عبدالله البقالي - الصرار والنملة والجديد في الحكاية

في مرحلة استخلاص العبر مما سبق، تقف النملة مستندة على حافة بوابة جحرها واضعها كفها وذراعها على حافة بابها وهي تنظر بتشف إلى الصرار كما هو الامر في نفس التوقيت من كل سنة، تتأمله وهو منهكا بالجوع ويرتجف من شدة البرد، متوقعة تماما سبب زيارته. وفي جوابها عن سؤاله، لم تكن بصدد حوار تواصلي مثلما يحدث عادة بين كائن وآخر، وإنما كان لسان حقيقتها وفلسفتها في الحياة، المجسدة في كون الذي يقرأ التقلبات وهي لم تحدث بعد، هو الأقدر على الاستمرار في الحياة.
ربما كان هذا من اهم المغازي والدروس من الحكاية. وهو ما جعل الكتب المدرسية المكان الانسب والمفضل لها . الا انه اضيف وسيضاف لها مغاز قد لا تستطيع الحكاية تحملها وذلك تماشيا مع المستجدات و التحولات الاجتماعية. وتبعا للمعايير والتوجهات التي يتبناها كل طرف من الأطراف التي تنصب نفسها فاعلا ومؤثرا في تطور سير المجتمع، لحد ان بعض التأويلات ترقى احيانا الى مستوى اعتبارها جريمة معنوية.
بالنسبة للمدرسين الذين كان همهم الأول هو دفع المتعلمين إلى المزيد من التحصيل، فهم حين كانوا يعمدون إلى تجريد القصة، كانوا يضعون النملة كرمز للجد والعمل. وبتقصير قد يعود في الغالب الى محدودية ثقافة بعضهم، فهم كانوا يضعون النملة كرمز للجد والعمل. ويضعون الصرار كرمز لتبذير الزمن وصرفه فيما لا طائل. وهم عن وعي او دونه، كانوا يضعون الفن كنقيض للعمل. وهذه المغالطة قد تلقفها أكثر من طرف، خصوصا أولئك الذين كاموا يدركون خطورة الفن ويفتقدون الى ما يجعلهم غير قادرين على حصر تأثيره. اذ الفن يقود إلى أسئلة وتحرير طاقات الانسان التي لا ينفع معها التطويق الذي يبقي تفكير الانسان في حد معينة.
المنطق يفيد أن نقيض العمل هو البطالة و الكسل والتهاون .وليس الفن. وأنه نتيجة لهذا الفهم المغالط، لنا ان نتصور كم من فنان ضاع. وكيف اسهم ذلك في خلق مجتمع بدون ثقافة فنية وعاجز عن التمييز بين الفن الراقي وبين الوضاعة التي تلصق عنوة بالفن. وكيف ان هذا المجال الحساس ترك مفتوحا في وجه كل من هب ودب ليساهم في اغراق المجتمع في ثقافة بئيسة وضيعة. ونجوم زائفة واحيانا منحرفة نظر الناس لها على اساس ان الفن هو ما افرز هؤلاء، خصوصا مع ترويج وسائل التواصل التي قدمت تلك النجوم كقدوة . بينما غيبت الفنانين الحقيقيين الذين يستفزون بفنهم الوعي والحواس التي تزيل الغشاوة عن الأبصار.
جديد الصرار والنملة
قرأت قبل أيام اجتهادا طريفا لأحد الكتاب يرسم منحى أخر للحكاية. وقد أفاد من خلاله أن النملة سمعت طرقا خفيفا على باب جخرها. وكما توقعت، فقد كان الصرار هو الطارق. لكنه على عكس الحال الذي كان عليه في كل مرة من السنوات المنصرمة. فقد كان سعيدا، وبالمزاج نفسه الذي يكون عليه أيام الصيف. حياها بخفة، وهو ما زاد من استغرابها ودهشتها فقالت له: خيرا.
أجاب: جئت اطلب منك أن تتفقدي جحري من حين لآخر إن كان ذلك في وسعك.
عقبت النملة باستغراب: ما الأمر؟
اوضح: في الصيف مر بي متعهد للحفلات، وقد اعجب بفني، وهو ما حدا به أن يطلب متي توقيع عقد سأقضي بموجبه كل الشتاء في باريس.
تملكت الدهشة النملة وهي غير مصدقة لما تسمعه. وحين طال صمتها سألها ابصرار: ما الهدية التي تفضلين أن احضرها لك من باريس؟
قالت النملة بعد غن افاقت من دعشتها: لا، لا تحضر شيئا، فقط إن حدث وأنت تتجول في باريس، وصادفت " لافونتين" قل له : الله يلعن الجدارا متاع بوك"

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى