الوصية الحادية عشرة

"الوصية الحادية عشرة"
اتركوا المتسولين يعيشوا في سلام
إنهم جزء من المشهد،صنّاع حياة،أدعيتهم تحرّك الإنسان فيك،تفطر قلبك،فتتحرك أصابعك إلى جيبك،والأمر بعد ذلك مرهون بطبعك،بكمش الكثير أو القليل.ونفحهم إياه عن طيب صدر!
لا أدري لماذا يحركون الفِرق لتجري وراءهم وتطاردهم وتنغص عليهم حياتهم؟ عش ودع غيرك يعيش،ليكن هذا شعارك،فالحياة مأزومة،فلِم تؤزمها بأكثر مما تحتمل؟
ثم إنهم تغيروا عما كانوا قبلاً،وهذا تطور محمود يجب أن يحسب لصالحهم،فثيابهم نظيفة ،ورائحتهم طيبة،وأنوف أطفالهم خالية من المخاط والسيلانات،حتى أنهم أصبحوا أقل نفاقاً ولا يمارسون التقية،فلا يصنعون العاهات بل يأتوك منتصبي القامات مرفوعي الهامات،،ولا يبرزون شهادات مرضية،أو تقارير عمليات جراحية.
بربك يا أخي،هذه لوحة الحياة الزاخرة،فلماذا تقتطع جزءاً منها؟ هذا تشويه وقسوة لا تحتمل!
لا بل إن فيهم بعض النساء الجميلات،بوجوه بيضاء صبوحة!
لا تسء فهمي يا أخي،فأنا أبحث عن التفاؤل في أي وجه،لأتسلّح ضد مكر هذه الحياة وقتامتها!
هذه الوجوه أستلهِمُ منها التفاؤل،وأشعر أن العالم لا يزال بخير،حتى لو عشنا على هوامشه!
أترك هذه الهوامش بسلامٍ إذن،لماذا تحاول محوها ومصادرتها أو حتى تضييقها؟
دعهم يهجمون على نوافذ السيارات،مشرعين علب مناديلهم الورقية أو صناديق علكتهم،أليس ذلك أفضل من إشهار السلاح في وجه أخيك وقتله في لحظة غضب!
ألست تلاحظ أن دوائر الجريمة تتسع،ومعها أمواج الغضب الشيطاني التي تضرب صدور الناس وتدفعهم لارتكاب أبشع الجرائم وأشدّها وحشية!
أما هؤلاء فهم يلوون قسماتهم بمسكنة واستعطاف مثيرين في نفسك أعمق معاني العطف والشفقة،فقل لي بربك،من هو الأفضل والمستحق للتحية والتقدير!
تقول لي أنهم يهدرون الكرامة،وهل تبقى من الكرامة شيء ليُهدر،ألم تُهدر على مذابح التسليم والاستسلام،والغدر وخيانة الرفاق،والتفريط بالأوطان؟
فهل تريدني أن أقف إجلالاً وتحية للسياسيين،وأن أُمعّر وجهي وأصعّر خدي لهؤلاء المتسولين؟
والله إن هذا لظلم عظيمُ!
سأقول لك السر في إطلاق السياسيين جندهم وراء هؤلاء المساكين!
إنها الغيرة يا سيدي،فهؤلاء يحسدونهم معيشتهم ،يحسدونهم السلام والسكينة التي تكتنف حياتهم،فمما يثير الغيظ حقاً في نفوس هؤلاء السياسيين أنهم برغم الكراسي والمناصب والثروات التي يتقلبون بها على حساب الشعب،لا يهنأ لهم عيش،فصدورهم ضيقة،وأرواحهم مخنوقة ويبحثون عبثاً عن لحظة هناء واسترخاء فتضن الحياة بها عليهم،حتى لكأن فرشهم مزروعة بالدبابيس والمسامير،حتى راحة النوم حرموا منها،فيتقلبون في قلق وأرق،ثم يلجأون إلى الحبوب والمهدئات أو أدوية الأعصاب والمخدرات.
أما أصحابنا هؤلاء فلا حاجة لهم بها فما إن يعودوا آمنين إلى بيوتهم بما جمعوا من قروش،حتى يلتئم شمل العائلة حول المائدة فيتعشّون وينامون نوم العوافي.
هل عرفت الآن لماذا يحسدونهم ويطاردونهم؟
الحق أقول لكم: دعوهم في سلام!
نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى