سركون بولص - الكرسي

كرسيّ جدّي ما زالَ يهتزّ على
أسوار أوروك
تحتَهُ يعبُرُ النهر، يتقلّبُ فيهِ
الأحياءُ والموتى.
أبي في حراسة الأيّام
لم تكن العَظمة، ولا الغُراب
كانَ أبي، في حراسة الأيام
يشربُ فنجان شايه الأوّل قبل الفجر، يلفّ سيجارته الأولى
بظفْر إبهامه المتشظّي كرأس ِثُومة.
تحت نور الفجر المتدفّق من النافذة، كانَ حذاؤهُ الضخم
ينعسُ مثل سُلحفاة زنجيّة.
كان يُدخّن، يُحدّقُ في الجدار
ويعرفُ أنّ جدرانًا أخرى بانتظاره عندما يتركُ البيت
ويُقابلُ وحوشَ النهار، وأنيابَها الحادّة.
لا العَظمة، تلك التي تسبحُ في حَساء أيّامه كأصبع القدَر
لا، ولا الحمامة التي عادت إليه ِبأخبار الطوَفان.
سقط الرجل
في وسَط الساحة
سقطَ الرجُلُ على رُكبتيه.
هل كان مُتعَبًا إلى حدّ
أن فقدَ القُدرة على الوقوف؟
هل وصلَ إلى ذلك السدّ
حيث تتكسّرُ موجةُ العُمر النافقة؟
هل قضى عليه الحزنُ بمطرقة ٍ يا تُرى؟
هل كانَ إعصارُ الألم؟
رُبّما كانت فاجعة ًلا يطيقُ على تَحَمّلها أحد.
ربّما كان ملاكُ الرحمة
جاءَ ببَلطته الريشيّة عندما حانَ لهُ أن يجئ.
ربّما كان الله أو الشيطان.
في وسط الساحة
سقطَ الرجلُ فَجأةً مثلَ حصان
حصَدوا رُكبتيه ِبمنْجَل.
جسدي الحيّ في لحظته
النوافذ ُ مُغَطّاةٌ بستائرها المُخَرَّمة، وأنا
راقدٌ في سريري، بؤرةً لشَذراتٍ آتية من باطن أرضي أنا، جسَدي
الحيّ في لحظته، هذا التنّور الذي لا يكفُّ عن تَدوير الأرغفة
للجياع المزدحمينَ على بابي.
وجهي مُعَلّى للسماء وما من زاويةٍ للتنَحّي
شَعري مُعَفَّرٌ بأتربة الشمس، والهواءُ يدخلُ قُمرات سفينة
أبعثُ بها الى البحر، بين آونةٍ وأخرى، مصنوعة من كلماتي.
كلماتي المليئة بالنذائر، والنُذُر، ومفاجآت أيّامي.
هي الأثقَل من تُراب قبر أبي المجهول في مسقط رأسي.
لا، لستُ الطريحَ الذي قد تتخيّل، على سرير انعزالاتي
أبعدَ من أن تصلني صيحاتُكَ المجيدة.
النورُ يُملّسُ وجهي، والرؤيةُ قد تُحيلُ جدرانَ غرفتي
إلى مسرح ٍورَقيّ، يُشعلُ فيه النارَ عُودُ ثقاب.
يدي قد تُسقطُ حِمْلها من الكلمات على هذه العتبة المغطّاة بالخطى
وتُبَعثرني ريحُ الربّ الغاضب المترنّح في مسيرتهِ عبرَ الصحراء كحَفنةٍ من الحنطة.
(آه، يا أوجُهَ التواريخ الجريحة!)
هذا أنا: صوتُ أجراسي الخفيّة في اللحم، أعلى من عاصفةٍ وشيكة.



محمد بلامين.jpg
تشكيل الفنان الليبي محمد بن لامين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى