محمد بشكار - الشَّهيداتُ أجْمل الملِكات!

اليوم جاء الدَّوْر على إسرائيل لتخْتار للعالم أجْمل امرأة، وأتوقَّع على غير العادة، أنْ تكون المِنصَّة حيث ستُبْرِز المُتسابِقاتُ أنوثتَهُنَّ العالية الجودة والخالية من الدهون، قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، وتحديداً في أمِّ الرشراش بالتَّسمية الفلسطينية العريقة، لكن الاحتلال الذي يبني وجوده على أنقاض السكان الأصليين، طمس الاسم التاريخي بآخر مُزيَّف فأصبح اسمها غصْباً على الخريطة "أيلات"، من هنا ينتظر الجميع أن تبزغ ملكة جمال العالم لعام 2021، وإذا صَدَق توقُّعي وبُنِيت مِنصة العرْض على قاعدة عسكرية، فالمحتوم أنَّ أجمل امرأة في العالم ستحمل مُواصفات صاروخ بكل ما لمعنى الكلمة من انفجار !

أخْشى أن تخيِّب إسرائيل أفق انتظار عُشَّاق الجمال، فما أكثر ما أفتح فمي مبهوتاً حين الإعلان عن المرأة التي ستُمثِّل جمال كل نساء العالم، قد تكون من إفريقيا أو جزر البلقان، أو أي مكان قريباً أو بعيداً من وكْر الشيطان، ومَهْما كانت هذه الملِكة فهي غير مفصولة عن الإطار الذي أنتج نباتها غير الحسن، وما هذا الإطار سوى كيانٍ صهيوني ينْتهِك أرض الغيْر، ويغتصبُ مع كل شبر أرواح الأبرياء العُزَّل، ولا يمكن للمرأة التي اختيرت للتَّاج إلا أن تحْمل مدى التاريخ، لقب ملِكة القُبْح، أما ملكة جمال اليونان المُحترمة "رافاييلا بلاستيرا" فقد ألْقت في الكيان الصهيوني زجاجة حارقة بعبارتها البليغة الجروح، قالت إنها لا يمكن أن تُشارك في هذه المرحلة من المسابقة، "وكأنّ شيئاً لا يحدث، بينما يُقاتل الناس (الفلسطينيون) من أجل حياتهم هناك"، وانضم لنفس الوتر الذي عزف خارج السرب، ملكتا جمال أندونيسيا وماليزيا "كي لا تُساهما في تبييض جرائم الاحتلال الإسرائيلي"، حقا إنَّ الموقف المُشرِّف هو الذي يصنع الملكات !
قد تكون هذه الملكة جميلة بمعايير لجنة تحكيم كما تقيس الطول تحْتَسِبُ الوزن دون احتساب خيطين من الثوب، فهذه اللجنة نكاية ببعض الأكف المُسْرفة في تلمُّس مواطن الجمال، تكبح الجِماح وتضع كل شيء في كفَّتي الميزان بمقدار، الأجدر مُراعاة العواطف الجيَّاشة للجماهير وضِمنها عاطفتي، ثمَّة من ذوقُه هزيل ويُحب السمينات وثمة من ذوقه سمين ويُحب الناحلات، وهناك من في كِلا الذَّوقين يُوقن أنَّ الجمال لا يُمكن أن يَصْدُر عن إسرائيل، ربما كان ذوقي سيِّئاً بمنظور الموازين التي تشْترطها اللِّجن، ولكن لا يُمْكن لبصري أن يكذب عليَّ ويضع بيني وبين الجمال غشاوة تُضلِّلُني، ولستُ أبالغ إذا قلتُ ما أكثر الجمال الذي أُصادفه يومياً في الشَّارع، الجمال الطَّبيعي غيْر المُعلَّب أوْ القابل للبيع، وأجده أفضل بكثير مما يفْرِضُونه على ذوقنا ببعض الدُّمى المُصَنَّعة مع الأسلحة في إسرائيل !
اليوم جاء الدور على الدولة العِبْرية لتُراجع أوراقها التي ما زالت تُراكم سِجلاَّت الحِداد، ومن أين لهذه الأوراق أن تكون مَبْعثَ فخْر وكُلها مُجرَّد شواهِد وفاة للشهداء الفلسطينيين، اليوم استيقظ ضمير الكيان الصهيوني وقرَّر أن يسْتخرج شهادة الحياة بأنْ يصنع للعالم أجمل امرأة، قرَّر أن يهرق الماء على الدم لتبتلعه المجاري وهو يخطِّط للمجزرة الموالية، ولن تكون هذه الأنثى كما باقي النساء اللواتي ينْشَأْن في الأرحام، بل يجب أنْ تعْكِس توجُّه البلد الذي يستضيف هذا الطقس القُرباني على ضفة البحر الأحمر، وكي تبْهر ملكة الجمال العالم، يجب أن تتوفر على فعَّالية آلة القتل كالتي تبيد كل يوم الفلسطينيين، ما أكثر ما تخونني سِعة خيالي فأشِطُّ أبعد ممَّا يحتمله الواقع، ولكن مع ذلك أتوقَّع أن تكون المرأة التي ستحظى بالتَّاج على القاعدة العسكرية لإسرائيل، ذات شَعْر أحمر كالنيران وتتخلَّله خيوطٌ من دخان، فارعة الطُّول بالعلو الذي يتناغم مع قامة صاروخ، أما قوتها التَّدميرية فعِلْمها في الغيب وتستدعي تجربة سريرية، المُهم أنَّ إسرائيل ستُلبِّي في هذه النقطة الذَّوْق الشَّرْقي لتُمدِّد رقعة التطبيع، صحيح أنَّ الأعراب أشدُّ كُفراً ونفاقاً، ولكنهم إذا أحبُّوا فتحوا القلب ومعه الجيب هدفاً لأخطر صاروخ !
هل أحتاج أن ألْهَج بما تعرف حقيقته المُرّة الإنسانية جمعاء، هل أعيد القول إنَّ الكيان الصهيوني لن يقترح بمسابقته المُضلِّلة إلا أقبح الجميلات، أما شهيدات فلسطين ذواتِ الجمال المغدور.. فهُنَّ أجمل الملكات !
.............................................
افتتاحية ملحق"العلم" ليوم الخميس 2 دجنبر 2021.







1640265494997.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى