كَعبلتني)..
وأنّ الكمّونَ بعينيها هو الجاني
والزبدة الصفراء المعقوصة منْ جرجرتني...
وطافت بيّ الجغرافيا
فرأتْ أمي هذا الجرح بحاجبي...
ولمْ تعلمْ أنّ قلبي بحاجبين..
أحدُهُما يعيشُ للآن بعشرين (غُرزة)
أنا لا أكتب عن خيباتي في العشق..
المنخل الذي برأسي عندما أنخُلُ أحزاني...
يُسقط النُّدوبَ الشخصيّة...
أحزانُ النّهر أولى..
الصفصافُ الذي عرف طريق الحلاق لندرةِ الحموم.. أولى
البلشون الّذي يهمسُ بقصيدةٍ جديدة لا تتم..
عن مضايقات ضابط الجوازات... أولى
مرّاتٍ لا تُحصى راودتني المنابتُ القديمة..
لتَخلُوَ نثرياتي من الدمامل الوطنيّة..
و دمعاتي المقَفّاةَ منَ ضغط الدّم العربيّ
أريدُ أنْ أنتمي لمسافةِ فاصِلةٍ بين شطرين..
فأتذَكّرُ قلبي القديم..
الذي نظم لفاتنةٍ ما قصيدة لم تسمعها
نستها كرّاستي منْ زمان..
وما زال قلبي الذي يحملُ نِتفَةً منْ (مياصة)
يغمسها في بكاءٍ لذيذ..
ويرميها في أعماقي كالدّبابيس..
(دعيني أحِبّكِ مثل العيالِ
الواوُ عينيكِ والقلبُ دَالي
دعيني وإيّاكِ محض اتّصالِ
لأنّكِ سِرٌّ أنَاخَ الرّحَالَ بكلّ اللّيالِي
لأنّكِ بيتٌ منَ الشّعرِ حينَ ارتِجال
فلا الزيفُ يعرفُهُ أنَّةً..
ولا الضيمُ يُدركُهُ في المَقَالِ)
أنا الذي يهوَي الحواديت..
وأنامُ على دوشةِ وابور الكاز لأهربَ منْ نداء أمّي..
ومِنْ مَشَاوير أبي
فأفرُغُ لصناعة مطرقة..
أمشي بها داخل الحدوتة كي أمُرَّ بسلام..
منَ الشارعِ الذي تسكُنُهُ أُمنا الغولة
ومنَ العطفَةِ المُوَصّلة لبيتِ حبيبتي..
أدمغُ بها رأس ( الدّؤْلِيجة)
أنا الّذي تسكُنُ الرّخَويّاتُ قلبي
كيف سلبتني الأوطانُ قصيدتي العاطفيّة؟
وأعطتني نشرة الأخبار المزدحمة بالبنادق ..
والنّشرة الجويّة التي تُمطرُ سجِّيلا...
فساءَ صباحُ المستمعين لِي
صدّقيني يا بلابِل
أريدُ أنْ أبوحَ بالغناءِ...
وأنْ أرمي باليمامةِ...
التي تسجعُ وجعاً في قليب وأنسى مكانَه
صدقني أيّها الطريق....
الذي مات مشياً تحت رجلَيّ الثقيلتين..
أريدُ أنْ أقفز
صدّقيني يا راحَتِي اليُسرَى..
أريدُكَ أنْ تُغادري صدغي بلا رجعة
إلى يدٍ تمرجحها في وَلَه
لكنّهُ الوطنُ الذي يحفُر نفقاً بداخلي..
يُسربُ عبرَهُ الشاي والبُنّ لأحزانِيَ فتشجِّعهُ على السَّهر
الوطنُ الذي ينامُ على دياثةٍ مُحدَثَة
يقولُ لي أنَّى لكَ أنْ تَغفو.... و
في مخدعِ القصر الرّتيب....
وفي اندهاشات الغرابة
قامَ راسبوتينُ يمحُو كلَّ أسباب الرّتابة
ضاجَعَ الزّوجَةَ عنْ قَيصَر أعواماً طِوالاً بالإنابة
كلُّ مَنْ بالقصرِ يَدرِي أنّ راسبوتينَ حتماً قَدْ أصَابَه
هرطقات.. شعوذات.. صَنَعَتْ منهُ مَهَابَة
وَ رسولاً قدْ تدلّى مِنْ سَحَابة
ما أصابه...؟!
ذات موسكو..
أرسلوا النسوان كيْ يقطُفنَ تيناً منْ رِضابِه
أوْ ينَلْنَ الماءَ مِنْ بئرِ الفُحُولَة فائزاتٍ بالجَنابة
فكيف تنام والغُنجُ ماثِلٌ بالدّار؟
رَُبَمَا يُدْخَلُ الزُّناةَ الجنّة...
لكنّ الشّجَرَةَ الّتي أظلّتْهُم لنْ تجِدْ رِيحها.
....................
السيد فرج الشقوير
مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى