أشرف الصباغ - طائر غريب

كانت الشمس تتوسط كبد السماء، تحرق الوجوه والصدور العارية، تشتت نصيب الزرع والطير من بقايا الماء الساري. ولما حرر حامد أبو أحمد بقرته من نير دورانها حول الساقية هبت نسمة رطبة محملة برذاذ بقايا المياه في القناة الصغيرة، فداعبتْ تجاعيد وجهه وطوحتْ بحبات العرق المختلطة بالماء والطين على نصفه السفلي العاري.

عَبَرَ الطريق متلفتا حوله في حذر خشية أن تلمحه امرأة أو فتاة. نزل بخطى وئيدة نحو مياه الترعة. ولما أيقن أنه صار بمنأى عن العيون تبول ثم قرفص واستنجى. صعد مسرعا. عَبَرَ الطريق. خطف سرواله وجلبابه المنشورين على جذع الجميزة الضخمة، ثم عاد مرة أخرى إلى الترعة. خلع الصديري، فصار عاريا. لف ملابسه في حرص، أمسكها بقوة وراح يسبح في هدوء حتى وصل إلى الشاطئ المقابل.

وضع الملابس فوق سور المصلية. أخذ يسبح ضاربا الماء بقوة. انقلب على ظهره وترك جسده عرضة لحركة المياه البطيئة. لم يرق له استسلامه لجريان الماء المتأني فضرب صدره بقبضته وانقلب مرة ثانية. راح يضرب صفحة المياه بذراعيه مثلما كان أيام الصبا، وعيناه تمسحان الأفق وذؤابات الأشجار ثم تهبطان إلى الزرع والمياه المتحركة من حوله، ويغلقهما بنشوة على شاطئ الترعة وفتوته وشبابه.

وقف على الحجر الأبيض الكبير. توضأ ثم نفض الماء عن جسده بكفيه. تناول ملابسه وارتداها على عجل. نظر إلى الشمس مظللا جبهته بكفه وسعل في قوة. قاس ظله بقدميه وابتسم مدمدما بكلمات. مسح وجهه بكفيه. بسمل وحوقل متجها إلى القبلة. صدح صوته بآذان الظهر، ثم جلس يردد أوراده وأدعيته اليومية. قرأ آيات من الشمس وضحاها. وقام فصلى الظهر حاضرا.

جلس متجها نحو القبلة. ولما سمع نباح كلب الحاج عثمان لعنه واستعاذ بالله، ثم سحب جسده في بطء معتمدا على كفيه، وأسند ظهره إلى سور المصلية. رفع وجهه إلى السماء وراح يرقب طائراً غريبا. بسمل وحوقل ثم أغمض عينيه نصف إغماضة. دار الطائر دورتين، ولما أتم دورته الثالثة فتح حامد عينيه ولم يغمضهما.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى