أسامة إسبر - كثَلْج هذا الشتاء..

-١-

صوتُ الجبل في أذنيّ،
ألوانهُ التي استدانتها الأشجار
تعيشُ في صورٍ دخلنا إليها
وغادرناها حين هبّ هواءٌ
سرق الأوراق، في خريفٍ
كدتُ أتساءل فيه: أين ملامح وجهي؟
-٢-
أوشكتُ أن أصادق جذوع الأشجار
وأنا أخبىءُ أحزاني في تغضناتها
غير أنني بدأتُ من جديد
كما كنتُ أبدأ معك،
سمعتُ صوت الجبل
يقول لي: في الشارع الذي تعودتَ أن تسيرَ فيه
لن ترى قمتي.
لم أكن أفكر بقمته،
بل بكِ على قمةِ ما كُنا فيه
تلبسين جناحيْ نسرٍ في الحب
وتحتلين سماءه،
لا عشَّ لكِ،
تأتين وتذهبين،
صدري سَفْح الجبل لكِ
أو وجهُ الغابة.
تزدحم صورك في رأسي
يزداد فراغُ الشارع من الآخرين
يمتلئُ بأشكالكِ وهي تلبسُ الأجنحة
فأدخل مدينةً من الريش.
-٣-
في مدينة من الريش،
كنت أنتقي ريشات لجناحين كي أحلق بهما إليك،
لكنك قلت لي: لا أعيشُ في السماء
لا تُتعب نفسك بالأجنحة
ولا أريد ورودك
لا تضيّع وقتك
بتقديم بتلاتٍ تستيقظ في صباح الضوء
وتنام مطبقةً على موتها في مسائه.
-٤-
يتكشّف الشارع عن إسفلتٍ طريٍّ
تفوحُ أنفاسه الحارة
فتتعرّق ملامح النهار،
يصمتُ الجبل
الذي قلتِ دوماً
إنك تريدينني أن أتسلقه معك.
أتذكر كلامك، كأنه يُلفظ الآن:
”على الجبل يكون للهواء معنى،
للعلوّ بين الذراعين معنى،
وحين تمنح السفوح لعينيكَ،
ترى أمواج الخضرة تتنقل صعوداً وهبوطاً
والهواء الذي تسري فيه كلمات
قلتَ دوماً إنك تبحث عنها
وحين تخرج من نفسك قليلاً كي تسيرَ معي،
وتضع يدك في يدي،
وأرتجف بين أصابعك
كارتعاش جناح فراشة
هل ستتذوّق طعم هشاشتي
أم ستترك لقوتي أن تتغلغل فيك؟“
-٥-
عدتُ إلى مدينة طفولتي
مشيتُ وحيداً على شاطئها
وهناك فكرتُ بكِ أكثر من اللزوم
ضاعَ الوقت بعيداً عنكِ،
لم أشعل النار التي تحبينها،
لم أر وجهك في مرايا اللهب
حين لم تكن هناك ضرورة للضوء
كما قلتِ، حين كنا نهتدي
بالنار إلى نار أخرى
نشعلها تحت الغطاء
بعد أن نجمع عيدانها
من كلماتٍ وذكرياتٍ وقُبَلٍ وعناقاتٍ
ونبقى إلى أن يصير كلّ شيء رماداً.
-٦-
أعودُ إلى الشارع،
حيث كان ظلك وظلي منعكسين
حيث غادر ظلانا فجأة
وحَمَلَنا كلٌّ منهما نحو طريق مختلف.
هل كنا إذاً ظلينا،
هل كنا مجرد انعكاسات
ترسمها الشمس على الإسفلت
ثم تمحوها؟
كنت أسأل،
وأعيد طرح السؤال على نفسي
وكنتِ دوماً هنا،
يأتي الجوابُ بصوتكِ
فأتيقّن من جديد
أن كلّ شيء حقيقي،
ربما حقيقي إلى حين
كما تهمسُ قمة الجبل
ومدينة الريش
والنار التي علتْ ألسنة لهبها في الريف
والظلال نفسها التي تسامرت قرب جسدينا
وأفكاري،
أفكاري التي تعيدك إليَّ
والتي تذوب كثلج هذا الشتاء
ولا تعرف في أي جداول ستسيل.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى